تخصص عديدٌ من الشركات يوم واحد أو اثنين لتأهيل الموظفين الجدد عند التحاقهم بالعمل، بحيث تقتصر هذه الإجراءات على تقديم بعض المعلومات عن سياسات الشركة وعملياتها، وتوقيع المستندات والوثائق، والقيام بجولة ضمن مكان العمل.

تشهد بيئات العمل والقوى العاملة في الوقت الحالي تغيرات تفرض على عاتق المؤسسات مَهمّة إعادة النظر في برامج تأهيل الموظفين الجدد وتعريفهم على ثقافة الشركة لكي يعملوا بإنتاجية عالية في أقصى سرعة ممكنة.

يقول "جورج برادت" (George Bradt)، المؤسس والمدير التنفيذي في شركة "برايم جينسيس" (PrimeGenesis) المختصة في مجال التأهيل الوظيفي، ومؤلف كتاب "تأهيل الموظف الجديد: تقنيات تسريع إجراءات تأهيل الموظفين الجدد" (Onboarding: How to Get Your New Employees Up to Speed in Half the Time): "تُعَد إجراءات تأهيل أعضاء الفريق الجدد من أهم الأعمال التي يقوم بها خبير الموارد البشرية أو مسؤول التوظيف للمساهمة في نجاح المؤسسة على الأمد الطويل. تساعد هذه الإجراءات في تحسين إنتاجية الموظف، وتسريع وتيرة التعلم، وزيادة معدل استبقاء المواهب في المؤسسة".

يؤدي قسم الموارد البشرية دوراً محورياً في إعداد وتطبيق برامج وإجراءات تأهيل الموظفين الجدد، ولكن يتطلب النجاح في تأدية هذه المَهمَة تغيير الطريقة التقليدية المتبعة في أوساط الموارد البشرية.

يؤكد "برادت" أنّه يمكن تقسيم خبراء الموارد البشرية إلى فئتين وهما المدراء الصارمون الذين يركزون على تنفيذ السياسات، والقادة المتعاونون والمساهمون في وضع الإستراتيجيات، ورغم فعالية كل من الدورين إلا أنَّ القائد يتميز بقدرة بارزة على التفكير المستقبلي، وهو يتعامل مع مسألة تأهيل الموظفين الجدد على أنّها جزء من الإستراتيجية الشاملة لإدارة المواهب.

بالتالي، يجب عليك أن تفهم رؤية الشركة وأهدافها على الأمد الطويل وتصمم برامج وإجراءات الموارد البشرية بناءً على الخطط الإستراتيجية الشاملة.

تأهيل الموظفين الجدد

خطوات لإعداد وتطبيق برامج تأهيل الموظفين الجدد

في ما يلي، 4 خطوات لإعداد وتطبيق برامج تأهيل الموظفين الجدد:

1. تحديد الأهداف

أجرت شركة "أبردين جروب" (Aberdeen Group) دراسة ًعلى عيّنة من كبار المدراء التنفيذيين والخبراء في قسم الموارد البشرية، وقد بينت النتائج أنَّ 66% من الشركات التي تطبق برامج خاصة لتأهيل الموظفين الجدد، تشهد ارتفاع في معدلات اندماج الموظفين الجدد مع ثقافة الشركة، وتنجح 62% منها في تقليل المدة الزمنية التي يحتاج إليها الموظف الجديد قبل أن يعمل بإنتاجيته القصوى، و54% منها تشهد مستويات اندماج ومشاركة أعلى من الشركات التي لا تطبق برامج لتأهيل الموظفين الجدد.

تؤدي الأسابيع والأشهر الأولى من مباشرة العمل دوراً محورياً في تحديد المستقبل المهني والنجاح في الوظيفة.

تقول "تيس فيالكا" (Tess Fyalka) مديرة قسم اندماج وتطوير الموظفين في شركة "أوشيا بيلدرز" (O'Shea Builders) المختصة في مجال الإنشاءات التجارية: "إننا نبذل ما بوسعنا لتهيئة الموظفين الجدد لتحقيق النجاح من بداية تعيينهم، ونحرص على تزويدهم بالأدوات والمصادر والمعلومات التي يحتاجون إليها لتحقيق النجاح في العمل".

تساعد الأهداف في وضع محتوى وهيكلية عمل برنامج التأهيل، لهذا السبب يجب تحديد المعلومات التي يحتاج الموظف الجديد لمعرفتها عن المؤسسة ومنصبه لكي يكون المحتوى متوافق مع الأهداف الموضوعة.

كانت إجراءات التأهيل فوضوية وعشوائية إلى أن تدخّلت "فيالكا" وخططت لإنشاء برنامج منظم يهدف إلى تسريع عملية التعلم ودمج الموظفين الجدد في الشركة، وإلهامهم بدعم وتسويق العلامة التجارية في محيطهم.

"أوشيا" هي شركة عائلية متعددة الأجيال تأسست في عام 1902 كوَرشة نجارة، لكنّها توسعت مع مرور الوقت ووصل عدد موظفيها إلى 150. قرر أصحاب القرار افتتاح فرع آخر في مدينة جديدة، لكنّهم كانوا قلقين من فقدان العناصر التي تميزها عن منافسيها.

تقول "فيالكا": "يمكن أن يؤدي النمو المتسارع إلى تعريض الشركة لخطر فقدان الخصائص التي تميزها في السوق. لقد فعلنا ما يلزم للحفاظ على تميُّزنا في السوق".

تقتضي وظيفة "فيالكا" أساساً تطبيق المحور الثاني من الخطة الإستراتيجية للشركة في عام 2012، وهو ينص على ما يلي: "حماية أسس الشركة وتحقيق أقصى فائدة ممكنة من المواهب المتوفرة".

تتضمن الأسس الأنظمة والعمليات والثقافة التي تعرِّف هوية الشركة. توضح فلسفة الشركة دور الموظفين في ترسيخ هذه الأسس وتحقيق النجاح، وتؤكد أنَّ الالتزام بعقلية التعلم والتطوير يشكل أساس ثقافة الشركة ويسهم في تحسين جودة وقيمة الخدمات المقدمة إلى العملاء.

2. الاستفادة من أدوات الأتمتة عند الإمكان

تتوفر برمجيات تتيح إمكانية أتمتة معظم الإجراءات الإدارية لتأهيل الموظفين وبتكلفة مقبولة، وهي عادةً ما تقدم تجربة استثنائية للموظفين دون أن تكتفي بتدريبات الامتثال البسيطة.

تبدأ إجراءات تأهيل الموظفين الجدد في شركة "أوشيا" قبل أسبوعين من تاريخ المباشرة، وهي تتضمن التسجيل في البوابة الإلكترونية الخاصة بالموظفين، وإتمام إجراءات التعيين وتوقيع الوثائق، والاطلاع على أدلة وكتيبات التوظيف.

يهدف تصميم البوابة إلى إضفاء الطابع الإنساني على المؤسسة، وهي تقدم معلومات وافية عن تاريخها، وثقافتها، ورسالتها، وقِيَمها بالإضافة إلى الملفات الشخصية للموظفين.

يُتاح للموظفين من ناحية أخرى إمكانية الاطلاع على مراحل خطة التدريب، والمشاركين، والمدربين، والمواد، والمحتوى، والمسؤوليات المطلوبة منهم خلال الأشهر الأولى. تُعد البوابة بمثابة مساعد افتراضي يجيب عن كافة استفسارات الموظف الجديد.

3. تحديد المشاركين الرئيسيين في عملية التأهيل

تزداد فعالية إجراءات التأهيل عندما يعكس المحتوى التجربة الإنسانية بطريقة هادفة، مما يفرض على عاتق العاملين في المؤسسة مسؤولية المشاركة الفاعلة في العملية.

تقول "فيالكا": "لا يمكن ضمان هذه المشاركة الفاعلة ما لم يعي القادة أهميتها. تشجع ثقافة شركتنا على التزام جميع الموظفين بمساعدة بعضهم، مما يزيد من سهولة إشراك جميع المعنيين بالعملية".

يؤدي مدراء التوظيف دور رئيسي في هذه العملية ويمكن أن يضطر قسم الموارد البشرية لإقناعهم بفوائد برامج تأهيل الموظفين.

يقول "برادت": "لا يُفترَض أن تُعد مبادرة خاصة بقسم الموارد البشرية، ويجب أن تدرك الإدارة فعالية برامج التأهيل في مساعدة الموظفين الجدد في الوصول لأقصى إنتاجيتهم بسرعة أكبر".

يشارك المدراء والموظفون الأكفاء في إعداد المحتوى، وتصميم وحدات التدريب، وإجراء الندوات الافتراضية، وبرامج المنتورينغ والكوتشينغ للموظفين الجدد لكي تضمن الشركة نجاح المحتوى في تحقيق الأهداف المرجوة.

تعتمد بعض المؤسسات على منتورينغ الأقران الذي يقتضي مشاركة الموظفين في مساعدة زملائهم الجدد في فهم الأدوات والمعلومات والمصادر التي يحتاجون إليها لتحقيق النجاح في وظيفتهم.

تأهيل الموظفين الجدد

4. تخصيص فترة زمنية كافية لبرامج تأهيل الموظفين الجدد

يقول "ستيف أوبراين" (Steve O'Brien) نائب مدير قسم التسويق في شركة "كرونوس كورب" (Chronus Corp) التي تزود مؤسسة "أوشيا" ببرمجيات تأهيل الموظفين الجدد: "لا تكفي برامج التوجيه التي تستمر لبضعة أيام لتأهيل الموظفين الجدد وتهيئتهم للاندماج في العمل بسرعة".

يؤكد "أوبراين" أنَّ الموظفين الجدد يحتاجون لبرنامج تدريب مطوَّل يسمح لهم بترسيخ المعلومات المكتسبة بالتجربة والتطبيق العملي في مكان العمل، كما أنّه ينصح بتخصيص تجربة التعلم لمتطلبات الشاغر الوظيفي، والاعتماد على التدريبات الجماعية والتعلم من الآخرين.

يمكن أن تستمر عملية التأهيل من بضعة أسابيع إلى حوالي السنة وذلك بحسب مستوى صعوبة المهام الوظيفية وتوفر الموارد والمصادر اللازمة. لكل وظيفة في شركة "أوشيا" نموذج موحد مصمم خصيصاً لتنظيم عملية التعلم، بحيث يتلقى الموظف الجديد جدول يتضمن وحدات تدريب منفصلة يجب إتمامها وفق برنامج زمني محدد مسبقاً، كما يجري ترتيب لقاءات منتظمة بين الموظفين الجدد وخبراء المادة في كل وحدة تدريبية. يقوم خبراء المادة من ناحية أخرى بإجراء ندوات افتراضية تسهم في ترسيخ المعلومات المكتسبة.

تعتمد مدة برنامج التأهيل على طبيعة الوظيفة، وتتراوح من 3 أسابيع في حالة الوظائف التي لا تتطلب خبرات تقنية دقيقة إلى 3 أشهر في مناصب مدراء ومهندسي المشاريع.

تجري "فيالكا" اجتماعات دورية مع الموظفين الجدد للاستعلام عن تجربتهم، وضمان التزامهم، والاستفسار عن التحسينات الممكنة.

تقول "فيالكا": إننا نستفيد من هذه التغذية الراجعة في إجراء تحسينات دورية على البرنامج. نحن نبذل قصارى جهدنا لتحسين التجربة باستمرار".

في الختام

تستمر برامج التأهيل لفترة زمنية محددة، كما يجب التركيز على وضع مخططات تهدف لمساعدة الموظفين في مواصلة التعلم والتطور خلال مسيرتهم المهنية.

ينتقل الموظفون في المرحلة التالية في شركة "أوشيا" إلى برنامج تطوير مهني مستمر يركز على وضع أهداف محددة، وقابلة للقياس والتحقيق، وعملية، ومؤطرة زمنياً، وذات صلة يوظائفهم في الشركة.

يُطلَب من الموظفين وضع أهداف إستراتيجية تركز على التنمية الشخصية والمهنية وتعود بالفائدة على القسم والفريق والشركة بأكملها.

يمكن إجراء برامج إعادة تأهيل قصيرة مخصصة لتلبية احتياجات الموظف عندما يغير منصبه في الشركة.

يقول "مات هوفمان" (Matt Hoffman) نائب مدير قسم الموارد البشرية في شركة "ديجيتال أوشن" (DigitalOcean): "غالباً ما يترافق الانتقال لوظيفة جديدة ضمن الشركة مع تغيُّر فريق العمل، والقادة، والزملاء، والمعايير الثقافية. يهدف التأهيل الداخلي إلى تزويد الموظفين بالروابط، والدعم، والثقة بالنفس اللازمة لتحقيق النجاح في الوظيفة الجديدة".

ينصح "هوفمان" بإجراء اجتماع بين الموظف والمدير السابق والمدير الحالي لمناقشة إطار العمل اللازم لمساعدة الموظف في النجاح بعد تغيير منصبه، ويقول في هذا الصدد: "يحتاج الموظف لبعض التوجيه عندما يتولى منصب جديد بصرف النظر عن خبرته في وظيفته السابقة".

يقترح "هوفمان" من ناحية أخرى وضع خطة تنموية تتضمن أهداف موزعة على 3 أشهر متتالية بغية ضمان تأقلم الموظف مع منصبه الجديد والعمل بأقصى إنتاجية في أقرب وقت ممكن.

تتنافس الشركات على أصحاب المواهب والكفاءات، مما يفرض على عاتق أرباب العمل مسؤولية التركيز على تدابير دمج الموظفين الجدد وتعزيز إنتاجيتهم من بداية تعيينهم. يؤدي التركيز على فعالية برامج التأهيل إلى تهيئة الموظفين الجدد لتحقيق النجاح، وهو ما يسهم بدوره في نجاح الشركة أيضاً.