يساهم التعلم الممتع في إحداث التغييرات السلوكية المطلوبة من المشاركين عن طريق تطبيق برامج تدريب قائمة على عناصر ومواد تفاعلية وممتعة، وهو مؤلف من 3 مراحل، وهي جمع المعلومات، والتصميم، والتقديم.

المرحلة الأولى: مرحلة جمع المعلومات

يتم في المرحلة الأولى إجراء دراسة تحليلية للوضع الراهن من أجل تصميم الحل التدريبي الأمثل؛ إذ تعتمد جودة الحل على مدى فاعليته في حل المشكلات لا على شعبيته أو المتعة التي يقدمها للمتدربين.

تهدف برامج تدريب الموظفين إلى حل المشكلات القائمة في الشركة مثل تحسين الأداء، أو زيادة إنتاجية الفِرَق، أو تنمية مهارات القوى العاملة وتأهيلهم للتعامل مع تغييرات المرحلة المقبلة، وتعتمد فاعلية الحل التدريبي اعتماداً أساسياً على جودة العمل الذي تقوم به في مرحلة جمع المعلومات وتحليل وضع الشركة، وهي تتألف من الخطوات الآتية:

1. تصميم حل تدريبي للمشكلة القائمة:

يواجه خبراء "التعلم والتطوير" (L&D) عدداً من التحديات في أثناء التعامل مع الجهات التي تحتاج إلى حلول تدريبية، وتقوم بعض هذه الجهات بتحليل الوضع القائم في الشركة وتحديد سبب المشكلة وطبيعة الحل المطلوب من خبراء "التعلم والتطوير"، وغالباً ما يكون هذا التشخيص خاطئاً.

فقد يقترح القائد على سبيل المثال إجراء ورشة تدريبية لتنمية مهارات التواصل لدى أعضاء الفريق، في حين تكمن المشكلة الحقيقية في الشركة في عدم التزام بعض الموظفين بخطة العمل الخاصة بالمشروع أو عدم حرصهم على التحقق من صحة عملهم ودقته.

يجب عقد جلسة تشاورية مع أصحاب القرار لتحديد المشكلة الحقيقية في الشركة، فيمكنك أن تستعلم في البداية عن الوضع القائم في الشركة، وتعتمد على هذه المعطيات في تصميم برنامج التدريب، وتقتضي الخطوة التالية تحديد الهدف من البرنامج، والتغير الذي يجب أن يحققه الموظفون في نهاية التدريب.

يجب أن تمتلك فكرة واضحة ووافية عن النتيجة النهائية المطلوبة والمتمثلة في سلوكات الموظفين وأفعالهم ودورهم في الشركة؛ إذ يجري خلال هذه المرحلة أيضاً تحديد استراتيجيات تقييم التقدم ومتابعة تطبيق إجراءات برنامج التدريب.

2. تحديد العادات والسلوكات السائدة في الشركة:

كشفت دراسات علم الأعصاب أنَّ العقد القاعدية  في الدماغ مسؤولة عن تكوين العادات، ويمكن تعريف العادات على أنَّها مسارات عصبية تتشكل عند تكرار سلوك معيَّن عدداً من المرات، وتتطلب أغلب الحلول التدريبية تغيير العادات السهلة والمريحة المترسخة في عقول الموظفين، واستبدالها بأخرى جديدة أحسن منها.

قد تكون العادات الجديدة غريبة ومزعجة في البداية، ولكنَّها ما تلبث أن تحل مكان القديمة وتترسخ مع مرور الوقت، فيجب معرفة العناصر الأساسية التي تتكون منها العادة قبل البدء بتصميم برنامج تدريب يحقق التغيرات السلوكية المطلوبة.

تتألف العادات الإنسانية من العناصر الآتية:

المنبه:

يعبِّر المنبه عن الحدث أو الظرف الذي يدفع الأفراد إلى تطبيق نمط أو سلوك معيَّن، فقد يتولد هذا المحفز عند تلقي طلب من أحد العملاء أو تشغيل الحاسوب على سبيل المثال.

النمط:

يعبِّر النمط عن مجموعة الأقوال والأفعال والسلوكات التي تتكرر في كل مرة يتولد فيها المنبه، وقد تشمل الأنماط استخدام برنامج معيَّن لإنجاز مهمة ما أو تقديم تغذية راجعة خلال اجتماع فردي مع أحد الموظفين على سبيل المثال.

المكافأة:

يحصل الفرد على مكافأة معيَّنة مع تكرار السلوك، وقد تكون هذه المكافأة مادية أو معنوية مثل كسب العمولة أو نيل استحسان المشرف أو الشعور بالرضى عن نجاح العمل الجماعي ضمن الفريق، وتقتضي مهمة المصمم تحديد النمط الذي يجب أن يركز عليه برنامج التدريب.

المرحلة الثانية: مرحلة التصميم

تهدف برامج التدريب إلى تحسين أداء الموظفين، ويتم في مرحلة التصميم إعداد برنامج التدريب بالاعتماد على المعطيات والمعلومات التي جمعتها في المرحلة السابقة.

3. تحديد الوسائل والتقنيات اللازمة لإحداث التغييرات السلوكية المطلوبة:

تحدث تغيرات دائمة في الدماغ في اللحظة التي يكتشف فيها المتدرب معلومة معيَّنة ويستوعبها بالكامل، وهو ما يؤثر بدوره في أنماط السلوكات والعادات، وكذلك تقتضي وظيفة المصمم وضع خطة مسبقة للحظات الفارقة التي تبدأ عندها التغييرات السلوكية والمعرفية بالحدوث.

قد يرغب المدير على سبيل المثال بتقييم أعضاء الفريق من أجل تحديد الأثر الفعلي لمشكلة معيَّنة في موظفي الشركة، أو قد يحتاج الموظف إلى مشاهدة تطبيق عملي عن السلوك المطلوب حتى يكرره ويعتاد عليه في أثناء العمل على مهامه اليومية.

يجب عليك أن تبدأ بعد ذلك بترتيب هذه الأمثلة والوسائل بطريقة تضمن إحداث التغييرات المطلوبة، وقد تشمل هذه الوسائل نظريات، أو نماذج، أو أمثلة، أو دراسات حالة، أو محاكاة.

يُنصَح بإعداد قائمة بالأدوات المناسبة لكل واحد من التغييرات المطلوبة، كما يجب عليك أن تستخدم مجموعة متنوعة من الوسائل ولا تكرر أياً منها مرتين متتاليتين خلال البرنامج؛ إذ تساعدك هذه الخطط على تحديد مدة البرنامج، والتأكد من قدرتك على تقديمه دفعة واحدة أو حاجتك إلى تجزئته على جلسات عدة.

يُستحسَن أن تصمم برنامجاً شاملاً يضمن إحداث التغييرات السلوكية المطلوبة بكل أمانة دون أن تختصر منه لمراعاة الوقت المخصص للتدريب، ويُنصَح بتطبيق بعض الإجراءات السابقة واللاحقة لبرنامج التدريب من أجل زيادة فاعليته وإحداث التغييرات السلوكية المطلوبة من الجمهور.

4. رواية القصص المصوَّرة:

الدماغ البشري مطبوع على الاندماج والتفاعل مع القصص، ومن ثمَّ يمكنك أن تستفيد من هذه الخاصية في زيادة فاعلية برامج التدريب عن طريق سرد التجارب والقصص عن المؤسسة، والقادة، والناس عموماً.

يمكنك أن تستفيد من هذه الميزة في تصميم البرنامج على شكل قصة مؤلفة من مقدمة وعرض وخاتمة، وتحدد الموضوعات والقصص المجازية والاستعارات التي تزيد من ترابط المحتوى وتحفز التغييرات السلوكية المطلوبة.

هنا يجب التطرق إلى أهمية الصور ودورها في زيادة فاعلية برامج التدريب؛ إذ يستطيع الدماغ البشري أن يستوعب الصور المرئية بسرعة أكبر من العناصر النصية بنحو 60000 مرة، وهو قادر على معالجة المشاهد البصرية في غضون أجزاء من الثانية.

يمكنك أن تستعين بموقع "آي ستوك" (iStock) أو "غيتي" (Getty) لاختيار الصور المجازية التي تزيد من ترابط مواد الدورة التدريبية وتحفز اهتمام الحاضرين بها.

يقوم الدماغ البشري بتنظيم الذكريات ضمن مخططات هي أشبه بمجلدات تحتوي على المعارف والتجارب التي خاضها الإنسان خلال حياته مصنفة ضمن فئات عددها كبير جداً، وتترسخ المعلومات في ذهن المتدرب عند ربطها مع خبرات وتجارب سابقة ومألوفة بالنسبة إليه، فيمكنك على سبيل المثال أن تصمم برنامج التدريب الخاص بالتغيير حول قصة مجازية مألوفة مثل التنزه.

تترسخ المعلومات والمفاهيم في أثناء تطبيق برنامج التدريب ضمن المسارات العقلية الخاصة بموضوع التنزه، ومن ثمَّ يجب عليك أن تختار استعارات وقصصاً مألوفة بالنسبة إلى شريحة متنوعة من الأعمار، والشخصيات، والمهارات، والخلفيات، وبما يراعي تنوع ثقافات الجمهور وأصولهم الجغرافية.

الإنسان مفطور على التواصل مع الآخرين، لهذا السبب يُنصَح بإضافة صور تحتوي على أشخاص حقيقيين بغية زيادة تفاعل المتدربين واندماجهم مع المحتوى، وهذه الطريقة أفضل من عرض صور الأشياء الجامدة، لكن يجب أن تحرص على مراعاة التنوع والاختلاف بين الحاضرين عند اختيار الصور.

5. استخدام الارتباطات الحسية في برامج التدريب:

اكتشف علماء الأعصاب أنَّ الإنسان يمتلك أكثر من 9 أنواع مختلفة من الذاكرة التي يرتبط كل منها بمنطقة أو بنية معيَّنة في الدماغ، وتتشكل معظم ذكريات الفرد في الذاكرة العرضية التي تخزن أحداث السيرة الذاتية والتجارب الحياتية التي يخوضها.

تحتوي هذه التجارب الحياتية على مزيج من المناظر، والأصوات، والروائح، والأطعمة التي يتذوقها الفرد، والأشياء التي يتحسس ملمسها، ويسترجع الفرد ذكريات تجاربه ورحلاته السابقة بعد سنوات طويلة عندما يختبر الأحاسيس المرتبطة بها مثل الروائح أو الأصوات على سبيل المثال.

يمكنك أن تزيد من قدرة المتدربين على ترسيخ المعلومات عن طريق استخدام المواد الحسية مثل الاستعارات البصرية، والعناصر الاجتماعية التفاعلية، والروائح، والموسيقى، فالعناصر الصوتية فعالة للغاية؛ وذلك لأنَّها تترسخ في جميع مناطق الدماغ ولا تتلف حتى لو تعرَّض الفرد لإصابة في دماغه.

في الختام:

تهدف برامج تدريب الموظفين إلى تحسين إنتاجيتهم وأدائهم في العمل، والتغلب على المشكلات التي تعترض سير العمل في الشركة، فقد قدَّم الجزء الأول من المقال 5 خطوات لإعداد برامج التدريب، ويبحث الجزء الثاني والأخير منه في بقية الخطوات.