كم مرة وجدت نفسك عالقاً في جلسة تدريب جماعي مملة لا تنتهي، حيث تتردد التثاؤبات وتغرقك شرائح العروض التقديمية في حالة من الخمول الذهني؟

لقد آن الأوان في عام 2025 لتوديع هذا النموذج التقليدي الجامد، وتيسير تجارب تعلم نابضة بالحياة، تُسهم في بناء قدرات الأفراد لتحقيق النجاح المستدام.

نصائح فعالة لتحديث التدريب الجماعي

إليك 5 نصائح مُجرَّبة وفعالة من شأنها أن تكسر جمود القاعات التدريبية، وتُطلق موجة من الابتكار والتفاعل الجماعي:

1. لطِّف الأجواء: تخلَّ عن الرسميات

ابدأ الجلسة التدريبية بكسر الحواجز النفسية والرسمية سريعاً، وازرع في الأجواء روحاً من الأُلفة والراحة. من الوسائل الفعالة لتحقيق ذلك، استخدام أدوات مثل "سلايدو" (Slido) — وهو تطبيق تفاعلي يُتيح للمشاركين طرح الأسئلة أو التصويت على مواضيع معينة بطريقة مرحة — مما يجعلهم يشعرون منذ اللحظة الأولى بأنَّهم جزء من بيئة تعليمية نابضة بالحيوية.

وقد أثبت استخدام الدعابة الخفيفة فعاليته في تحويل مجموعة من الغرباء إلى فريق متحمّس ومستعد للتفاعل. ومع ذلك، لا بد من الانتباه إلى السياق العام، وتجنّب أي مزاح قد يكون في غير موضعه. بوجه عام، إضفاء لمسة من المرح في البداية يمنح الجلسة طاقة إيجابية تفتح المجال للتعلّم النشط.

2. لا تتعلق بالماضي: قدِّم تجربة تعلم حيوية

بدل الاكتفاء بتحليل التجارب السابقة، يُفضّل تحويل التعلّم إلى تجربة حيّة وواقعية؛ إذ تتطلب بيئة العمل المعاصرة من الأفراد مهارات مرنة وقدرة على فهم الذات والآخرين، لمواجهة التحديات المتزايدة.

من بين الأساليب الفعّالة لتحقيق هذا الهدف، استخدام "غرف الهروب" (Escape Rooms)، وهي تجارب تفاعلية تدفع الفرق إلى التعاون تحت ضغط الوقت لحل الألغاز والهروب من الغرفة.

تساعد هذه البيئات على كشف أنماط التفكير وأساليب العمل الجماعي، كما تُظهر الشخصيات المختلفة تحت الضغط.

ولتفسير تلك الأنماط السلوكية، يمكن استخدام أدوات تحليل مثل "إنسايتس ديسكوفري" (Insights Discovery) التي تصنّف التفضيلات السلوكية باستخدام ألوان رمزية (مثل الأزرق للدقة والتحليل، والأحمر للحسم والنشاط).

مثال تطبيقي

اعتُمد استبيان "إنسايتس ديسكوفري" لتشكيل فِرَق تدريبية متنوعة من ناحية الأنماط السلوكية، في إحدى ورش العمل التي نُظّمت بالتعاون مع جمعية تُعنى بالإسكان.

بعد الانتهاء من تجربة غرفة الهروب الأولى، عُقدت جلسة تأمّلية لتحليل الأداء الجماعي وتحديد مكامن القوة والتحديات.

وفي فترة بعد الظهر، تم تكرار التجربة في غرفة جديدة، وتمكّنت الفِرَق جميعها من النجاح في التحدي، مما ترك أثراً نفسياً إيجابياً، وشعوراً بالفخر الجماعي امتدّ إلى بيئة العمل الحقيقية.

جلسات التدريب الجماعي

3. ابْنِ قصصاً جماعية: بالمشاركة يتحقّق التعلم

"قل لي فأنسى، أرِني فأتذكّر، أشركني فأتعلّم" — حكمة عريقة تلخّص روح التعلّم الحقيقي.

لا تُبنى المعرفة فقط من خلال تقديم النظريات، بل عن طريق التجارب التشاركية التي ترسّخ المعاني في الذاكرة وتُنشِئ رابطاً وجدانياً بين المشاركين.

وقع أحد الأمثلة البارزة خلال ورشة تدريبية استخدمت غرفة الهروب كأداة تعليمية، وقد كان أحد أعضاء الفريق حريصاً بشدّة على ترتيب الغرفة، فأغلق الخزائن بعد إخراج محتوياتها. لكنَّ بقية الفريق لم يكن قد تفحّص الأغراض بعد، مما أدّى إلى إعادة حل الألغاز وخسارة وقت هام.

ومن الطريف أنَّ هذا الموقف تحوّل لاحقاً إلى نكتة متداولة بين أعضاء الفريق، قائلين: "هل أنت متأكد أنَّه من الآمن إغلاق الخزنة؟" دلالة على مدى رسوخ التجربة في أذهانهم. إنَّ مثل هذه القصص المشتركة لا تصنع الذكريات فقط، بل تعزّز روح الفريق، وتُضفي على التدريب طابعاً إنسانياً لا يُنسى.

4. طبِّق الألعاب: اجعل التدريب ممتعاً

لا يجب أن يكون التعلّم واجب مفروض على الفرد، ففي أجواء المرح، تتعزّز القدرة على الفهم والتفاعل. وقد قال الكاتب المسرحي الشهير "جورج برنارد شو" (George Bernard Shaw): "لا نتوقّف عن اللعب لأنّنا كبرنا، بل نكبر لأننا توقّفنا عن اللعب".

في إحدى الجلسات التدريبية ضمن مؤسسة إسكانية، طُلب من المشاركين تصميم مشاهد تمثيلية لسوء خدمة العملاء باستخدام الصلصال (Play-Doh).

رغم بداية متحفظة واستهجان البعض للفكرة، سرعان ما تحوّل الجو إلى حماس وتفاعل، وأصبح المشاركون يعبّرون عن تجاربهم وأفكارهم بأسلوب مبتكر وممتع.

وقد اعتمدت مؤسسات عالمية نفس الفكرة، مثل شركة "إنسايتس" (Insights) في اجتماعها القيادي، إذ نظّمت تجربة غامرة استمرت لمدة 3 أيام، شملت تفاعلات ميدانية في مدينة "بلفاست" (Belfast) مع ضيوف يمثّلون العملاء وأصحاب المصلحة.

تضمّنت التجربة تحديات استراتيجية تتعلق بواقع المؤسسة، ما عزّز فهم القيادة وأشعل الحماس في أرجاء الشركة.

5. استثمر الخبرات المتاحة: المعرفة لا تأتي من جهة واحدة

لا يقوم الدور الحديث للمُيسّر على الإلقاء، بل على توفير بيئة تثير الفضول وتعتمد على تبادل الخبرات. ففي عالم مليء بالتنوّع، لا توجد إجابات نمطية، ولا حلول صالحة للجميع. ولهذا، لا ينبغي فرض نموذج واحد على الجميع.

من خلال تفعيل الحوار والاستفادة من تجارب المشاركين، يمكن تحويل القاعة إلى ساحة تعلم تعاونية، حيث تكون رحلة البحث عن المعرفة ذات قيمة توازي الوصول إليها.

ولتفعيل هذا النهج، يُنصح باتّباع قاعدة ذهبية: لا تسمح لأي محور أو شخص أن يهيمن على النقاش لما يزيد عن 10 دقائق.

وبعدها، يجب تحفيز المشاركة عبر أدوات مثل الاستطلاعات، أو النقاشات، أو الأنشطة القصيرة التفاعلية، أو المحادثات الجانبية غير الرسمية.

في الختام

لقد ولّى زمن التدريب التقليدي القائم على الإلقاء والملل. ففي عام 2025، تُفتَح أبواب التعلّم التفاعلي والحيّ، إذ تتحوّل الجلسات التدريبية إلى فضاءات ديناميكية تحتضن الإبداع، وتُشعل التعاون، وتُحفّز النمو المهني والشخصي.

باتباع هذه الاستراتيجيات الخمس، يصبح التدريب أكثر من مجرد "جلسة" — بل رحلة مؤثرة تبقى آثارها حتى بعد انقضاء الوقت الرسمي.

فلنكن جميعاً جزءاً من ثورة التدريب، ولنصنع مستقبلاً تعليمياً أكثر إنسانية وتأثيراً.

هذا المقال من إعداد المدربة عبير المنهالي، كوتش معتمد من إيلاف ترين أوفترينرز