يُرغِم واقع العمل الجديد العديد من المنظمات على إعادة تقييم نهجها في التدريب؛ إذ لم تعد المناهج المُتعارف عليها مناسبة في الظروف الحالية، وقد حان وقت تعديل استراتيجيات التعلُّم تعديلاً يلائم التغييرات التي نواجهها جميعاً.

ملاحظة:هذا المقال مأخوذ عن الكاتب راندي سابورين (Randy Sabourin) والذي يُحدِّثنا فيه عن ضرورة اتِّباع استراتيجيات تعلُّم جديدة.

لقد دفعتنا أحداث السنة الماضية جميعاً إلى التشكيك في نماذج أعمالنا بدءاً من الأماكن التي نمارس فيها أعمالنا وطريقة إنجاز تلك الأعمال وحتى كيفية مساعدة قادتنا ومديرينا وموظفينا على التكيف مع التغيير مع استمرارهم في أداء أعمالهم.

أحد الدروس التي تعلَّمناها جميعاً من هذا هو أنَّ العديد من نماذج التعلُّم والتطوير القديمة لدينا قد تحطَّمت، وقد حان الوقت للتساؤل عما إذا كنا نريد استعادتها؛ إذ لم يعد مقبولاً التمسُّك بطريقة عمل معينة فقط لأنَّها الطريقة التي اعتدنا استخدامها.

لطالما كان إجراء تغيير دائم (تغيير سلوكي ملحوظ) يُمثِّل تحدياً؛ حيث تتميز برامج الكوتشينغ وتطوير القيادة والمبيعات وخدمة العملاء بانخفاض الاحتفاظ وعائد الاستثمار بسبب استخدام خليط من الأساليب في تقديمها (ورش عمل بأسلوب الفصل الدراسي أو ورش عمل افتراضية)، بالإضافة إلى نقص فرص الممارسة والتعلُّم من الفشل في بيئة آمنة.

إنَّ معدل الاحتفاظ النموذجي بورشة عمل ليوم واحد (شخصياً أو افتراضياً) هو فقط من 12٪ إلى 15٪، وعادةً ما يكون الاحتفاظ أعلى بأسلوب التعلُّم الإلكتروني، ولكن لا توفر أي من الطريقتين فرصة لممارسة المهارات المُكتسبة حديثاً بشكل فعَّال.

يحتاج قادة الأعمال إلى طريقة سريعة ومرنة وذات جدوى اقتصادية وقابلة لقياس عائد الاستثمار لضمان تنفيذ مهمة أو استراتيجية أو عملية جديدة بسرعة وفاعلية، لقد حان الوقت لإعادة تقييم سبب اعتقادنا أنَّ التدريب وفقاً لنمط الفصل الدراسي (شخصياً أو افتراضياً) يُعَدُّ مُجدياً رغم وجود الكثير من الأدلة التي تُثبت عكس ذلك.

المشكلة: الفجوة بين المعرفة والتطبيق

يعرف أي شخص صمم ورشة عمل أو حضر جلسة تدريب مُدرِّبين أنَّه في اليوم الذي يقضيه الدارسون كاملاً في الفصل هناك عادةً حوالي ساعتين من محتوى التعلُّم الفعلي لشرح المفاهيم أو المحتوى فقط للفرد، وما تبقَّى من اليوم عبارة عن أسئلة وتمرينات لإبقاء الأشخاص متفاعلين، وعروض توضيحية للمفاهيم والمحتوى الذي يفهمه نسبة عالية من المشاركين بالفعل.

من واقع تجربتي، يكون المتعلِّم العادي عادةً على دراية بنصف المحتوى الذي يُقدَّم خلال ساعتين؛ لذا فكِّر في تقديم وشرح نموذج الكوتشينغ أو خدمة العملاء؛ فالمفاهيم في حد ذاتها ليست صعبة الفهم.

لا يكمن التحدي في فهم العملية أو المهارات التي تُدرَّس؛ إنَّما في استخدامها في المحادثات الفعلية، وهذا الانتقال من المعرفة إلى المهارة (الفجوة بين المعرفة والتطبيق) هو المكان الذي تنهار فيه عملية التعلُّم والتطوير النموذجية؛ إذ نتوقَّع من مندوب مبيعات أو قائد جديد إتقان نموذج أو عمليات جديدة بعد حضور ورشة عمل تدريبية لبضعة أيام فقط، ونتوقَّع منهما استخدام هذه المهارات الجديدة في المرة القادمة التي يتحدثان فيها مع عميل أو يُقدِّمان الكوتشينغ للموظفين.

إنَّ الاعتقاد بأنَّنا سنُحسِن مهارة جديدة - ناهيك عن إتقانها - من المحاولة الأولى أو الثانية أو حتى العاشرة لا يدعمه أي منطق أو بحث أو تجربة؛ حيث إنَّ اقتصار تنمية المهارات على التدريب في أثناء العمل فقط سيكلِّفنا ثمناً باهظاً؛ فما هو إلا فرضية خاطئة مأخوذة من نموذج مُعدٍّ للمدارس الثانوية والجامعات.

الحل: التمرين

يتعلق تطوير المهارات بالتمرُّن بالطريقة الصحيحة؛ حيث ظهر التمرُّن المدروس كمنهجية من خلال أبحاث أجراها عديدٌ من الباحثين (إريكسون " Ericsson" وآخرون) خلال السنوات العشر الماضية؛ فهو يساعد على تغيير السلوك وزيادة مستويات المهارة قبل أن تمنع الحاجة إلى العمل في العالم الحقيقي من المجازفة، ويشبه استخدام التمرُّن المدروس في ظروف العمل أداء الأدوار مع العديد من التغييرات الهامة.

إنَّ تقديم التغذية الراجعة مباشرةً والكوتشينغ من أحد الخبراء، يُتيح للمشاركين فهم أهمية وجودك في المحادثة معهم، ويُقدِّم أمثلة واضحة وعملية عن كيفية تطبيق المعرفة المُكتسبة في أثناء عملية نقل المعرفة (ورش العمل، التعلُّم الإلكتروني)، كما أنَّ التمرُّن مع كوتش يؤدي دور الخبير يخلق بيئة آمنة ومنتجة، على عكس التمرُّن مع أقرانك الذين تعلَّموا جميعاً للتو المحتوى في ورشة العمل، أو التمرُّن مع رئيسك في العمل.

بالنسبة إلى جلسات التمرُّن المدروسة الخاصة بنا، نُصمِّم العديد من السيناريوهات التي تعكس المواقف التي تحدث في عالم الواقع، ونقدِّم محادثات محاكاة وتغذية راجعة من خلال تجارب صغيرة (30 إلى 45 دقيقة لكل منها).

نُنشئ أيضاً لحظات تمرُّن للسماح للمتعلِّمين بتطبيق التغذية الراجعة على الفور والشعور بالفرق بعد استخدام المهارات المُصحَّحة، ونُجري جلسات التمرُّن لدينا عن بعد عبر الفيديو أو الهاتف، ثم نُقدِّم البيانات من كل سيناريو وكل مهارة وكل مشارك إلى المنظمة في مجموعات (على سبيل المثال البيانات التي جمعناها من 10000 جلسة تمرُّن في 2018).

إنَّ خط المقاومة الأخير الناجم عن الانتقال من أسلوب تعليمي واحد يناسب الجميع إلى أسلوب تعليمي فردي والتمرُّن القائم على السيناريو هو التكلفة المفترضة، في الواقع، تكلفة إدارة ورش العمل أعلى بكثير من التعلُّم والتمرُّن الفرديين لعدة أسباب: السفر، والإقامة، والوجبات، والوقت خارج المكتب، وتكاليف الفرص الضائعة.

عندما تضع في حسبانك أنَّ نسبة عالية جداً من المتعلِّمين لديك لا يستخدمون المهارات التي علَّمتهم إياها دون ممارسة؛ حينها يصبح التحول سهلاً، كما يمكننا الآن أن نضيف أنَّ واقعنا الجديد لا يشجِّع على سفر مجموعات من الناس لحضور ورش العمل؛ إذ يمكن استخدام حل تمرُّن مدروس لآلاف المتعلِّمين خلال أسبوع أو أسبوعين.

ستكون سرعتنا في التكيُّف وقياس أداء القوى العاملة الضخمة التي تعمل عن بعد الآن ميزة تنافسية كبيرة في العالم الجديد الذي نواجهه، فنحن لدينا الآن فرصة للتشكيك في نموذج التعلُّم الحالي، ويمكننا من خلال الاستفادة من منهجية التمرُّن المدروس مساعدة مؤسساتنا على التكيُّف مع التغيير بسرعة.