هذا المقال موجَّه لكل خبير يعتزم الخوض في مجال التدريس أو التدريب، ويبحث عن مصادر وتوجيهات تساعده على إعداد خطة تدريبيَّة رسمية، أو غير رسمية بغية تدريب أحد الموظفين في مكان العمل على سبيل المثال؛ إذ يقتضي إجراء الدورات التدريبية الالتزام بالخطوات الرئيسة الآتية:

  1. الاستعلام عن الاحتياجات التدريبية.
  2. تعديل منهج تدريبي سابق ليتناسب مع احتياجات المتدربين، أو تصميم منهج جديد.
  3. تقديم دورة تدريبية احترافية متكاملة للحصول على نتائج طويلة الأمد.

ثمة دورات تدريبية لا تحقق النتائج المطلوبة التي يحتاج إليها المتدرِّب، ولا تأخذ في الحسبان خبراته ومهاراته السابقة أو احتياجاته التدريبية؛ بل ولا تتيح له فرصة الاعتراض على المحتوى المقدَّم أو تقييمه وتوضيح أهدافه للمدرِّب.

كثيراً ما ينسى الفرد المحتوى الذي يتعلمه في الدورات التدريبية بعد انتهاء البرنامج بفترة قصيرة؛ لأنَّ المدرِّب لا يبدو مهتماً بالمواد التدريبية التي يقدِّمها، ولا يعمل بحماسة وشغف؛ بل يتعامل مع التدريب على أنَّه مجرد وظيفة أو واجب يؤديه رغماً عنه، ويمكنك أن تتجنب هذه الهفوات عندما تصمِّم البرامج التدريبية بطريقة ممنهَجة ومنظَّمة؛ إذ يبحث المقال في المحاور الرئيسة لعمليات التدريب، وخطوات تصميم وتقديم الدورات التدريبية.

تحليل الاحتياجات التدريبية (TNA):

من غير المنطقي أن يصف الطبيب الدواء دون أن يعاين المريض، ويجري الفحوصات السريرية اللازمة، ويدرس الأعراض الجسدية، ويشخِّص المرض، فلا يمكن أن يُشفى المريض في مثل هذه الحالة، وقد يتأزم وضعه الصحي ويتفاقم مرضه حتى لو استخدم الطبيب أحدث الأدوية والخطط العلاجية.

يقتضي التدريب إعادة برمجة الدماغ، واكتساب عادات جديدة، والتخلص من العادات القديمة السلبية، واستبدالها بأخرى أحسن منها، ودفع الأفراد إلى التشكيك بمعتقداتهم وسلوكاتهم الراسخة في عقولهم، فلا يمكن أن تتحقق الفائدة المرجوة من التدريب ما لم تخصص وقتاً كافياً لدراسة طبيعة المشكلات والاحتياجات التدريبية التي يجب أن تركز عليها في أثناء تصميم الدورة التدريبية.

تعتمد مراحل العمل على نوع التدريب الذي تقدِّمه:

1. دورات تدريبية متاحة للعامة:

يتم تصميم البرنامج التدريبي وإعداد المحتوى بشكل مسبق في حالة الدورات التدريبية المتاحة للعامة؛ إذ يحدِّد المدرِّب في هذه الحالة المحاور التي سيتناولها المحتوى بشكل مسبق، وعلى هذا الأساس يسجِّل الأفراد في الدورة التدريبية.

مع ذلك، يجب على المدرِّب أن يخصص بعض الوقت في بداية البرنامج التدريبي وقبل كل جلسة أو موضوع جديد للاستعلام عن رغبات وحاجات المتدربين، ويُطلَق على هذا الإجراء اسم "تحديد الحاجات" (Establish the Need) وهي عبارة عن عملية ممنهَجة مؤلفة من 5 خطوات تهدف إلى الاستعلام عن أهداف وحاجات العميل وتلبيتها من خلال الدورة التدريبية.

2. التدريب الداخلي للشركات والمؤسسات (In-house course):

يمكنك في هذه الحالة أن تستخدم منهجاً تدريبياً جاهزاً وتعدِّله بما يتوافق مع احتياجات المؤسسة، أو تصمم منهجاً جديداً كلياً، ويتم ذلك عن طريق تطبيق إجراء "تحليل الاحتياجات التدريبية" (TNA)، وهو عبارة عن عملية منهجية تتم وفق خطوات متتابعة بهدف تحليل نقاط القوة والضعف للمتدربين في مجال معيَّن وصياغة حلول تدريبية تلبِّي الاحتياجات وتعالج نقاط الضعف.

أساليب تلبية الاحتياجات التدريبية:

يتم استخدام المحتوى التدريبي الذي صمَّمه المدرِّب في حالة الدورات التدريبية المتاحة للعامة خلال الجلسات؛ لذا يجب تحديد الاحتياجات التدريبية في حالات التدريب داخل المؤسسة، واستخدام النتائج في وضع خطة العمل، وإعداد محتوى تدريبي يحقق أهداف هذه الخطة، فيمكنك أن تبدأ باستخدام محتوى جاهز أو تصمِّم محتوى جديداً كلياً خاصاً بالدورة التدريبية الجارية.

تجري العادة أن يبدأ المدرِّب باستخدام دورات تدريبية مُعدَّة مسبقاً بسبب التكلفة المرتفعة لعمليات إعداد المحتوى التدريبي من جهة، وبغية استخدام محتوى متاح وجاهز سبق له أن تعامل معه وحقق النتائج المطلوبة من جهة ثانية؛ إذ يفضِّل معظم المدربين تقديم محتوى سبق أن طبقوه في دوراتهم التدريبية؛ لأنَّهم يعرفون الأساليب المثالية لشرحه وتقديمه للمتدربين بناءً على خبراتهم وتجاربهم الشخصية السابقة.

يتألف المحتوى التدريبي في حالة الصفوف الدراسية والتدريب التفاعلي من العروض التقديمية، وكتب التمرينات، والألعاب، وغيرها من التقنيات المستخدَمة لإعادة برمجة عقول المشاركين خلال الدورة التدريبية؛ إذ يمكنك أن تطبق نتائج الأبحاث والدراسات الحديثة والأدوات التكنولوجية في المواد التدريبية التي تقدِّمها لمساعدة المتدربين على تحقيق أقصى فائدة ممكنة من الدورة التدريبية.

فيما يأتي 3 خيارات لإعداد مواد الدورة التدريبية:

1. إعداد مواد تدريبية خاصة بك:

قد تستغرق عملية إعداد المواد التدريبية سنوات عدة، فيجب أن تكون متمكِّناً من تخصصك في هذه الحالة، ومطَّلعاً على أحدث التطورات في مجال ومحتوى التدريب وأساليب تقديمه وتقنيات التعلم.

2. شراء مواد تدريبية جاهزة:

تتيح لك هذه الطريقة إمكانية الاستفادة من خبرة المختصين في إعداد المحتويات التدريبية.

3. الجمع ما بين الخيارين السابقين:

يمكنك أن تشتري مواد تدريبية قابلة للتعديل، وتخصِّصها لاحتياجات المتدربين، كما أنَّك ستصبح أكثر خبرةً بالمحتوى في أثناء تقديم الدورات التدريبية، وسيتسنى لك حينها أن تجري التعديلات والتحسينات التي تراها مناسبة بناءً على خبرتك وتجربتك الشخصية.

الهدف النهائي للمدرِّب:

يجب عليك أن تُعِدَّ منهجاً تدريبياً يترسخ في ذهن العملاء على الأمد الطويل، ويحوز على إعجابهم ورضاهم، ويحقق أهدافهم، ويؤثر فيهم، ويُحدِث فارقاً في حياتهم، عن طريق تقديم تجربة مميَّزة ومختلفة عن الدورات التدريبية المعتادة؛ لذا يجب أن تكون هذه التجربة ممتعة، وغنية بالمعلومات التي تلبي احتياجات المتدربين وتحفز عمليات التفكير لديهم.

يمكنك أن تستفيد من تقنيات التدريب الحديثة مثل الألعاب، والتمرينات التفاعلية حتى تصبح التجربة أكثر متعةً، ويستوعب المتدربون المعلومات التي يقدِّمها المنهج وتترسخ في عقولهم على الأمد الطويل.

يجب أن يكون المدرِّب قادراً على ابتكار أدوات وأساليب جديدة خلال البرنامج التدريبي استجابةً للاحتياجات الجديدة التي تطرأ في أثناء الجلسات؛ لهذا السبب، يجب عليك أن تكون ملماً بطرائق التدريس بما فيها من محاسن ومساوئ، حتى تكون قادراً على اختيار الأداة المناسبة كلما دعت الحاجة.

يجب عليك أن تطلع أيضاً على مصادر وأساليب التدريب المتوفرة على الإنترنت مثل التمرينات، والمحتويات، والقصص، وغيرها من التقنيات التي يمكن أن تساعدك على اختيار أدوات التدريب المناسبة.

كيف تصبح مدرِّباً محترفاً؟

أثبتت استطلاعات عدة أجرتها مؤسسات التدريب أنَّ نجاح المنهج التدريبي يرتبط ارتباطاً مباشراً بمستوى أداء المدرِّب؛ إذ يتميز المدرِّب المتمكِّن بقدرته على تلقين المعلومة بطريقة يفهمها المتدربون، وهي مهارة يمكن اكتسابها وتنميتها وإتقانها مثل غيرها من المهارات، ولا يُشترَط أن يكون المدرِّب الخبير الأبرز في مجال عمله، أو أن يتفوق على جميع منافسيه بكمِّ المعلومات التي يعرفها؛ بل يكفي أن تعمل على تنمية مهاراتك في مهنة التدريس بحد ذاتها حتى تصبح مدرِّباً متمكِّناً.

يتعيَّن عليك أن تفهم كيف يتعلم البشر حتى تصبح مدرِّباً بارعاً، فلقد حدث تقدُّم ملحوظ في العقود الأخيرة في مجالات علم التربية، وعلم النفس التربوي، وعلم النفس المعرفي، كما ساهم اختراع الحواسيب وثورة المعلومات في تكوين فكرة واضحة عن آلية معالجة المعلومات، وهو ما أدى بدوره إلى وضع نظريات جديدة مثيرة للاهتمام عن آلية عمل الدماغ؛ لذا يمكن تعريف عملية التعلم على أنَّها تغيير طويل الأمد يحدث في الذاكرة، وهذا يعني أنَّ التدريب الناجح يتطلب ترسيخ المعلومات في الذاكرة.

كيف تتم عملية التعلم؟

يساهم حفظ الأسماء في بناء العلاقات وتحسين مستوى التواصل، وهو ما يجعلها مهارة بارزة ومؤثرة في حياة الأفراد؛ إذ يمكن حفظ الأسماء عبر تدوينها على الورق، لكن تصبح عملية الحفظ شاقة عندما يكون عدد الأسماء كبيراً؛ لذا التكرار هو الطريقة المثالية للتعلم والحفظ على الأمد الطويل؛ لأنَّه يساهم في زيادة سرعة وفاعلية عملية التعلم وكمية المعلومات المكتسبة، والمقدرة على الحفظ على الأمد الطويل.

أجرى عالما النفس "كاثرين فريتز" (Catharine Fritz)، و"بيتر موريس" (Peter Morris) دراسة للبحث في تأثير التكرار في عملية حفظ الأسماء؛ إذ قسَّم العالمان الطلاب المشاركين إلى مجموعات مؤلَّفة من 9 أفراد ومصفوفة على شكل دوائر، واقتضى برنامج التجربة أن يقوم طالب في كل مجموعة بالتعريف عن اسمه، ثم يقوم الطالب المجاور له بتكرار هذا الاسم وإضافة اسمه، وبالمثل يفعل الطالب الذي يليه، وهكذا دواليك حتى نهاية المجموعة، فبدأ الطلاب بحفظ جميع أسماء أقرانهم بعد تكرار العملية مرات عدة، وتغيير الطالب الذي يبدأ سلسلة الأسماء في كل مرة.

بينت نتائج التجربة أنَّ 75% من الطلاب نجحوا في تذكُّر جميع الأسماء بعد مضي 30 دقيقة على تمرين التكرار، و40% منهم بعد أسبوعين، و27% بعد 11 شهراً، وتم تحقيق هذه النتيجة عبر إجراء تمرين تكرار لفظي بسيط في جلسة واحدة، فلم تكن النتائج بعد مضي 11 شهراً مُرضية، وهنا يبرز السؤال الآتي "ما هي الأساليب التي يجب استخدامها لتحسين الأداء على الأمد الطويل؟".

آلية عمل التكرار:

اكتشف علماء الأعصاب خلال أبحاثهم أنَّ التكرار يؤدي إلى حدوث تغييرات جذرية على المستوى العصبي؛ إذ تتم عملية التعلم عندما تنشأ ارتباطات جديدة بين خلايا الدماغ، وقد كشف البحث الذي أجراه عالم الأعصاب والطبيب "جو تسين" (Joe Tsien) عن وجود قنوات اتصال ضمن الخلايا العصبية الدماغية تُدعَى "مستقبلات ن-مثيل-د-أسبارتات" (NMDA)؛ إذ تؤدي هذه القنوات دوراً بارزاً في حدوث عملية التعلم، فعندما تنتقل الإشارة العصبية من خلية إلى أخرى، تقوم الخلية المُستقبِلة بإعادة إرسال "إشارة تلقِّي" للتأكيد على أنَّها تسلَّمَتها، وتتم عملية النقل عبر الخلايا النشطة المجاورة.

قدَّم عالم الأعصاب الأستاذ "آرييه روتنبرغ" (Aryeh Routtenberg) شرحاً مفصَّلاً عن آلية نقل الإشارة العصبية في إحدى دراساته، فعندما تعبر الإشارة العصبية الفجوة الفاصلة ما بين خليتين عصبيتين متجاورتين، يتم إرسال مُركَّب "إشارة تلقِّي" عن طريق "مستقبلات ن-مثيل-د-أسبارتات" إلى الخلية المرسِلة للتأكيد على استلام الإشارة العصبية.

ينشِّط هذا المركب بروتينات تُعرَف باسم "جاب-43" (GAP-43)، وهي تساهم في تسهيل مرور الإشارة العصبية التالية، وهذا يعني أنَّ التكرار يؤدي إلى تحفيز المزيد من الخلايا العصبية، وتسهيل مرور الإشارة العصبية وإنشاء روابط أكثر متانةً بين الخلايا، وخلاصة القول، تصبح عملية التعلم أسهل مع التكرار.

التكرار المتباعد:

يُطلَق مصطلح "التكرار المتباعد" على تقنية التعلم التي تعتمد على آلية عمل الخلايا العصبية المشروحة آنفاً؛ إذ تقتضي هذه الطريقة بكل بساطة تكرار المعلومات وفق فواصل زمنية متزايدة، وقد يؤدي التكرار إلى إنشاء روابط بين الخلايا العصبية وتقويتها، وهي تعتمد على ما يُعرَف في علم النفس باسم "تأثير التباعد" (spacing effect)، الذي يفيد بأنَّ الإنسان يحفظ المعلومات ويرسخها في عقله عندما يكررها خلال فترة زمنية مطوَّلة.

تشرح "فرضية قصور المعالجة" (deficient processing view) أنَّ تكرار المعلومات وفق فترات زمنية قصيرة غير فعال بسبب حالة الملل التي تصيب الفرد عند مراجعة المعلومات نفسها خلال فترة زمنية قصيرة، وهكذا يقلُّ اهتمامه بها مع كل تكرار تباعاً، ناهيك عن أنَّ طريقة تقديم هذه المعلومات إلى الدماغ تبقى ثابتة إلى حدٍّ ما في هذه الحالة، وهو ما يحد من فاعلية عملية التعلم مع كل تكرار.

ولكنَّ تكرار المعلومات على فترات زمنية متباعدة يؤدي إلى تقديمها بشكل مختلف إلى الدماغ؛ لذا يجب مراجعة المعلومة واستعادتها من الذاكرة مرة أخرى حتى تترسخ في الدماغ؛ إذ تؤدي هذه الطريقة إلى زيادة اهتمام الفرد بالمحتوى وتقبُّله لعملية التعلم.

تطبيق تقنية "التكرار المتباعد" في الدورات التدريبية:

يمكنك أن تطبق تقنية "التكرار المتباعد" في عملية التعلم خلال الدورات التدريبية، عبر الطرائق الآتية:

1. تلقين مهارة معيَّنة:

تتم العملية على 3 مراحل؛ إذ يقوم المشاركون خلالها بتطبيق مهارة معيَّنة 3 مرات، فيقوم المتدرِّب في المرة الأولى بتطبيق المهارة أمام المدرِّب، ثم يعتمد على المواد والإرشادات التي يقدِّمها المدرب عند تطبيقها للمرة الثانية تحت إشرافه أيضاً، وكذلك يقوم المتدرب في المرة الثالثة بتطبيق المهارة ضمن بيئة اختبار افتراضية ويحصل على نتيجة تبيِّن مستوى أدائه؛ إذ تبيِّن التجربة أنَّ هذه التقنية فعالة للغاية في عمليات التعلم واكتساب المهارات.

2. تخصيص كامل الدورة التدريبية لموضوع واحد:

توسِّع هذه الطريقة فاصل التكرار ليصبح يوماً كاملاً؛ إذ يجري تكرار موضوع أو تقنية معيَّنة وفق أساليب مختلفة خلال الدورة التدريبية، حتى يزداد اهتمام المتدرب بالموضوع، وتصل المعلومات بأسلوب مختلف إلى الدماغ مع كل تكرار، وتساهم مراجعة الموضوع وفق زوايا وسياقات مختلفة في مساعدة المشاركين على تذكُّر المعلومة وربطها مع معلومات وموضوعات أخرى، كما تساهم هذه الطريقة في تقوية الروابط بين الخلايا العصبية في الدماغ، وهو ما يؤدي إلى ترسيخ المعلومات المكتسَبة وزيادة فاعلية عملية التعلم.

3. تخصيص جزء من الدورة التدريبية لدراسة موضوع معيَّن:

يمكن تلقين المشاركين مهارةً ما بشكل متكرر خلال فترة زمنية محددة من برنامج الدورة التدريبية، فكل عملية تكرار تساعدهم على مراجعة الموضوع وتذكُّره مجدداً، وإعادة تقييم أدائهم الحالي، والتفكير في أساليب تحسينه، وتجنُّب الرجوع إلى العادات القديمة السيئة، والاعتياد على المهارات الجديدة واستخدامها في حياتهم.

قواعد التدريب:

يقتضي دور المدرِّب أن يساعد المشاركين على تحقيق أقصى فائدة ممكنة من عملية التعلم؛ إذ يتطلب تقديم المنهج التدريبي الكثير من العمل الجاد، والتحضير، والتخطيط المدروس، كما يتعيَّن عليك أن تخصص الكثير من الوقت خلال مراحل الإعداد والتقديم.

يجب عليك أن تأخذ في الحسبان مبادئ عدة حتى تقدِّم منهجاً تدريبياً مفيداً يتيح للمشاركين إمكانية تعلُّم معلومات أو مهارات جديدة وتذكُّر الدروس على الأمد الطويل، فقد يؤدي تجاهل هذه المبادئ إلى تقديم دورة تدريبية تفتقر إلى الجودة المطلوبة، ولا تشد اهتمام المشاركين، وهذا يعني أنَّك تهدر وقتك وجهدك بلا فائدة تُذكَر.

فيما يأتي 7 قواعد يجب أن تأخذها في الحسبان في أثناء تصميم وإجراء الدورات التدريبية:

1. مدى انتباه الفرد محدود:

أصبح مدى انتباه الأفراد محدوداً للغاية بسبب طبيعة الحياة المليئة بالانشغالات والتفاصيل التي يجب الانتباه إليها في العصر الحديث؛ إذ بات الفرد يضيق ذرعاً بسرعة ولا يتحلى بالصبر على الإطلاق، وتبيِّن الدراسات البحثية أنَّ الفرد يفقد اهتمامه بالموضوع المطروح بعد مضي 10 دقائق، ويصبح الانتباه صعباً عليه بعد نحو 30 دقيقة.

يجب عليك أن تدخل في صلب الموضوع بسرعة خلال الجلسات، وتنتقل إلى موضوعات مشابهة بسرعة أيضاً حتى تحافظ على مستوى انتباه وتفاعل المشاركين، كما يجب عليك أن تستخدم أدوات وتقنيات تدريب تفاعلية مثل النقاشات والتمرينات على سبيل المثال، حتى تزيد من مشاركة وانتباه المتدربين.

2. التحفيز شرط أساسي لنجاح عملية التعلم:

تفيد التجربة بأنَّ عملية التعلم تصبح صعبة وشاقة على المتعلم عندما لا يكون مهتماً بالمحتوى التعليمي، ناهيك عن أنَّه يفقد اهتمامه بعملية التعلم عند غياب الدافع؛ لأنَّه لا يجد أسباباً وجيهة للتعلم؛ إذ تبرز هذه الحالة خاصةً عند تدريس البالغين.

يفقد المتدرب انتباهه وتركيزه خلال الجلسات، وقد يضيق ذرعاً بالجلسة ويبدأ باستخدام هاتفه الجوال وتصفُّح مواقع التواصل الاجتماعي عندما لا يدرك غايات وأهداف الدورة التدريبية؛ لذا يجب أن تحرص على تقديم محتوى تفاعلي يثير اهتمام المتدربين ويشد انتباههم خلال الجلسات، ويمكنك أن تتبع الخطوات الآتية خلال الجلسات:

  • إعطاء المتدرب فكرة عن موضوع الجلسة.
  • طرح الموضوع.
  • تكرار المعلومات مرة ثانية.

3. عملية التعلم لا تجري وفق نفس الوتيرة:

لا تجري عملية التعلم وفق وتيرة أو سرعة ثابتة، وقد يحدث بعض التباطؤ أو الركود في مرحلة معيَّنة بعد إحراز تقدُّم بارز؛ إذ يتم في هذه المرحلة ترسيخ المعلومات والمعارف المكتسَبة وربطها مع المعلومات الموجودة مسبقاً، وهي تستغرق بعض الوقت قبل أن يستأنف المتعلم نشاطه وينتقل إلى موضوعات أكثر تعقيداً.

يجب على المدرِّب أن يعي مراحل التعلم ويفهم أنَّ مدتها تختلف من شخص لآخر؛ إذ يتعلم بعض الأفراد بسرعة أكبر من غيرهم، ولكنَّهم يحتاجون إلى وقت أطول لترسيخ المعلومة والتقدم إلى موضوع جديد، في حين يتعلم آخرون ببطء، ولكنَّهم يتقدمون بسرعة من موضوع إلى آخر؛ لذا يجب عليك أن تدرك المراحل التي يمر بها المتعلم، وتصمِّم الدورة التدريبية بحسب مهارات الفرد، ومعارفه، وقدرته على التعلم، واستيعابه، مع الحرص على جعلها تفاعلية وممتعة ما أمكن.

هذا يعني من الناحية العملية ضرورة تطبيق تمرينات عملية خلال الجلسات حتى تتيح للمتدربين إمكانية التقدم تحت إشرافك ومساعدتك، فقد تساهم النقاشات الدورية، وجلسات الأسئلة والأجوبة في مساعدة المتعلمين على ترسيخ المعلومات المكتسَبة والانطلاق إلى المرحلة التالية في عملية التعلم.

4. الذاكرة قصيرة الأمد محدودة، وطويلة الأمد غير محدودة:

أُجرِي عدد كبير من الأبحاث بهدف دراسة وظائف الذاكرة عند الإنسان، وقد بيَّنت النتائج أنَّ ذاكرة الإنسان تعمل بالاعتماد على النظامين الآتيين:

1. الذاكرة قصيرة الأمد:

تتسم الذاكرة قصيرة الأمد بالخصائص الآتية:

  • سعتها محدودة: تخزِّن الذاكرة قصيرة الأمد 7 عناصر زائد أو ناقص عنصرين وسطياً بالاعتماد على ظروف عملية الحفظ وقدرات الفرد، وذلك وفقاً لأبحاث عالم النفس الأمريكي "جورج ميلر" (George Miller)؛ إذ تم تخفيض هذا الرقم إلى 4 عناصر زائد أو ناقص عنصر في الدراسات الحديثة التي عَدَّته أكثر منطقية.
  • قصيرة الأمد: تضعف الذاكرة قصيرة الأمد بسرعة، ويمكن أن تخزن المعلومات لنحو 15-30 ثانية في حال لم يتدرب الفرد على حفظها.
  • ترميزها الأساسي سمعي: يميل الفرد إلى استخدام الترميز الصوتي من أجل تخزين المعلومات في الذاكرة قصيرة الأمد بما فيها المعلومات البصرية.

2. الذاكرة طويلة الأمد:

الذاكرة طويلة الأمد غير محدودة، فقد اكتشف الكاتب المعروف بلقب "أستاذ الذاكرة" "توني بوزان" (Tony Buzan) في أحد أبحاثه أنَّك إذا عرضتَ 10000 صورة على الفرد، ثم قمت بعد ذلك باختبار ذاكرته عن طريق عرض صورة مرجعية، فإنَّه سيعرف فيما إذا كانت هذه الصورة من المجموعة السابقة أم لا!

تبقى احتمالات نجاح تذكُّر الصورة مرتفعة حتى لو عُكِسَت أو قُلِبَت، فقد أثبتت الأبحاث في مجال الذاكرة أنَّ الإنسان يعتمد اعتماداً رئيساً على ذاكرته البصرية التي تُعَدُّ قوية للغاية، وقد ألهمت هذه النتيجة "بوزان" بابتكار الخرائط الذهنية التي تساعد الفرد على تصوُّر المعلومات وتحسين القدرة على التذكر.

عُرِّفَت عملية التعلم في بداية المقال على أنَّها تغيير يصيب الذاكرة طويلة الأمد، وهذا يعني أنَّ المعلومات تترسخ عندما تنتقل من الذاكرة قصيرة الأمد إلى نظيرتها طويلة الأمد، وتكمن المشكلة في أنَّ الذاكرة قصيرة الأمد محدودة وضعيفة كما ذُكِر آنفاً.

فيما يأتي تقنيتان لتقوية الذاكرة:

  • التجزئة: يتم ذلك عن طريق تجميع المعلومات وتجزئتها إلى مجموعات، حتى يتسنى للفرد تخزين المزيد من المعلومات في الذاكرة قصيرة الأمد.
  • التكرار: يساعد التكرار على تخزين المعلومات في الذاكرة قصيرة الأمد لوقت أطول، وهو يؤدي إلى ترسيخها في الذاكرة طويلة الأمد وتحسين عملية التعلم.

يجب أن تحرص على مساعدة المتدربين على نقل المعلومات المكتسَبة من الذاكرة قصيرة الأمد إلى نظيرتها طويلة الأمد، عبر استخدام الأساليب الآتية:

  • تقديم المحتوى التعليمي على دفعات صغيرة تتكون من 7 أجزاء كحد أقصى، لمساعدة المتعلمين على ترسيخ المفاهيم بسرعة وفاعلية، وتفادي الشعور بالإرهاق والضغط.
  • استخدام التكرار والتدريب على الأمد القصير والطويل في آنٍ معاً، إلى جانب التكرار المتباعد والتصور الذهني حتى يتمكن المتدربون من حفظ المحتوى بشكل كامل.

يفترض هذه المبدأ أنَّ الإنسان لا يستطيع أن يتعلم مقداراً كبيراً من المعلومات دفعة واحدة خلال فترة زمنية قصيرة؛ إذ يقترف المدرِّب خطأً جسيماً عندما يقدِّم مقداراً كبيراً من المعلومات خلال المحاضرة الواحدة أو المنهج رغبةً منه في جعل الدورة التدريبية متكاملة وشاملة لأحدث ما توصَّل إليه العلم.

تفشل الدورة التدريبية في هذه الحالة؛ لأنَّ المتعلم لن يستوعب هذا الكم الهائل من المعلومات؛ وذلك بسبب محدودية الذاكرة قصيرة الأمد وعجزها عن استقبال المزيد، وهذا يعني أنَّ جهود المدرِّب تضيع سدىً.

إذا أرتَ أن تثير انتباه المتعلمين أو أن تُطلِعهم على محتوى إضافي معيَّن باستخدام العروض التقديمية على سبيل المثال، فلا بأس بذلك، لكن لا تتوقع منهم أن يتذكروا المعلومات على الأمد الطويل.

يتطلب ترسيخ المعلومات على الأمد الطويل التكرار والتطبيق والتدريب، كما يُقال إنَّ الإتقان يتطلب 10000 ساعة من التدريب المنظَّم؛ إذ يعمل الدماغ البشري وفق طريقة معيَّنة لا يمكن تجاوزها، وإنَّ ترسيخ المعلومات في الذاكرة طويلة الأمد يتطلب العمل الجاد والسعي.

5. تختلف أساليب التعلم من فرد لآخر:

تختلف أساليب التعلم من شخص لآخر، ويوجد عدد كبير من النظم والأساليب التعليمية التي يمكن تطبيقها في الدورات التدريبية، مثل "قوائم أسلوب كولب التعليمي" (Kolb’s Learning Style Inventory)، و"استبيان أسلوب التعلم فليمينغ فارك" (Fleming’s VARK)، و"نموذج هوني ومومفورد" (Honey-Mumford Model)، و"نموذج غريغورك" (Gregorc Model)، و"نموذج مكارثي" (4MAT)، ونظرية "أطر العقل" (Theory of Mind) لعالم النفس الأمريكي "هاورد غاردنر" (Howard Gardner)، وغيرها من النظم والأساليب التعليمية، كما يوجد عدد كبير من الأنظمة والاختبارات لتحليل أنماط الشخصية وعلى رأسها "مؤشر مايرز-بريغز للأنماط" (MBTI).

هذا يعني أنَّك يجب ألا تتعامل مع جميع المشاركين في الدورات التدريبية بنفس الطريقة، ووفقاً "لاستبيان أسلوب التعلم فليمينغ فارك"، يفضِّل الأفراد أحد الخيارات الآتية في عملية التعلم:

1. التعلم البصري:

يحتاج المتعلم في هذه الحالة إلى رؤية الصور، والمخططات البيانية، والكلمات، والرسومات التوضيحية حتى يفهم المعلومات المطروحة.

2. التعلم السمعي:

يفضِّل المتعلم في هذه الحالة الاستماع للشروحات.

3. التعلم الحسي الحركي:

يفضِّل الفرد في هذه الحالة أن يتعلم من خلال التطبيق والممارسة، كأن يحمل عيِّنة بكلتا يديه ويتفحَّصها ويتفاعل معها على سبيل المثال، لذلك يجب على المدرِّب أن يختار مجموعة شاملة من الأدوات والطرائق بهدف الإحاطة بمختلف أساليب التعلم التي يحتاج إليها المشاركون.

قد يتعذر على المدرِّب في بعض الأحيان أن يطبق جميع الطرائق والأساليب التعليمية في الدورة التدريبية، لكن يمكنه أن يهيِّئ الظروف التي تلبي الاحتياجات التعليمية عبر التخطيط المدروس، وتصميم مواد تدريبية وتمرينات تفاعلية تحقق كافة متطلبات الأساليب التعليمية.

6. التغذية الراجعة ضرورية في الدورات التدريبية:

التعلم عملية شاقة ومتعبة، وتستوجب على المدرِّب أن يقدِّم تغذية راجعة وافية ومفيدة للحفاظ على حماسة المتعلمين، فيجب أن تحرص على تقديم تغذية راجعة يستفيد منها المتعلم، وذلك عبر أخذ النقاط الآتية في الحسبان:

  • يجب أن تهدف التغذية الراجعة إلى تحفيز المتعلم دون إحباطه أو إخافته.
  • يجب أن تساهم التغذية الراجعة في زيادة ثقة المتعلم بنفسه بدل أن تخفِّض من مستوى تقديره لذاته.
  • يجب أن تكون التغذية الراجعة محدَّدة حتى يستفيد منها المتعلم، وهذا يعني أنَّ التقييمات العامة مثل قولك: "أنت تبلي حسناً" لا تنفع المتدرِّب على الإطلاق.
  • يجب أن تساعد التغذية الراجعة على تمكين وترسيخ الأفكار التعليمية المكتسَبة، والتخلص من العادات القديمة السيئة.
  • يجب أن توضح التغذية الراجعة الوضع الراهن لعملية التعلم، وتزوِّد المتعلم بالمعلومات التي يحتاج إليها ليتقدم إلى المرحلة التالية في البرنامج التعليمي.

يجب على المدرِّب أن يدرك مدى أهمية وفاعلية التغذية الراجعة الإيجابية في تحفيز المتعلمين على تحقيق التقدم في عملية التعلم واكتساب معارف ومهارات وتقنيات جديدة؛ إذ يكمن دور التغذية الراجعة في إعطاء المتعلم فكرة وافية عن مستوى أدائه، وتقديم إرشادات وتوجيهات بشأن المراحل التالية، كما يؤدي إهمال التغذية الراجعة خلال البرامج التدريبية إلى إبطاء عملية التعلم.

ينسى الفرد نحو 60% من المعلومات التي يتعلمها بعد يومين من الجلسة إذا لم يراجعها أو يطبِّقها؛ إذ يمكن عَدُّ المراجعة الدورية تغذيةً راجعة ذاتية؛ لذا يجب أن تراعي البرامج التدريبية مسألة نسيان المعلومات، وذلك عبر اتخاذ تدابير ووضع خطط عمل تساعد المتعلم على ترسيخ المعلومات المكتسَبة، كما يمكن تقديم دورات تدريبية إضافية.

7. تؤدي الحواس دوراً بارزاً في زيادة فاعلية الدورة التدريبية:

الحواس الرئيسة عند الإنسان هي البصر، والسمع، واللمس، فقد تزداد فاعلية عملية التدريب عند استخدام كافة حواس الإنسان، وهو ما يتطلب التخطيط المدروس، واستخدام مواد تدريب عالية الجودة، وتقديم تمرينات تفاعلية تحفز استخدام الحواس، مثل اللمس على سبيل المثال.

في الختام:

فيما يأتي تلخيص للأفكار الواردة في المقال:

  1. يجب تحديد الاحتياجات التدريبية قبل اختيار أو تصميم البرنامج التدريبي.
  2. يجب استخدام أساليب تحافظ على تفاعل وانتباه المتدرِّبين، على فرض أنَّ مدى الانتباه محدود.
  3. يجب الدخول في صلب الموضوع بسرعة.
  4. الذاكرة قصيرة الأمد محدودة وتضعف بسرعة.
  5. يجب تقسيم المنهج التدريبي إلى أجزاء صغيرة.
  6. يجب تكرار المعلومات وتطبيقها.
  7. يجب استخدام التكرار المتباعد.
  8. تحفيز استخدام الحواس والتصور الذهني خلال الجلسات.
  9. يجب على المتدرِّب تطبيق المهارة 3 مرات خلال الجلسة تحت إشراف المدرِّب.
  10. يجب أن يأخذ التدريب في الحسبان اختلاف الأساليب التعليمية الفعالة من شخص لآخر.
  11. يجب الحرص على تقديم تغذية راجعة دورية لتقييم الأداء.

يؤدي اتباع الاستراتيجيات وتطبيق الأفكار والأساليب الواردة في المقال إلى تقديم دورة تدريبية ناجحة تترسخ في عقول المتدربين على الأمد الطويل، فقد يتشجع المتدربون في هذه الحالة للتسجيل في مزيد من الدورات التدريبية التي تقدِّمها.

يجب أن تقيِّم مستوى أدائك وتتخذ ما يلزم من التدابير والإجراءات لتحسينه؛ إذ يتم التقييم عن طريق مراجعة الطرائق التي تتبعها في الدورات التدريبية التي تقدِّمها ومقارنتها مع الأساليب والمبادئ الواردة في المقال.