لا مفرّ من نشوب النزاعات في الحياة اليومية، سواء على الصعيد الشخصي أو المهني، ومع ذلك، كثيراً ما نفتقر إلى المهارات والأدوات التي تعيننا على مواجهتها بفعالية. كما يترتّب على هذا القصور خسائر كبيرة وغير ضرورية، مثل: التوتر، والغياب المتكرر عن العمل، وصعوبة الاحتفاظ بالموظفين، وفساد ثقافة الشركة.

من هنا، يصبح تدريب الموظفين على تقبُّل النزاعات، والاعتراف بوجودها، والتعامل معها بوعي وحكمة، خطوة أساسية لتحويل هذه العقبة إلى فرصة، وترسيخ ثقافة الانسجام والترابط في بيئة العمل.

الخوف من النزاعات

غالباً ما تنشب النزاعات عندما يتعارض موقف، أو حدث، أو سلوك مع توقعاتنا وتصوراتنا، وفي هذه اللحظة، بدلاً من التقارب، يحدث العكس: تتباين التوقعات، وتتعارض الأهداف، وتتضارب المصالح، ويتعثر التواصل، مما يضعف العلاقات الإنسانية.

ولكن، لماذا لا نتدخل في وقت مبكر لحل هذا الخلل؟ الجواب ببساطة: بسبب الخوف.

"علمتني الحياة أنَّ الناس يمكن أن ينسوا أقوالك وأفعالك، لكنهم لن ينسوا أبداً كيف جعلتهم يشعرون." الشاعرة والكاتبة "مايا أنجيلو" (Maya Angelou)

تعتمد قدرتنا على التعاون مع الآخرين، وتجنب النزاعات أو حلها، على استجابتنا الذهنية والعاطفية للمواقف المختلفة. يخشى كثير من الأفراد الدخول في مواجهة، فيتهربون منها أو يؤجلونها، وأحياناً يتعاملون معها بعدوانية تؤدي إلى تأزم المشكلة. لكن حين نوفر تدريباً مستمراً وموجَّهاً، فإنَّنا نُعين الأفراد على تجاوز هذا الخوف الفطري، ونمكّنهم من التعامل مع الصراع منذ بداياته، قبل أن يتفاقم.

يجب تصميم برامج تدريبية مدروسة لتسوية النزاعات، بناءً على احتياجات المنظمة وأهدافها، باستخدام نماذج وأساليب سهلة الحفظ، لتعزيز فعالية التدريب، وتحقيق عائد أعلى على الاستثمار.

التحدي الحقيقي: الرغبات أم الاحتياجات؟

عند إعداد برامج تدريبية فعالة، لا يكفي أن نلبي الاحتياجات فحسب، بل علينا أيضاً أن نراعي الرغبات والأهداف أيضاً، ويكمن التحدي الأكبر في جهل الجهة التي تطلب التدريب للأهداف المرجوة منه. من الضروري إذاً أن نستكشف خلفيات الطلب وسياقه، لفهم الواقع كما هو.

السؤال المحوري الذي ينبغي طرحه في هذا السياق هو: "ما الذي يعاني منه الناس فعلياً؟" 

إنَّ الفهم العميق للمشكلات التي يواجهها الأفراد في المستويات المختلفة داخل المؤسسة هو حجر الأساس لتصميم تدريب ناجح. يُنصَح بإجراء استطلاعات رأي، والتواصل مع الموظفين، لتحديد المشكلات الفعلية، وتشجيع المعنيين على المشاركة في تصميم التدريب.

تدريبات تسوية النزاعات

في ما يلي، 5 خطوات للاستفادة من تدريبات تسوية النزاعات:

1. استخدام نماذج وطرائق تترسخ في الذهن

إضفاء عنصر المرح وسهولة الحفظ على موضوع معقد مثل تسوية النزاعات ليس بالأمر الهيِّن، لذلك يُنصَح باستخدام نماذج توضيحية ومبسطة لترسيخ المفاهيم الأساسية.

كما هو الحال عند تعلم ركوب الدراجة، أو الغناء، أو القفز المظلي، أو أية مهارة أخرى، تكون البداية دوماً مليئة بالتفاصيل. فمن بين النماذج المفيدة:

  • نموذج "بي آي إن" (I.N) الذي يشرح الفرق بين المواقف (Positions)، والمصالح (Interests)، والاحتياجات (Needs).
  • طريقة البوصلة، وهي إطار عمل فعال لحل النزاعات.
  • خريطة النزاع، التي تساعد المشاركين في تصوُّر رحلتهم الشخصية في التعامل مع الخلافات.

2. التركيز على الإيمان، والالتزام، والممارسة

تلهمنا الكتب، وتحفزنا الدورات التدريبية لتغيير طريقة تفكيرنا أو تصرفاتنا، لكنَّ الواقع والتجربة يخبراننا أنَّ التغيير ليس سهلاً. فلكي يحدث تغيير إيجابي ومستدام، نحتاج إلى 3 عناصر: الإيمان، والالتزام، والممارسة. يجب أن يؤمن المشاركون أنَّ التغيير ممكن ومفيد لهم وللآخرين، وأن يلتزموا بفعل المطلوب لتحويل هذا الإيمان إلى واقع، وأن يثابروا على الممارسة المستمرة.

3. تشجيع المتدربين على المشاركة وتحمُّل المسؤولية

عندما يُشجَّع الأفراد على مشاركة رحلتهم مع شخص آخر (سواء صديق، أو زميل، أو منتور، أو كوتش، أو مجموعة دعم) ويتحملون المسؤولية الشخصية في تنفيذ التمارين المطلوبة، فإنَّ فرص نجاحهم تزداد بدرجة كبيرة.

مثل أية مهارة جديدة، فإنَّ الطريق إلى الإتقان يتطلب المثابرة، والتعاون، والممارسة المركزة الواعية. لذا، يجب تشجيع كل فرد على أن يشارك رحلته، ويثابر، ويتأمل في ما يتعلمه، ثم يعيد الكرّة من جديد.

إنّ وجود داعم واحد على الأقل — ويُفضَّل أن يكون هناك شبكة داعمين — يجعل الأمر أسهل وأمتع. كما أنَّ التعلم التفاعلي من أكثر الطرائق فعالية في ترسيخ المهارات، وأفضل وسيلة لتثبيت التعلم هي أن يقوم المتدرب بتعليم غيره، وعند تصميم التدريب بناءً على هذه المبادئ، فإنَّ قيمته تزداد مع مرور الوقت.

4. التشجيع على تحليل العواطف

تجري أغلب التدريبات على مستويين متوازيين: خارجي وداخلي، وعندما يكون موضوع التدريب ذا طابع عاطفي مثل النزاع، من الهام إتاحة المجال للمشاركين ليغوصوا في أعماق مشاعرهم، لأنَّ من لا يفهم نفسه، يعجز عن فهم الآخرين.

تقدم الورشات التدريبية مقدار كبير من المعلومات، لكنَّها نادراً ما تُحدث تغييراً مستدام؛ لذا، من الضروري أن يتضمن التدريب جانباً من الاستكشاف الذاتي، يُشجَّع فيه الأفراد على مشاركة تجاربهم الحقيقية.

يمكن استخدام تقنيات مثل المحاكاة وتمثيل المواقف لمنح المشاركين فرصة لتجربة المشاعر وردود الأفعال المرتبطة بالنزاع.

5. التركيز على المثابرة والاستمرارية

قد تحقق ورشة واحدة بعض النتائج، لكنَّها لا تكفي لتغيير السلوك، كما تتطلب الرحلة الحقيقية تصميماً مدروساً ومخصصاً، ودعماً مستمراً، وترسيخاً تدريجياً للتغيير على المستويين الفردي والمؤسسي.

في الختام

يُعد النزاع جزءاً أساسياً من حياتنا اليومية – في البيت كما في العمل. فعندما نُهمل التعامل معه، ندفع الثمن من صحتنا النفسية، ومن جودة بيئة العمل، ومن إنتاجية فِرَقنا. لكن عندما نُحسن تدريب الناس على فهم النزاع، وتقبُّله، والتفاعل معه بوعي وإيجابية، فإنَّنا نحول التحديات إلى فرص، والخسائر إلى مكاسب، ونبني ثقافة عمل يسودها التعاون والاحترام.