أثبتت المهارات الناعمة أهميتها في تحقيق النجاح والتقدم المهني في ظل التغيرات المتسارعة التي تشهدها أوساط العمل في الوقت الراهن. تتّجه مزيدٌ من الشركات لترسيخ ثقافة التنوع، والتعاون، والابتكار، مما استدعى الحاجة لإجراء برامج تدريب خاصة بالمهارات الناعمة.
تكمن المشكلة في صعوبة تقييم مقدار تحسُّن هذه المهارات؛ لأنّها تُعد شخصيةً ولا تقدّم نتائج عددية قابلة للقياس. من هذا المنطلَق، يبحث المقال في صعوبات تقييم تدريبات المهارات الناعمة والاستراتيجيات التي تساعد المؤسسات في التغلب عليها.
صعوبات تقييم تدريبات المهارات الناعمة
تقييم نتائج التدريب ضروري لتحسين مبادرات التعلم والتطوير، ولكن تواجه المؤسسات صعوبة في تقييم فعالية هذه البرامج بسبب مجموعة من العوامل، ويُذكَر منها ما يلي:
1. عدم وجود مقاييس موضوعية موحدة للتقييم
تشمل المهارات الناعمة القدرة على التعاطف والعمل المشترك والتواصل، وهي بطبيعتها تعتمد على اعتبارات شخصية والموقف، ما يعني اختلاف إجراءات التقييم ونتائجه من شخص إلى آخر، وليس ثمّة مقاييس موضوعية كما في حالة المهارات الصلبة. يعني هذا أنَّ النتائج تعتمد على التأويلات ووجهات النظر الشخصية، ولا يمكن تحديد المستوى الفعلي لكفاءة الأفراد ومستوى مهاراتهم الناعمة.
2. عدم وجود مقاييس عددية لتقييم المهارات الناعمة
يمكن تقييم المهارات الصلبة باستخدام مقاييس عددية تأخذ بعين الاعتبار النتائج والحسابات العملية، ولكن لا يمكن استخدام الطرائق العددية في تقييم المهارات الناعمة بهذه السهولة، ويمكن أن تفضي هذه المحاولات إلى نتائج مبهمة وغير دقيقة. لهذا السبب لا يمكن الاعتماد على أنظمة القياس والتقييم التقليدية في تكوين فكرة دقيقة عن مقدار تحسُّن المهارات الناعمة بعد انتهاء التدريب، وبالنتيجة ليس ثمة طريقة مضمونة لتقييم فعالية تدريبات المهارات الناعمة.
3. فشل طرائق التقييم التقليدية
غالباً ما تفشل طرائق التقييم التقليدية عند تطبيقها على المهارات الناعمة رغم نجاحها في تقييم المهارات الصلبة. لا تنجح الطرائق التقليدية مثل اختبارات الاختيار من متعدد والامتحانات الكتابية في تقييم هذه المهارات المعقدة؛ لأنّها تتعلق بمجموعة متنوعة من العوامل الشخصية والسلوكية والظروف المحيطة. تحتاج المهارات الناعمة لتقنيات تقييم شاملة ودقيقة تأخذ بعين الاعتبار ظروف التطبيق العملي والعوامل السلوكية. يمكن أن يؤدي الاعتماد على الطرائق التقليدية إلى الحصول على نتائج غير دقيقة عن المستوى الفعلي لكفاءة الفرد مما يمنعه من تحقيق التطور المهني المنشود.
استراتيجيات تقييم المهارات الناعمة
في ما يلي، 6 استراتيجيات أساسية لتقييم تدريبات المهارات الناعمة:
1. تطبيق نظام تقييم شامل
لقد تطورت طرائق التقييم مع مرور الوقت، وبرزت الحاجة لوضع نظام شامل لتقييم تدريبات المهارات الناعمة. يجب أن يحتوي النظام على معايير دقيقة وواضحة خاصة بكل واحدة من المهارات الناعمة تتوافق مع الأهداف والنتائج المطلوبة من برنامج التدريب. تساعد هذه المعايير في الحد من تأثير التحيزات الشخصية وتقديم إطار عمل واضح ومنظم لكل من المتدربين وخبراء التقييم. يضمن هذا النهج اتساق إجراءات التقييم ودعم المتدربين لتحقيق أهداف التطوير والتنمية.
2. جمع التغذية الراجعة
يُنصَح بتطبيق التقييمات الذاتية التي تساعد المتدربين في تحليل أدائهم وتحديد نقاط ضعفهم، ويمكن أن يشارك الأقران والمشرفون في عملية التقييم من أجل الحصول على نتائج دقيقة وشاملة عن مقدار تحسُّن المهارات الناعمة بعد التدريب. ينجح المتدرب في تحسين مهاراته الناعمة مع مرور الوقت وتغيُّر متطلبات العمل عندما تهتم المؤسسة ببيانات التغذية الراجعة وتعتمد عليها في اتخاذ القرارات المستقبلية.
3. استخدام الأدوات التكنولوجية و"أنظمة إدارة التعلم" (LMS)
تُستخدَم "أنظمة إدارة التعلم" المتطورة في إجراء تقييمات المهارات الناعمة، كما يمكن الاستفادة من الأدوات التكنولوجية الحديثة في إجراء استطلاعات الرأي، والاختبارات، والتقييمات الذاتية. تُستخدَم أدوات تحليل البيانات لمتابعة تقدم المتدربين وتكوين استنتاجات دقيقة عن سير التجربة ونتائجها. كما يمكن الاستفادة من تكنولوجيا "الذكاء الاصطناعي" (AI) التي تعتمد على بيانات المشاركين ومستوى أدائهم في اقتراح برامج تدريب أو أنشطة إضافية تساعدهم في تطوير مهاراتهم.
4. تقييمات الأقران
يُطلَب من المشاركين تقديم معلومات دقيقة عن أداء زملائهم في العمل بهدف إجراء تقييم شامل عن تطبيق المهارات في الحياة العملية. تساعد هذه الطريقة في تعزيز حس المسؤولية المشتركة والتشجيع على التعاون والعمل المشترك على تطوير المهارات.
تسهم هذه الطريقة من ناحية أخرى في إنشاء مجتمع تعلم يشجع على تبادل الدعم والتغذية الراجعة البنَّاءة، ويضمن تطوير المهارات الناعمة بين العاملين في المؤسسة جميعهم. لهذا السبب، أصبح تقييم الأقران جزء أساسي من الاستراتيجية الشاملة لتقييم فعالية تدريبات المهارات الناعمة.
5. تقييم الخبراء للمشاريع والواجبات
تعتمد هذه الطريقة على تكليف المتدربين بإنجاز مشاريع عملية تتطلب منهم تطبيق المهارات الناعمة المكتسبة؛ إذ تضمن ربط المعرفة النظرية بالتطبيق العملي، والتدريب على استخدام مجموعة متنوعة من المهارات مع بعضها. لقد أصبحت المهام والمشاريع العملية وسيلة أساسية لاكتساب المهارات وتطويرها؛ لأنّها تتيح للفرد إمكانية التدريب على تطبيق مهاراته وتحسينها.
يقوم الخبراء بعمليات التقييم والتحقُّق من صحة ودقة النتائج، وتقديم معلومات مفيدة تضمن الحصول على تقييمات دقيقة لمستوى المهارات الناعمة. تهدف هذه الطريقة إلى إنشاء نظام عملي وحيوي لتقييم المهارات الناعمة وتحسينها تحت إشراف الخبراء.
6. التقييم السلوكي
تقتضي المرحلة الأولى إجراء تقييم ذاتي يتطلب من الأفراد مراقبة أدائهم وتحليله وتحديد أهداف التنمية الشخصية. تشجع هذه الخطوة على الوعي الذاتي والالتزام بالتطوير الشخصي، كما يقوم الخبراء بملاحظة أداء المشاركين وتقديم وجهات نظر مفيدة عن سلوكياتهم بناءً على مجموعة من المعايير الموضوعية.
يجب وضع معايير واضحة وشفافة لتوجيه إجراءات التقييم الذاتية وتحليلات الخبراء وضمان اتساق وسلاسة العملية. تعتمد هذه الطريقة على دمج التقييمات الذاتية مع تحليلات الخبراء بناءً على مجموعة من المعايير الدقيقة، وهي تساعد في وضع إطار عمل دقيق وشامل لتقييم المهارات الناعمة.
في الختام
إنّ المهارات الناعمة بالغة الأهمية في تحقيق التقدُّم والنجاح المهني في ظل تغيُّر ظروف العمل. يجب تطبيق نظام تقييم شامل يعتمد على ملاحظات الأقران، ونتائج المشاريع، وتحليل السلوكيات من أجل الحصول على تقييم دقيق وعملي وشامل عن مستوى المهارات الناعمة، وضمان تلبية متطلبات واحتياجات بيئات العمل في العصر الحديث.