يُشير بحث جديد أجرته الجامعة المفتوحة (The Open University) في بريطانيا إلى أنَّ الشركات التي تمنح الأولوية لعملية التعلُّم والتطوير في المملكة المتحدة خلال جائحة فيروس كورونا؛ تُعدُّ أكثرها ثقة في قدرتها على تحقيق انتعاش سريع.

ولكن كيف يمكن أن يضمن أرباب العمل أنَّ جهودهم في إعادة بناء المهارات ستؤتي ثمارها؟ 

لقد دفع الاضطراب الذي أحدثه انتشار فيروس كورونا الشركات والمنظمات إلى العمل على التكيف بسرعة في ظل عالم مليء بالتحديات الجديدة؛ لذا كان على القادة اتخاذ مجموعة واسعة من الإجراءات، بدءاً من الحفاظ على سلامة موظفيهم وعملائهم، ووصولاً إلى الانتقال إلى العمل عن بعد وتوفير التقنيات اللازمة لتحقيق ذلك.

ووفقاً لأحدث الدراسات التي تُجرَى في الجامعة، تتوقع الشركات البريطانية أن تحتاج إلى 18 شهراً كاملاً للتعافي من آثار الجائحة، إلَّا أنَّ الشركات التي منحت الأولوية لتطوير وإعادة تأهيل موظفيها سعياً إلى الاستجابة لاحتياجات مؤسستهم في ظل التغيرات الجذرية التي تشهدها بيئة العمل تُعدُّ الأكثر ثقةً بقدرتها على تحقيق انتعاش سريع بعد إلغاء قرار الإغلاق العام.

لطالما اعتقدت الجامعة المفتوحة (The Open University) بأنَّ القوى العاملة التي تتمتع بمهارات عالية تقود عجلة النجاح في المستقبل، ولكن مع ازدياد عدد الشركات التي تركِّز على مجرد الاستمرار فحسب، كيف سيتمكنون من وضع المهارات على رأس جداول أعمالهم، والاستعداد لمواجهة مزيد من التحديات الحتمية التي تلوح في الأفق؟

يكمن الحل في أن يتبنَّى أرباب العمل عملية التعلُّم المستمر.

الاستثمار الذكي للأفراد:

تَذكُر 67% من الشركات أنَّ فرص التعلُّم لعبت دوراً حاسماً في الحفاظ على مرونة موظفيها طوال فترة تفشي الجائحة، ولكن تقتضي الحاجة أن يتسم التدريب بالمرونة بطبيعته بسبب التقلبات غير المسبوقة التي يشهدها الاقتصاد في المملكة المتحدة؛ وبغض النظر عن حقيقة أنَّ المهارات اللازمة لعالم "ما بعد كورونا" تتغير بسرعة كبيرة، ينبغي أن يدرك أرباب العمل حقيقة أنَّ الموظفين قد شَهدوا التغييرات الجذرية التي طرأت على واقع العمل بالفعل من خلال الانتقال إلى العمل عن بعد.

ينبغي أن يكون توفير التدريب قادراً على مواكبة مثل هذه الاضطرابات، الأمر الذي يتحقق من خلال إتاحة سُبُل الوصول إلى التعلُّم الافتراضي المستمر، والذي يشمل منح الموظفين مرونة الالتحاق بالتدريب كلَّما استطاعوا للإيفاء بالالتزامات الشخصية والمهنية غير المتوقعة.

قد يكون الالتزام التام بالتعلُّم المرن عبر الإنترنت أمراً بالغ الأهمية بالنسبة إلى أرباب العمل الذين يتطلعون إلى مواكبة التغييرات الجذرية التي تطرأ على الوضع في ظل انتشار فيروس كورونا؛ حيث ينبغي أن ينظر أرباب العمل في كيفية تنفيذ فرص التعلُّم على جميع الأصعدة، وتوفيرها، وإتاحة تطبيقها على الجميع؛ فعلى سبيل المثال: الآن، بعد أن أصبح العمل عن بعد العُرف الجديد السائد، فمن الهام أن نحرص على أن يكون الجميع -بدءاً من الإداريين، ووصولاً إلى المتدربين-  مُلمِّين بالأمور التقنية.

لقد اكتشفت الجامعة المفتوحة (Open University) مؤخراً أنَّ واحدة من بين كل خمس شركات (أي ما يعادل 22%) تبنَّت التكنولوجيا لمواجهة تحديات العمل الجديدة؛ ونتيجةً لذلك، يتوقع 40% من القادة الاعتماد على مهارات الموظفين في استخدام التكنولوجيا على نحو أكبر من ذي قبل؛ مما يبرز أهمية الدور الذي ستلعبه المهارات الرقمية في جميع مستويات العمل.

سيلعب ضمان أن يكون التدريب متوائماً بما يكفي ليتمكن جميع الموظفون من الوصول إليه واستخدامه بطريقة صحيحة دوراً محورياً للشركات التي تتطلع إلى تسخير الابتكارات والتقنيات التي تحيط بهم، بغض النظر عن أقدميتهم أو خبرتهم.

كيف يمكن تطبيق التعلُّم المرن في عالم العمل الحقيقي؟

ينبغي أن يتبنى أرباب العمل عملية التعلُّم المستمر؛ حيث ستُتاح من خلال تقديم دورات تدريبية سَلِسة وقصيرة للموظفين الفرصة للقادة لتسريع وتيرة التنمية.

يمكن أن يكتسب المتعلِّمون المهارات القابلة للتنفيذ المطلوبة بسهولة للتغلب على التحديات المختلفة عند ظهورها، والأهم هو أنَّه يمكنهم الاستمرار في القيام بذلك كجزء من تطورهم المستمر بدلاً من تكبُّد عناء تكريس وقت طويل للتعلُّم، والذي يأتي كردة فعل أكثر من أي دافع آخر.

يتيح تسخير فاعلية المنصات عبر الإنترنت -مثل منصة "أوبن ليرن" (OpenLearn) التابعة للجامعة المفتوحة (Open University)، والتي تقدِّم دورات تدريبية مجانية مُعتمدَة وقائمة على العمل- لأرباب العمل فرصة لتحفيز تنمية فرَقِهم أيضاًـ حيث يمنح حصول المتدرِّبين على شهادة إتمام الدورة التدريبية مكافأةً ملموسةً على جهودهم، والتي يمكنهم مشاركتها على منصات التواصل الاجتماعي؛ حيث لا يؤثِّر ذلك في إنتاجيتهم فحسب، بل يمنحهم إحساساً بالقيمة والاستثمار أيضاً، وهو أمر بالغ الأهمية للحفاظ على الموظفين، لاسيما في الوقت الذي يعاني فيه الموظفون من تشتُّت في جميع أنحاء العالم.

يمكن أن يحافظ أرباب العمل على التواصل مع موظفيهم؛ وذلك لمواصلة تحفيزهم، والمشاركة في العمل من خلال توفير فرص مستمرة للتقدُّم لهم، والاعتراف بتطور مهاراتهم.

قد يكون الالتزام التام بالتعلُّم المرن عبر الإنترنت أمراً ضرورياً للغاية بالنسبة إلى أرباب العمل الذين يتطلعون إلى مواكبة التغييرات الجذرية التي تطرأ على الوضع في ظل انتشار فيروس كورونا خلال الأسابيع والأشهر القادمة، ومنح موظفيهم فرصة قيادة عجلة النجاح في المستقبل.