لقد شهدت السنوات الأخيرة ازدياداً في اقتصاد العمل الحر، وبينما نمضي قدماً في ضوء انتشار جائحة فيروس كورونا، فمن المرجَّح أن يصبح هذا النوع من اتفاقيات العمل أكثر شيوعاً؛ ومع ذلك، لا تزال الشركات تسعى جاهدةً في تصنيف أولئك الذين يعملون في وظائف مؤقتة، وتحديد نوعية التدريب الذي ين

نظراً لانتشار العمل المستقل بشكل أكبر، بدأت تضيق الهوة بين تصنيف الناس كعاملين موظفين، أو عاملين مستقلين؛ إذ دائماً ما ستجد موظفين مؤقتين في جميع قطاعات العمل، وجميع المستويات المهنية، بدءاً من القطاع العام، ووصولاً إلى الشركات التجارية بجميع أحجامها.

ينبغي أن تدرك الشركات القائمة على اقتصاد العمل الحر، أنَّ عديداً من الموظفين الذين يجرون تفاعلات هامة مع العملاء ليسوا في الواقع موظفين بالمعنى التقليدي للكلمة.

لقد ازداد حجم اقتصاد العمل الحر بمعدل يفوق الضعف خلال السنوات الثلاث الماضية حتى عام 2019؛ إذ بلغ عدد العاملين فيه 4.6 مليون عامل. وفي عام 2020، أثَّرت جائحة فيروس كورونا بشكل كبير في قطاع العمل؛ حيث أفاد ما يقارب 70% من الموظفين المؤقتين بأنَّه لم يكن لديهم أي مصدر دخل في شهر نيسان من عام 2020، وذلك خلال تطبيق قرارات الإغلاق العام حول العالم.

ولكن رغم ذلك، كان من المتوقع أن يؤدي الانكماش الاقتصادي الذي أعقب الجائحة إلى تعزيز اقتصاد العمل الحر؛ حيث بدأت تتخوف الشركات من تعيين موظفين دائمين، ما أدَّى إلى ارتفاع معدلات البطالة وبحث مزيد من الناس عن هذا النوع من العمل.

كما أوضحت قضية تتعلق بإحدى شركات البريد السريع الكبيرة في عام 2018، أنَّ المحامين المتخصِّصين في قضايا التوظيف بدؤوا إصدار أحكام لصالح العاملين حينما كان الأمر يتعلق بحقوقهم، امتثالاً للتوصيات الواردة في خطة العمل الحكومية التي أعدَّها اللورد تايلور (Lord Taylor’s Good Work Plan).

وقد دفع ذلك بعض الشركات إلى تعزيز العقود التي توقِّعها مع الموظفين المؤقتين، مع تقديم حقوق إضافية لا تُمنَح عادةً إلَّا للموظفين الدائمين، والتي تشمل: إجازات مدفوعة الأجر، وضمان الحد الأدنى من الأجور. إنَّ ما يثير الاهتمام هنا أنَّ التغييرات هذه استغرقت وقتاً طويلاً، وتطلَّبت قرار المحكمة لإحداثها.

الموظفون المؤقتون في الخطوط الأمامية:

أحد الأمور التي بدأت الشركات إدراكها الآن، هو أنَّ الموظفين الذين كانوا محرومين بعض هذه "الامتيازات" هم ذاتهم الذين يعملون بشكل وثيق مع العملاء؛ وهو ما يُعَد أمراً متناقضاً. فعندما تطلب وجبةً جاهزةً من شركة توصيل طعام كشركة "ديليفيرو" (Deliveroo)، ما هو الجانب الذي يبقى عالقاً في ذاكرتك من الخدمة؟ من الواضح أنَّه رجل التوصيل الذي يعمل لحسابه الخاص، والذي يوصل لك طعامك على النحو المطلوب.

ينبغي أن تدرك الشركات القائمة على اقتصاد العمل الحر، أنَّ عديداً من الموظفين الذين يجرون تفاعلات هامة مع العملاء هم ليسوا في الواقع موظفين بالمعنى التقليدي للكلمة؛ إذ لا يُمثِّل الموظفون الذين يعملون خلف المكاتب عادةً علاماتهم التجارية. لذا حتى وإن كان عملهم يستمر فترةً وجيزةً، فتأثيرهم واضح، ويحتاجون إلى التطوير؛ فحينما لا يتمتع الأشخاص الذين يُمثِّلون الشركة بالمهارات والسلوك المطلوب، من المحتمل أن يسيئوا إلى سمعة العلامة التجارية بشكل كبير.

تدرك شركة "ديليفيرو" (Deliveroo) كل ذلك جيِّداً؛ لذا توفِّر لجميع عاملي التوصيل لديها التعلُّم عبر الإنترنت. يعمل الغالبية العظمى منهم لحسابهم الخاص، ولكنَّهم يؤثِّرون تأثيراً كبيراً في ثقافة الشركة، وحقيقة أنَّهم ليسوا مدرجين ضمن كشوف الرواتب هو أمر أكاديمي للغاية. إنَّهم في حاجة إلى فرصة لتعلُّم مهارات جديدة، وتحسين قدراتهم في التواصل وخدمة العملاء. لا تستطيع شركة مثل "ديليفيرو" (Deliveroo) أن تحافظ على طموحاتها في النمو دون دعم قوى عاملة متعددة المهارات ومتفانية في عملها.

العمل متعدد المجالات، وتأثيره في مجال التعلُّم والتطوير (L&D):

في المراحل المقبلة حينما يصبح عمل الشخص لحسابه الشخصي، والعمل المستقل "أمراً عادياً" أكثر من قبل، ويعمل مزيد من الناس في "مجالات متعددة"، سيثير ذلك تساؤلاً هاماً لدى جميع المتخصِّصين في مجال التعلُّم والتطوير (L&D).

من ينبغي أن يكون مسؤولاً عن التعلُّم والتطوير؟ فإذا كانت الدورات التدريبية تُعَد هامةً للموظفين الرسميين فحسب، ماذا بشأن الموظفين الآخرين؟

هل من الممكن أن تنقسم القوى العاملة إلى مستويين؟ كيف سيؤثِّر ذلك في مستقبل التعلُّم والتطوير بصفته وظيفة تنظيمية؟

يشهد مجال التعلُّم والتطوير (L&D) تطوراً سريعاً كوظيفة، كما أنَّه يمنح الآن زمام التحكم والدافع للتعلُّم إلى العاملين أنفسهم، والذين أصبحوا متعلمين موجَّهين ذاتياً؛ إذ تختلف الدوافع التي تحفِّزهم تماماً، ويشبهون الموظفين المؤقتين إلى حد ما، كما يُفضِّل كثير من الناس العمل المستقل، أو الاستمرار في العمل لحسابهم الخاص، بدلاً من الحصول على "وظيفة عادية"؛ لما يوفِّره لهم ذلك من مرونة وحرية للسعي في اهتمامات أخرى.

ينطبق منطق "العمل لحسابك الخاص" ذاته على التعلُّم الموجَّه ذاتياً. وانطلاقاً من فكرة أنَّ التعلُّم مفيد مهما اختلفت أشكاله، يرغب أولئك العاملون في حرية الوصول إلى المصادر التي تسمح لهم بتعلُّم ما يثير اهتمامهم، وما سيعود عليهم بفائدة أكبر.

التعلُّم الموجه ذاتياً والتعلم المصغَّر:

أظهر بحث أجراه أحد العاملين في مجال السيارات أنَّ جميع موظفي الشركة كانوا مهتمين للغاية بالتطور على المستوى الشخصي والمهني، وطلب أولئك الذين يعملون تحديداً عن بُعد مزيداً من التحكم في مسألة تطويرهم، وفرصة الوصول إلى مصادر التعلُّم من أي مكان؛ وينطبق الأمر ذاته على الموظفين المؤقتين.

يرتبط توجُّه العاملين الراغبين في الاحتفاظ بالمرونة والسيطرة، بتوجُّه آخر ناشئ متعلق بالتعلُّم المصغَّر؛ الأمر الذي يُعَد منطقياً للغاية بالنسبة للموظفين المؤقتين الذين يتقاضون أجرهم بالساعة؛ فحينما يكون الوقت هو المال، عندها يكون قضاء ساعات في التعلُّم والتطوير أمراً غير ممكناً. وبدلاً من ذلك، يُعَد إلقاء لمحات سريعة على مصادر تعلُّم قصيرة ومحدَّدة بين فترات العمل، والتي يسهل الوصول إليها من الهواتف، هو السبيل للمضي قدماً.

إذا كنت ترغب في الحصول على أفضل النتائج الممكنة من العاملين لديك، سواء كانوا موظفين أم مستقلين، فمن الهام خلق شعور بالمساواة، وتوفير فرص تعلُّم مرنة يمكن الوصول إليها.

بغي أن يُقدَّم لهم؛ وهنا يبرز التساؤل، كم يجب علينا أن نستثمر في تدريب الموظفين المؤقتين؟