سنناقش في هذه المقالة كيف يمكِن تطبيق الافتراضات الخمسة لنظرية تعليم البالغين الخاصة بـ "نولز" (Knowles) على تجارب التعليم الإلكتروني الحديثة، بحيث يمكِنك دمج المبادئ الأربعة للأندراغوجيا (Andragogy) في دورة التعلم الإلكتروني الخاصة بك لتحقيق أقصى قدر من المشاركة والتحفيز من المتعلمين.

كيفية تطبيق نظرية تعليم البالغين على تقنية التعليم الإلكتروني:

وفقاً للمربي الأمريكي الشهير مالكولم نولز ( Malcolm Knowles )، هناك 5 افتراضات تتعلق بخصائص المتعلمين البالغين، و4 مبادئ تتعلق بتعليم البالغين أو ما يسمى بـ "الأندراغوجيا" (andragogy). على الرغم من حقيقة أنَّ افتراضات نظرية تعلُّم البالغين التي وضعها "نولز" ومبادئها قد نُشِرَت في الثمانينيات، إلا أنَّه يمكِن استخدام كل منها اليوم لمساعدة المتخصصين في التعليم الإلكتروني على إنشاء تجارب تعليمية أكثر فائدةً للمتعلمين البالغين.

تطبيق الافتراضات الخمسة لنظرية تعليم البالغين الخاصة بـ "نولز" على التعليم الإلكتروني:

1. الافتراض الأول (المفهوم الذاتي):

أنشِئ تجارب تعليم تُقدِّم الحد الأدنى من التعليمات وأقصى قدر من الاستقلالية.

يتمثل أحد الجوانب الرئيسة لتصميم دورات التعليم الإلكتروني للبالغين في وجود نظام يدعم التعليم الإلكتروني لتقديم التوجيه والمساعدة، مع الاستمرار في توفير أدوات وموارد التعليم الإلكتروني التي يحتاجها المتعلمون للتعلم وفقاً لشروطهم الخاصة، حيث يكتسب المتعلمون البالغون معلوماتٍ جديدة، ويبنون على معارفهم المسبقة بشكل أكثر فاعلية إذا شُجِّعوا على استكشاف موضوع ما بأنفسهم، في حين يحتاج المتعلمون الأصغر سناً إلى التوجيه خلال عملية التعلم، فإنَّ المتعلمين الكبار يستفيدون أكثر من التجربة إذا كانوا قادرين على العمل بشكل مستقل، كممارستهم للدراسة الذاتية أو عملهم على مشاريع قائمة على التعاون الجماعي التي تتضمن الحد الأدنى من تدخُّل المعلِّم، كما يمكِن لمحترفي التعليم الإلكتروني أيضاً تقديم عمليات محاكاة أو سيناريوهات أو ألعاب دون تزويد المتعلمين بأيَّة معلومات. وعلى هذا النحو، سيتعين على المتعلمين البالغين استكشاف النشاط بأنفسهم، وتحديد الفوائد والمعلومات التي يمكِنهم الحصول عليها من تجربة التعلم الإلكتروني، وتحتاج أيضاً إلى وجود نظام مخصَّص لدعم التعليم الإلكتروني إذا احتاج المتعلمون إلى طرح الأسئلة أو التغلب على أيَّة عقبات قد تعوق هذه العملية.

2. الافتراض الثاني (تجارب المتعلمين البالغين):

اجمع مجموعةً واسعةً من النماذج ونظريات التصميم التعليمي لمخاطبة مستويات الخبرة والخلفيات المتنوعة للمتعلمين.

المتعلمون البالغون أكثر نضجاً، فقد قضوا وقتاً طويلاً في تنمية خبراتهم الحياتية، وعادةً ما يكون لديهم قاعدة معرفية أوسع، مما يعني أنَّه سيتعين عليك أن تأخذ في الحسبان أنَّ جمهورك من المتعلمين البالغين سيكون أكثر تنوُّعاً، لا سيَّما من حيث خلفياتهم ومستويات خبرتهم ومجموعة المهارات التي يتمتعون بها، بينما قد يكون أحد المتعلمين البالغين على دراية جيدة بكيفية البحث عن الموارد عبر الإنترنت، وقد يكون لدى متعلم آخر خبرة قليلة جداً في استخدام الإنترنت؛ لذا يجب أن يؤخَذ كل هذا في الحسبان عند تصميم وتطوير دورات التعليم الإلكتروني وأنشطته. ولجذب مختلف المتعلمين البالغين، غالباً ما يكون من الأفضل تضمين مجموعة متنوعة من نماذج ونظريات التصميم التعليمي المختلفة في دورة التعليم الإلكتروني الخاصة بك؛ لذلك ادرس جمهورك مسبقاً لتحديد أي قيود معرفية تقنية قد تكون لديهم، وكذلك لتقييم مستويات تعليمهم، فمن خلال القيام بذلك، ستتمكن أيضاً من إنشاء تجارب تعليم إلكتروني غنية بالمعلومات ومثيرة للاهتمام، بدلاً من كونها صعبة للغاية أو مملة، على سبيل المثال: إذا كان جمهورك المستهدف يضم عدداً من المتعلمين البالغين الذين يعرفون بالفعل كيفية استخدام الوسائط المتعددة، فإنَّ إضافة معلومات عن هذه الوسائط في دورة التعليم الإلكتروني الخاصة بك سيعزز فاعليتها، ويجعلها أكثر شمولاً.

3. الافتراض الثالث (الاستعداد للتعلم):

استخدِم وسائل التواصل الاجتماعي وأدوات التعاون عبر الإنترنت لربط التعلم بالتنمية الاجتماعية.

مع تقدُّمنا في السن، نميل إلى الانجذاب أكثر نحو خبرات التعلم التي تُقدِّم نوعاً من الفوائد المتعلقة بالتنمية الاجتماعية، على سبيل المثال: غالباً ما نكون أكثر استعداداً لتحدِّي أنفسنا من خلال استثمار فرص تعلُّم جديدة إذا علمنا أنَّها ستساعدنا على صقل المهارات التي تتعلق بأدوارنا الاجتماعية، ومن وجهة نظر محترفي التعليم الإلكتروني، يمكِن أن تساعدك وسائل التواصل الاجتماعي وأدوات التعاون عبر الإنترنت على دمج هذا الافتراض مع عروضك التي ستُقدِّمها؛ لذا أنشِئ أنشطةً تُشجع المتعلمين البالغين على استخدام مواقع مثل: لينكد إن (LinkedIn) وجوجل بلس (Google Plus) التي تُعَدُّ أدواتٍ لا تُقدَّر بثمن، فلن يساعدهم هذا في بناء شبكتهم الاجتماعية فقط؛ بل سيساعدهم أيضاً في التعاون مع أولئك الذين يشاركونهم الاهتمامات نفسها.

4. الافتراض الرابع (توجُّهات التعلم):

أكِّد على أنَّ موضوع الدورة سيحل المشكلات التي يواجهها المتعلم البالغ بانتظام.

يحتاج المتعلمون البالغون إلى معرفة الهدف من الدورة، ومتى سيستفيدون مما يتعلَّمونه قبل أن يشاركوا بنشاط في عملية التعلم الإلكتروني، فهم لن يرغبوا على سبيل المثال في معرفة سبب حاجتهم للحصول على المعلومات المحدَّدة فقط، ولكن ما إذا كان يمكِن تطبيق هذه المعلومات في المستقبل القريب أم لا أيضاً، وفي حين يقبل المتعلمون الأصغر سناً حقيقة أنَّ المعرفة التي يكتسبونها اليوم قد لا يستفيدوا منها لبعض الوقت، يُفضِّل المتعلمون الكبار المشاركة في تجارب التعلم الإلكتروني التي تساعدهم على حل المشكلات التي يواجهونها بشكل دائم في الحاضر، بدلاً من المستقبل؛ لذلك، يجب عليك التأكيد على أنَّ الموضوع سيساعدهم في حل المشكلات على الفور من خلال تقديم أمثلة وسيناريوهات من العالم الحقيقي.

5. الافتراض الخامس (التحفيز للتعلم):

يجب أن يكون هناك سبب وجيه وراء كل دورة تعليم إلكتروني أو وحدة أو نشاط تعليمي.

الدافع أساسي للمتعلمين البالغين، لهذا تحتاج إلى تحفيزهم على التعلم من خلال تقديم سبب لكل نشاط أو تقييم أو وحدة تعليم إلكتروني يحتاجون إلى إكمالها، كما يجب على المتخصصين في التعليم الإلكتروني شرح سبب تدريس دورة تعليم إلكتروني معيَّنة، ولماذا يجب على المتعلم البالغ المشاركة في نشاط التعلم الإلكتروني، حتى تكون التجربة ذات مغزى ومثيرة للاهتمام، على سبيل المثال: إذا كنتَ تطلب من المتعلمين البالغين إكمال مهمة تتضمن التعاون الجماعي، فيجب أيضاً أن تُوضِّح أنَّ هذا التمرين سيساعدهم على بناء مهارات العمل والتواصل الجماعي لديهم، حتى بعد انتهاء دورة التعليم الإلكتروني، في حين أنَّ المتعلمين الأصغر سناً لن يحتاجوا بالضرورة إلى معرفة سبب مطالبتهم بالمشاركة في نشاط ما، ويحتاج المتعلمون البالغون إلى الشعور بأنَّهم أكثر اندماجاً في عملية التعلم. بخلاف ذلك، سيشككون في صحة أهداف الدورة؛ نظراً لأنَّهم لا يرون أيَّة حاجة حقيقية لاكتساب المعرفة أو المهارات الجديدة.

تطبيق المبادئ الأربعة لنظرية تعليم البالغين الخاصة بـ "نولز" على التعليم الإلكتروني:

1. المبدأ الأول في الأندراغوجيا: يجب أن يكون للكبار يد في تصميم وتطوير تجربة التعلم الخاصة بهم

يجب أن يشعر كل المتعلمين عبر الإنترنت سواء كانوا من البالغين أم الشباب بأنَّهم يؤدون دوراً نشطاً في تجربة التعلم الإلكتروني الخاصة بهم، ولكنَّ هذا هام بشكل خاص للمتعلمين البالغين؛ إذ يجب أن يكونوا جزءاً لا يتجزأ من عملية تطوير وتطبيق المنهج، وكذلك من عملية التقييم، ويتيح لك الحصول على التغذية الراجعة من المتعلمين البالغين تحقيق ذلك، حيث يُوفِّر لك الفرصة لتصميم مواد تعليمية وامتحانات وأنشطة بناءً على احتياجاتهم ورغباتهم.

2. المبدأ الثاني في الأندراغوجيا: يجب أن تكون الخبرة أساس المهام وأنشطة التعليم الإلكتروني

لا تُعَدُّ النتيجة النهائية أهم أمر في تعليم البالغين؛ بل ما يهمنا فعلاً هو تجربة التعليم الإلكتروني التي تتألف من التعليمات والأنشطة، فبدلاً من تقديم مهام تتطلب الحفظ، أنشِئ مشاريع وتمرينات تُشجع المتعلمين البالغين على الحركة واستكشاف الموضوع؛ وبالتالي اكتساب الخبرة كي يتمكنوا من التعلم من أخطائهم وإتقان مهاراتهم من خلال التجربة المباشرة، كما يمكِن للمتعلمين البالغين اتباع نهجهم الخاص عند حل المشكلات، مما يمنحهم الفرصة لاستخدام معرفتهم بطريقة عملية، ورغم أنَّه سيكون هناك أخطاء في هذا الأسلوب، إلا أنَّه سيجعل تجربة التعلم الإلكتروني الشاملة أكثر فائدةً وفاعليةً.

3. المبدأ الثالث في الأندراغوجيا: يجب ربط تطبيقات وفوائد الحياة الواقعية بدورة التعليم الإلكتروني

يحتاج المتعلمون البالغون إلى أن يكونوا قادرين على ربط الموضوع الذي يتعلَّمونه بطريقة تطبيقه والاستفادة منه في حياتهم الواقعية، فإذا لم يتمكنوا من رؤية كيف ستمنحهم معلومة ما أو نشاط معيَّن فائدةً في الحياة الواقعية، أو كيف سيجري تطبيق دورة تعليم إلكتروني معيَّنة على مواقف يواجهونها في العالم الحقيقي، فلن يكونوا متحمسين لعملية التعلم الإلكتروني، ويمكِن لمتخصصي التعليم الإلكتروني زيادة المشاركة من خلال دمج السيناريوهات في دورات التعليم الإلكتروني للبالغين. وبهذه الطريقة، تتاح للمتعلمين البالغين الفرصة لرؤية كيف يمكِن استخدام ما يتعلَّمونه في العالم الحقيقي بشكل مباشر.

4. المبدأ الرابع في الأندراغوجيا: امنح المتعلمين البالغين الفرصة لاستيعاب المعلومات بدلاً من حفظها

يجب أن يكون المحتوى الذي يُقدَّم في دورات التعليم الإلكتروني للبالغين متمحوراً حول المشكلة، حيث سيرغب المتعلمون البالغون في معرفة كيف ستساعدهم الإرشادات على الفور في حل مشكلة قد يواجهونها خارج بيئة التعلم الإلكتروني، وغالباً ما يعني هذا أنَّ الموضوع يجب أن يمنحهم فرصةً لصقل المهارات واكتساب المعرفة العملية والاحتفاظ بها عن طريق العمل، بدلاً من الحفظ فقط، فأنشِئ أنشطةً تسمح للمتعلمين البالغين بالتعمق في مهام مُحدَّدة، مثل المحاكاة التي تُمكِّنهم من تخزين المعلومات في ذاكرتهم طويلة الأمد من خلال التكرار والخبرة.

يمكِن تطبيق مبادئ وافتراضات تعليم البالغين هذه على أي محتوىً تعليمي إلكتروني من أجل تزويد المتعلمين البالغين بمجموعة واسعة من الفوائد، بما في ذلك تحسين فهم المفاهيم الأساسية وزيادة الاحتفاظ بالمعرفة.