شهدنا تطوُّراً في أساليب الإدارة والقيادة المختلفة على مر العقود، وكلها تتكيف مع الاحتياجات المجتمعية والتجارية، وتكون مدفوعةً بها، وبعضها يتم ترشيده من خلال النتائج التي حققوها، مثل إدارة الجودة الشاملة، وبعضها الآخر يجري تقييمه من خلال الصلة العاطفية التي أنشؤوها مع فِرقهم، مثل الذكاء العاطفي العالي.

كان الرابط بينهم جميعاً هو مجموعة متنوعة من الدروس المستفادة؛ حيث وُجِّه تطوُّرها من خلال معايير الأجيال والضغوطات الخارجية مثل الانهيارات المالية والركود الاقتصادي والجوائح.

لقد نال أسلوب معيَّن الثناء والإشادة - وهو موضوع هذا المقال - كونه يمكن تطبيقه في الظروف كافةً، فالقيادة الحكيمة ليست مفهوماً جديداً وستظلُّ مطلباً في الأعمال التجارية ونحن نمضي بطريقتنا خلال العقد المقبل.

دعونا نناقش ماهيَّة أنماط القيادة المختلفة، ومن أين أتت القيادة الحكيمة، وخصائص القائد الحالم، وإيجابيات وسلبيات الأنماط، وننظر إلى أمثلة ونماذج يحتذى بها للقادة الذين أظهروا هذا الأسلوب الخاص.

مع التركيز على تطبيق القيادة الحكيمة، سنحدد متى ولماذا تكون العقلية التي نحتاج إليها لمساعدة الأعمال على النمو بعد ظهور هذه التحديات في بداية هذا العقد.

أنماط مختلفة للقيادة

لماذا نتحدث في كثير من الأحيان عن الحاجة إلى أساليب مختلفة للقيادة؟ لأنَّ المواقف والشخصيات والشركات المختلفة تتطلب إجراءات وعقليات مختلفة للتعامل مع القضايا والتحديات التي تواجهها، فما الذي نعنيه حقاً "بأنماط القيادة"؟

يتعلق التعريف الشائع بالمكان الذي يشعر فيه المدير أو قائد الأعمال براحة أكبر في التعامل مع الموظفين والقضايا الأخرى، وتحديد طريقة الحصول على النتائج من خلال الآخرين ومستوى "القوة" المطلوب لتحقيق نتائج محددة مسبقاً.

من خلال إظهار "النمط" الصحيح للقيادة، يمكن لأي شخص تحقيق نتائج أفضل والمزيد من المشاركة ومستويات أعلى من التحفيز ومستوى أداء متزايد، وإذا أخطأتَ في الأسلوب، فقد يحدث عكس ذلك تماماً، غالباً مع عواقب طويلة الأمد، وتدور أنماط القيادة الأكثر شيوعاً عن العمل الذي قام به الكاتب "دانيال جولمان" (Daniel Goleman).

الأساليب المختلفة منتشرة على نطاق واسع، بدءاً من المدير الأكثر قسوةً واستبداداً - تكرار القول المأثور الذي وُلِد من نظرية الإدارة العلمية الذي يتبناه من بين آخرين "فريدريك تايلور" (Frederick Taylor) - ووصولاً إلى الأساليب الأكثر انتماءً وديمقراطية ودعماً، والمصمَّمة لتكون شاملةً وتفويضية.

تغطي أساليب "جولمان" مجموعةً واسعة من الخيارات ليتبناها القائد، اعتماداً على الظروف والمواقف التي تواجهها، وفيما يلي الأنماط الستة:

أسلوب القيادة الأوتوقراطية / القيادية

عندما تكون هناك حاجة إلى اتخاذ قرارات سريعة، يثق الفريق بالقائد لاتخاذ قرارات جيدة ولا يلزم مشاركة الفريق أو مشاركته على الإطلاق؛ حيث إنَّه يوفر الوقت ويؤدي إلى تحقيق نتائج سريعة، ولكن يمكن أن يؤثر في التواصل في المستقبل ويفوت الفرص، في حين يحدد التعاون خيارات أخرى لتحقيق النتائج.

القيادة الديمقراطية / المشاركة

نحتاج إلى هذا الأسلوب عندما يكون التأييد من أعضاء الفريق مطلوباً للمضي قدماً؛ حيث يُشرك القائد المزيد من الأشخاص في إيجاد الحلول؛ مما يسمح للإبداع بدفع الأداء إلى الأمام، ويمكن أن يخلق فريقاً متحمساً ومدفوعاً جيداً ويمكنه أيضاً إبطاء العمليات؛ حيث يحتاج الأشخاص إلى وقت للنظر في الخيارات للمضي قدماً.

القيادة من خلال تعزيز الشعور بالانتماء

يصف "جولمان" هذا الأسلوب بأنَّه "بناء العلاقات والتواصل الوثيق وإظهار التعاطف"؛ لذا فإنَّ الأسلوب الانتمائي يخلق جواً متناغماً عند العمل في المواقف والظروف المرهقة، فيشعر الناس بالاندفاع؛ ذلك لأنَّ هناك شعوراً بالصداقة الحميمة، ويظهر القائد فهماً لاحتياجات الفريق من خلال بناء العلاقات الوجدانية؛ حيث إنَّها ضرورية عندما يعاني الفريق ويحتاج إلى يد العون.

القيادة الريادية

مطلوبة عندما يحتاج القائد إلى نتائج أعمال سريعة، وغالباً ما ترتبط بأهداف المبيعات والتسويق؛ حيث غالباً ما تُعرَض من قِبل مندوب مبيعات وأصبح مدير مبيعات، وهذا النمط يجسد الفِرق عالية الأداء ويسمح لها بتنمية الدافع والكفاءة ذاتياً، ويعمل عندما يكون أعضاء الفريق ملتزمين ومؤهلين، بحيث يمكن للقائد أن يقود النتائج من خلال تحديد الأهداف، والمشاريع الإبداعية التي تسير بخطى سريعة، ووضع مثال على وتيرة العمل.

قد تزول فوائد الحصول على نتائج سريعة وفِرق نشيطة بسبب الضغط الناجم عن المطالب المفروضة على الفريق، لذلك لا يُنظَر إليه دائماً على أنَّه الأسلوب الأكثر فاعليةً للتبني على الأمد الطويل.

قيادة الكوتشينغ

حيث يكون لدى القائد فريق ذو خبرة يحتاج إلى دعم لإنجاز المهام، بالاعتماد على مساعدة القائد عند الضرورة، ويساعد هذا الأسلوب أعضاء الفريق على التعلم بسرعة وفاعلية، وتطبيق الأفكار بمساعدة القائد الذي يُسهِّل نمو الفريق وتطوُّره.

تشمل الفوائد تحسين الروح المعنوية عندما تتعلم الفِرق وتتطور معاً، ولكن قد يكون هذا الأسلوب صعباً بسبب مهارات وكفاءة القائد إذا أفرط في استخدام أسلوب الكوتشينغ.

القيادة الحكيمة

يتحدث "جولمان" عن هذا الأسلوب أنَّه يحتوي على أهداف ملهمة طويلة الأمد تدفع القسم والشركة إلى الأمام؛ مما يخلق جواً حيث يمكن لأعضاء الفريق بناء معارفهم وقدراتهم، مع العلم أنَّ لديهم مهمة تسمح بالتقدم والتطوير.

مع هذا الأسلوب، وبحكم طبيعته، يكون للقادة رؤى ومهمات يتبعها الأفراد، وهي مستوحاة من الاتجاه الذي سوف يسلكونه الآن وفي المستقبل، وقد يُضحَّى بالتركيز قصير الأمد من أجل المصلحة العامة، لكنَّ الرحلة بعيدة الأمد وحتمية؛ حيث تُكيَّف هذه الأساليب وغيرها مع عالم ما بعد الجائحة، كما يحتاج الناس إلى ثقة القادة بهم واعتمادهم عليهم، بالإضافة إلى الإلهام والقيادة واللمسة الإنسانية.

يمكن النظر إلى القيادة الحكيمة على أنَّها أحد المتطلبات المسبقة لتنمية هذه العقلية لدى الأشخاص بينما نتقدم في أعمالنا.

من أين نشأ مصطلح القائد الحكيم؟

كما ذكرنا آنفاً، يُنسَب إلى "دانيال جولمان" أنَّه عرَّف مصطلح "القيادة الحكيمة" في عمله منذ عام 2002، وقد اشتق المفهوم الأصلي من مصطلح "القيادة التحويلية"، الذي ناقشه عالم الاجتماع "جيمس داونتون الابن" (James Downton Jnr)، جنباً إلى جنب مع العالم "جيمس ماكجريجور بيرنز" (James MacGregor)، عام 1978؛ حيث تناول الموضوع بالتفصيل في كتابه "القيادة".

دُرِسَت السمات الأساسية للقيادة التحويلية بإسهاب من قِبل "برنارد إم باس" (Bernard M Bass)، والذي نظر أيضاً في سمات القادة الكاريزماتيين والملهمين والفكريين، وطوَّر فكرة قيام القادة بتحويل الأعمال من خلال الأيديولوجيات ذات الرؤية المستقبلية، وقام "دانيال جولمان" بتطوير المفهوم بالكامل في دراساته لكتابه الأساسي "القادة الجدد: تحويل فن القيادة".

طوَّر "جولمان" الموضوع عندما ذهب إلى مناقشة قوة الذكاء العاطفي في القادة، فيمكن وصف القيادة الحكيمة بأنَّها "القدرة على قيادة تفكير الفريق" من خلال توصيل أفكار ملهمة ومحفزة وداعمة يريدها الناس في المستقبل ويختارون الانخراط فيها.

كما أنَّهم يمنحون فريقهم حرية الإبداع والذكاء لتحقيق الأهداف التي ستشعل الرحلة التي يمضونها في السعي إلى تحقيق الرؤية؛ حيث إنَّ مستوى الالتزام الذي يحتاج إليه الناس لاتباع قائد حكيم مرتفع، ولكنَّ المكافآت يمكن أن تثبت أيضاً أنَّها حاسمة في تشجيع المشاركة في تلك الرؤية وبنائها، ونظراً لكون تحديات اليوم من أعظم التحديات التي واجهها هذا الجيل، فنحن بحاجة إلى قيادة حكيمة لمساعدتنا على الاستفادة من الإمكانات الهائلة التي لا تزال قائمةً في فرقنا.

خصائص القائد الحكيم

تتطلب الأنماط المذكورة آنفاً خصائص معيَّنة، فعلى سبيل المثال: يحتاج القادة الأوتوقراطيون إلى الثقة والجرأة والكاريزما والقدرة على الحصول على نتائج في وقت مزدوج السرعة ويحتاج القادة الديمقراطيون إلى الجاذبية ومهارات العمل الجماعي الجيدة لتشجيع أعضاء الفريق على تقديم أفضل ما لديهم في كل موقف، ويحتاج القادة الرياديون إلى التزام من فريقهم لتحقيق النتائج عندما يكون هناك ضغط ضئيل لتحقيقه على الأمد القصير، ويحتاج قادة الكوتشينغ إلى القدرة على طرح أسئلة عميقة وحاسمة للحصول على تفكير فريقهم على مستويات مختلفة وتطوير مهاراتهم.

إذن، ما هي المهارات التي سيحتاج إليها القادة الحكماء؟

دعونا نلقي نظرةً على القليل منها، ونرى كيف يمكن دمجها في بيئة عمل عادية:

1) الرؤية استراتيجية

التفكير الاستراتيجي هو شرط مسبق عند وضع رؤية مستقبلية؛ حيث يتيح لك أسلوب التفكير هذا تحديد التحديات الحالية التي يواجهها فريقك وعملك، وما معنى تلك التحديات وأفضل الطرائق للتعامل بفاعلية مع المواقف الآن وفي المستقبل.

2) القدرة على توصيل الرؤية والرسالة بوضوح وفاعلية

قد يبدو الأمر واضحاً، لكنَّ الرؤية التي يُعبِّر عنها القائد الحالم يجب أن تكون ملهمةً وجذابة ومحفزة، وإذا كانت الرؤية لا تدفع الفريق إلى الأمام، وتحصل على دعمهم من خلال التواصل الجيد، فإنَّ القائد يخاطر بأن يكون عاجزاً عن رسالته ويُعَدُّ شغوفاً وجذاباً في أحسن الأحوال، وحالماً مخدوعاً في أسوأ الأحوال.

3) إظهار صفات الذكاء العاطفي

قد يؤدي الذكاء العاطفي إلى نجاح القادة أو فشلهم، فيجب أن يكونوا مدركين لأنفسهم، وأن يفهموا ما تخبرهم به عواطفهم وأن يبنوا حالتهم الإيجابية الطبيعية، وكذلك الاعتماد على الذات والدفع الذاتي، ومن ثمَّ تُستَكمل هذه السمات الشخصية من خلال قدرتها على فهم الحالات العاطفية للآخرين والتأثير فيها؛ مما يجعلهم يرون الرؤى والمهام التي ستدفع الشركة إلى الأمام.

4) التعاطف والرحمة

من الغريب الاعتقاد أنَّ القائد يجب أن يُظهِر فهماً واضحاً للحالات العاطفية للآخرين، لكنَّها إحدى السمات التي تميز القائد الحكيم؛ فإنَّ وجود فهم واضح لتأثير الرؤية والرسالة في الأشخاص الآخرين يسمح للقائد الحكيم ببناء الوعي والرحمة في أثناء دفعهم نحو الأهداف.

5) الطبيعة التعاونية

كثيراً ما نسمع القادة يتحدثون عن التعاون مع فِرقهم للحصول على النتائج، وقد يذهب التعاون إلى أبعد من ذلك؛ حيث تربط مهارات الأشخاص الذين تعمل معهم، بالأهداف والغايات التي ستشجع النمو والتنمية، والتعاون يعني تآزر العلاقات التي لديك وخلق الفرص للآخرين لإظهار أفضل أعمالهم وسلوكهم.

6) التشجيع على مشاركة الآخرين

هناك فرصة ضئيلة للقادة الحكيمين للحصول على نتائج بمفردهم؛ حيث إنَّهم بحاجة إلى دعم ومشاركة ودافع وتحفيز أصحاب المصلحة الآخرين لتحقيق ما يعرفون أنَّهم يستطيعون تصوُّره، ومن خلال تشجيع الآخرين وإشراكهم، تصبح الرؤية قابلةً للتحقيق أكثر ويكسب الالتزام من الفريق.

7) التركيز تركيزاً كاملاً على الرحلة والهدف

يعرف القادة الحكيمون أنَّ الوصول إلى القمة هو الهدف وهم ملتزمون تماماً ويركزون على ذلك، ولكنَّهم يعرفون أيضاً أنَّ أيَّة قمة يمكن الوصول إليها تنطوي على رحلة يمكن أن تكون محفوفةً بالمخاطر ومن ثمَّ تحتاج إلى المرونة، والتركيز على ما يجب القيام به للوصول إلى الهدف النهائي يعني أنَّهم واقعيون في المهام والمشاريع التي يمكن تنفيذها، واكتساب وبناء الالتزام من الآخرين في الرحلة إلى الهدف النهائي.

8) الأفكار المبتكرة والخلاقة

على الرغم من أنَّ القادة يعرفون ويتبعون المبادئ التوجيهية بشأن ما نجح من قبل، إلا أنَّ القادة الحكيمين يستخدمون هذا المصطلح عن عمد لتطوير عقلية الابتكار والتفكير الإبداعي، وعلى الرغم من أنَّ الرؤية يمكن أن تكون مجردةً ويصعب تصوُّرها في بعض الأحيان، إلا أنَّ جوهر المهمة التي تلهم الناس يمكن أن يحدد التزاماً أكبر من جميع المعنيين؛ حيث تكمِّل هذه المكونات الثمانية بعضها بعضاً لتشكيل تحالف قوي ومساعدة القائد الحكيم في رحلته نحو الإنجاز والنجاح.

لماذا القيادة الحكيمة هامة؟

قد يبدو السؤال عن سبب أهمية وجود قادة يتمتعون برؤية سؤالاً صعباً، ومن الواضح أنَّنا لسنا بحاجة إلى شرح ذلك، ولكن لماذا تحتاج الأعمال إليها كثيراً، خاصةً في بيئة اليوم؟ هناك العديد من الأسباب، وإليك فقط بعض هذه الأسباب:

1) نحن نعمل في بيئة "التقلب وعدم اليقين والتعقيد والغموض" (VUCA)

نادراً ما نمرُّ بأزمات مثل الجائحة الأخيرة ونخرج سالمين، و"الوضع الطبيعي الجديد" كما يُصنَّف، مليء بالتقلبات التي تحتاج إلى التهدئة، والشكوك التي تحتاج إلى استجابات واثقة، والتعقيدات التي تحتاج إلى تبسيط، والعناصر الغامضة التي تحتاج إلى تقويم، ويمكن للقادة الحكيمين أن يمنحوا الناس الثقة عندما يكون هناك القليل منها فقط، والحرية للتعبير عن أنفسهم حيث قد يكون هناك خوف ومهمة لإلهامهم وقد يكون هناك ارتباك وفوضى، ومهما كانت البيئة التي يجد المجتمع والأعمال التجارية أنفسهم فيها، فإنَّ القائد الحكيم يمنح الناس الأمل والإلهام بأنَّ المستقبل سيكون بالجودة نفسها أو أفضل من ذي قبل.

2) القدرة على رؤية ما وراء الحاضر الضبابي

عندما تحل الأزمات، يكون رد الفعل اللاشعوري هو التمسك والتعامل مع الظروف الحالية والتركيز على البقاء، وما يمكن للقادة الحكيمين أن يفعلوه هو النظر إلى ما وراء المعضلات الحالية، وباستخدام بُعْد النظر والتصور، وتحديد ما يجب أن يكون عليه التركيز على الأمد المتوسط ​​والطويل، فإنَّهم قادرون على تصوُّر مستقبل لا تعوقه الظروف والعقبات الحالية؛ حيث يمكنهم التنبؤ بما يجب أن يكون الهدف النهائي والرحلة التي سيعنيها لهم ولفريقهم، ومن خلال وجود هذه الرؤية، فإنَّها تزيل الضباب وتسمح للآخرين برؤية الهدف النهائي بوضوح ويقين.

3) خلق الثقة في الأتباع والقادة الآخرين على حد سواء

الثقة هي دائماً نتيجة الإجراءات السابقة، وإذا أظهر القائد رؤيةً في الماضي، فإنَّه يحرض فِرقه على بناء الثقة فيهم مرة أخرى في المواقف المستقبلية؛ لذا فكر في القادة الذين ثبت أنَّهم على حق في الماضي، فعندما تتحقق رؤاهم، ماذا يقول الآخرون عن الأفكار المستقبلية؟ تمَّ بناء الثقة وزيادة الثقة في صنع القرار.

4) الحاجة إلى رؤية تساعدنا على تحقيق أمور لم يصل إليها أحد

كيف تشعر إذا كنتَ تعمل مع قائد يتردد أو لا يوحي بالثقة أو يعطي رسائل مختلطة؟ وما هو شعورك إذا كان لدى القائد رسالة ملهمة يمكنك التماهي معها وتزيد التفاعل والحافز؟ سيحتاج الكثير من العقد القادم إلى قادة ملهمين سيدفعون أعمالنا إلى الأمام بأمانة ونزاهة وجدارة بالثقة، فلم يمرُّ أي أحد من هذا الجيل بجائحة من قبل ليستطيع أن يحدد نوع العالم الذي نريده بعدها؛ حيث يخلق القادة الحكماء أنماطاً فكرية في الآخرين تلهم وتسمح ببناء الثقة، ويحتاج كل شخص إلى مسار واضح ليتبعه حتى يتمكن من النمو كموظف أو مدير أو شخص، ويقدِّم لنا القادة الحكماء ذلك وأكثر.

إيجابيات وسلبيات القيادة الحكيمة

الإيجابيات

تتعدد فوائد القيادة الحكيمة؛ حيث إنَّها تدفع أداء الأفراد والفِرق والشركات لبناء أيديولوجيات جديدة في المستقبل، وعندما يتبع الناس رؤيةً تُوصَّل توصيلاً جيداً وملهمة وراقية وقابلة للتحقيق، يميل الناس إلى اتباعها؛ ذلك لأنَّها تساهم في النمو والتنمية من جميع النواحي.

السلبيات

هل هناك عيوب في إظهار القيادة الحكيمة؟ اعتماداً على المواقف التي تواجه القائد، قد تكون هناك قضايا تحتاج إلى معالجة، أليس صحيحاً أنَّ التطلع دائماً إلى رؤية في المستقبل يزيل التركيز عن مشكلات اليوم؟ فربما يصبح القائد نفسه محور الاهتمام؛ مما يجعل أعضاء الفريق يغيب عن بالهم الأهداف الحقيقية من خلال إيلاء الكثير من الاهتمام إلى جاذبية وشخصية القائد الفردي، إذاً دعونا نلخص إيجابيات وسلبيات أسلوب القيادة الحكيمة:

 

إيجابيات القيادية الحكيمة

 

سلبيات القيادة الحكيمة

يمكن أن يكون مصدر إلهام للأشخاص الذين يريدون التطلع إلى الأمام.

 

يمكن عَدُّ القائد مثل "المعلم"؛ حيث تصبح شخصيته أكثر أهميةً من الرؤية.

يمكن أن يعطي الاتصال صورةً واضحة عن مستقبل العمل أو المنظمة.

قد يُسحَب التركيز من التحديات الحالية من أجل التطلع دائماً إلى المستقبل.

يفكرون تفكيراً إبداعياً واستباقياً، وينتجون أفكاراً لم يرها الآخرون من قبل.

يمكن أن تصبح الرؤية شاملةً، تخفي أفكاراً أخرى قد تكون جيدةً أو أفضل.

يمكنهم التأكد من المخاطر والعواقب، قبل اتخاذ القرارات التي من شأنها دفع الناس إلى الأمام.

قد يتلاشى الإلهام الذي أوجدَته الرؤية؛ حيث تأخذ المعضلات الحالية الأسبقية على الرؤى المستقبلية.

إنَّهم يتطلعون للأمام ويركزون على المستقبل، ويبنون الثقة والالتزام من الفِرق التي تولِّد التفكير الإبداعي والتفاعلات الإيجابية.

إذا غادر القائد، فقد تذهب رؤيته معه، خاصةً إذا كانت مرتبطةً بهويته.

من خلال مقارنة الإيجابيات والسلبيات، يمكننا أن نقرر متى يكون من الأفضل تطبيق أساليب القيادة الحكيمة ومتى يمكننا العمل على أساليب أخرى قد تكمل وتضيف إلى فوائد هذا النمط.

القيادة الحكيمة: أمثلة ونماذج يحتذى بها

لا يمكننا فعل شيء أفضل لرؤية إيجابيات القيادة الحكيمة من مناقشة مختلف الأفراد الذين أظهروا هذه السمة والأسلوب في تعاملاتهم التجارية، وهنا، نناقش بعض الذين ترك إرثهم بصمةً واضحة على عالم الأعمال والكوكب ككل.

1) "أندرو كارنيجي" (Andrew Carnegie)

عند وصوله إلى الولايات المتحدة من "اسكتلندا"، بنى "كارنيجي" وجوده في العالم الجديد من خلال الاستثمارات في النفط، والعديد من الاستثمارات الأخرى، ومكَّنَته رؤيته من بناء إمبراطوريات خلقَت الآلاف من الوظائف وبشرَت بعصر جديد من التصنيع، وما زلنا نعيش الكثير منها اليوم، وعندما تقاعد، أمضى الكثير من الأجزاء الأخيرة من حياته في إعطاء ما قد أنشأه سابقاً، فلا تزال المباني موجودة عليها اسمه والعديد من المكتبات الأمريكية تدين ببداياتها إلى أيديولوجياته الخيرية؛ حيث أظهرَت رؤية "كارنيجي" ما الذي يمكن للشخص تحقيقه إذا امتلك القدرة على تحديد كيفية تشكيل المستقبل.

2) "ملالا يوسفزاي" (Malala Yousafzai)

وُضعَت "ملالا يوسفزاي" على قائمة جائزة السلام الدولية للأطفال في عام 2011 بسبب عملها مع الأطفال والدفاع عن حقوقهم في التعليم، وحتى إنَّ تعرُّضها لإطلاق النار عليها من قِبل "طالبان" لم يخنق غرائزها الحكيمة، فحتى اليوم، لا تزال تناضل من أجل حقوق الفتيات في الحصول على تعليم فعال، وفازت بجائزة نوبل للسلام في عام 2014 وموضوع حياتها هو "الدفاع عن حق كل فتاة في 12 عاماً من التعليم المجاني والآمن والجودة"؛ حيث ألهمَت رؤيتها جيلاً لبناء شجاعتهم في مواجهة معارضة كبيرة وتعمل كمثال رائع للقيادة دون أن تكون في منصب قيادي.

3) "ستيف جوبز" (Steve Jobs)

على الرغم من أنَّ الكثيرين سيرون أسلوبه على أنَّه أسلوب عزل الكثير من الناس، فلا شكَّ في أنَّ رؤية "جوبز" خلقَت الكثير مما نستخدمه اليوم في الاتصالات.

إحدى القصص التي تلِّخص رؤيته كانت عندما زار شركة "زيروكس" (Xerox) في أواخر السبعينيات، وعلى الرغم من أنَّ القصة تبيِّن أنَّها خرافة، إلا أنَّ الرؤية التي يمتلكها "جوبز" فيما يتعلق بالحواسيب، والتي طورها وهندسها في الكثير مما نستخدمه اليوم، صحيحة وتشير إلى طريقة واحدة لكيفية عمل تفكيره وهو على تحقيق النتائج التي نستفيد منها اليوم؛ حيث يتضمن بعض التدريب على القيادة اليوم مقارباته المحددة لكيفية إجراء العروض التقديمية وكيف يبني اتصالاته بشكل فعال للتأثير في الآخرين وتحفيزهم.

4) الملك "الاسكندر الأكبر" (Alexander the Great)

لا يكتمل أي كتاب عمل للاستراتيجية العسكرية دون ذكر هذا القائد العظيم، الذي امتدت إمبراطوريته التي تعود إلى القرن الثالث قبل الميلاد من الوسط إلى الشرق الأقصى، وعلى الرغم من وفاته قبل إكماله 40 عاماً، إلا أنَّه حشد الكثير من القيادة الحكيمة في حياته القصيرة لدرجة أنَّ العديد من الكتب لا تنصفه.

كان يُنظَر إلى أعظم سماته على أنَّها رؤيته وقدرته على التكيف تحت الضغط، وقدرته على التدخلات الاستراتيجية، والتفكير في لحظة عندما يكون تحت الضغط، وثباته ومرونته عندما لا تسير الأمور على ما يرام، فلقد خلق العديد من الموروثات للاستراتيجيين العسكريين ليتبعوها، وقيادته الحكيمة هي مجرد طريقة واحدة ألهمَت جحافله وأمته لكسب المعارك التي كان من الممكن أن يخسرها.

5) "إيلون ماسك" (Elon Musk)

يوضح هذا المثال كيف يمكن للقيادة الحكيمة أن تكون مفيدةً للأعمال والعالم ككل، فكان تركيزه الكامل في الحياة - تماماً مثل ستيف جوبز - يتحدى الوضع الراهن، وبناء الأعمال التجارية من مستويات منخفضة ورؤية ما يمكن أن تصبح عليه، فخلال فترة الركود الاقتصادي لعام 2008، واجه "ماسك" معضلة إنقاذ كلا الشركتين الرئيستين اللتين كان يترأسهما؛ حيث كانت كل من شركة "تسلا" (Tesla) وشركة "سبيس إكس" (SpaceX) تواجهان الإغلاق، ولكن شهدَت رؤيته نجاحاً، لذلك خاطر بكل شيء وأنقذ كليهما.

الخلاصة

ما الذي يربط بين هؤلاء القادة أصحاب الرؤية؟ وما هي الأساليب التي اعتمدوها لبناء إرثهم؟ وهل من الممكن للقادة الآخرين أن ينضحوا بالأسلوب الحكيم ذي البصيرة؟ تذكَّر أنَّ هؤلاء القادة ليسوا رجالاً أو نساءً خارقين.

لقد بنوا على نقاط قوَّتهم ليصبحوا قادةً قادوا منظماتهم إلى الأمام نحو رؤية تلهم وتدفع الآخرين لتشكيل تحالف من العظمة.

من خلال العمل على نقاط القوة هذه، يخلق القادة أصحاب الرؤية إرثاً دائماً لأنفسهم وأعمالهم في أثناء عملهم على توفير إمكانات لم تكن موجودةً من قبل، فكن ذلك المحفز للتغيير في عملك.

اتَّبِع أسلوب القيادة ذات الرؤية وحدِّد المواقف التي سيساعد فيها هذا الأسلوب الأشخاص على النمو والتطور، ومن ثمَّ تحقيق الأهداف والغايات التي تُحدِث فارقاً حقيقياً في البيئة التي تعمل فيها.