غالباً ما يتلقَّى المتخصِّصون في مجال التعلُّم والتطوير (L&D) طلبات التدريب، ولكن ماذا إن تعذَّر حل المشكلة من خلال إنشاء دورة تدريبية؟

ملاحظة: هذه المقالة مأخوذة عن أخصائية التعلُّم عبر الإنترنت هاري كاندي (Harri Candy)، والتي تُحدِّثنا فيها عن تجربتها في الاستجابة لطلبات التدريب.

غالباً ما يتلقَّى المتخصِّصون في مجال التعلُّم والتطوير (L&D) طلبات التدريب، ولكن ماذا إن تعذَّر حل المشكلة من خلال إنشاء دورة تدريبية؟

هل سبق أن تلقَّيت طلب تدريب غريب للغاية؟ أمرٌ لم تتخيل أبداً أنَّ عليك إخبار الناس عنه؟ وهل تقبل الطلب وتُنشِئ برنامجاً تدريبياً جديداً؛ أم تلعب دور المُحقِّق وتتحرى الأمر؟

إن واجهت موقفاً بدا الناس فيه وكأنَّهم يتقصَّدون مخالفة القواعد، ويتصرفون بغرابة وعِناد، فعليك أن تتساءل عن السبب.

لقد كنت أعمل مع عميل تصنيع كان يلاحظ ارتفاعاً في عدد الأشخاص الذين لا يتَّبعون بروتوكول السلامة الخاصة بصيانة الآلات، والذي أدى بدوره إلى زيادة تعرُّض العاملين لإصابات بليغة. لقد كانت الإصابات تحدث حينما يُدخِل المرء ذراعه في آلة متحركة؛ فتعلق داخلها دون أن تتوقف الآلة.

لقد كان تدريب الكبار على عدم إدخال أجزاء من أجسادهم في الآلات أمراً يثير الريبة؛ لذا قررتُ أن  ألعب دور المحقق، وأتحرى الأمر من خلال اتباع الخطوات الآتية:

1. اكتشاف الإجراءات المتَّبعة بالفعل:

كنتُ في حاجة إلى معرفة الأساليب التي حاول العميل اتباعها لإبلاغ فريق العمل بتوجيهات السلامة؛ وإليك أول حديث دار بيني وبينه:

أنا: ما هي الإجراءات التي تتَّبعونها لمساعدة الناس على فهم مخاطر الآلات التي يعملون عليها؟

العميل: نمتلك حزمةً تعريفيةً عامةً بالآلات، كما يقضي المشرف على الموقع وقتاً مع كل عامل حتى يشرح آلية العمل على آلات محددة.

أنا: إذاً، هل يعرفون أنَّ الآلات خطيرة؟

العميل: نعم.

أنا: هل تم إخبارهم بكيفية استخدامها بأمان، وما يمكن أن يحدث إن لم يفعلوا ذلك؟

العميل: نعم.

أنا: وهل يصدِّقون العواقب والإصابات المحتملة التي قد يتعرَّضون لها؟

العميل: نعم؛ ولسوء الحظ حدثت حالة وفاة منذ عامين شهدها عدد من فريق العمل الذين ما زالوا يعملون هناك، كما شاهد الفريق حادث الأسبوع الماضي.

تحقَّقتُ بعدها من ذلك الحادث، ووجدتُ أنَّ ذراع أحد العمال علقت في جزء يدور من آلة في أثناء محاولة إعادة ضبط حزام فيها؛ وبينما كنت أطَّلع على مزيد من التقارير المتعلقة بالحوادث الخطيرة، لاحظتُ أنَّ العميل كان محقَّاً تماماً؛ فقد كان الناس يتقصَّدون البحث عن سبل لمخالفة إجراءات السلامة.

على سبيل المثال، أُصيب أحد العمال حين قفز على حاجز ليمشي عبر رصيف يُستخدم في قطع المعادن؛ ولو أنَّه فتح البوابة قبل أن يمشي عبرها، لفُعِّل الإيقاف التلقائي، ولما قضى شهوراً في العلاج الفيزيائي للتعافي من التلف الشديد الذي أصاب عضلاته.

يكمن سببٌ ما وراء تصرف الناس بهذه الطريقة؛ لذا كان الحل في العثور على ذلك السبب، إلَّا أنَّ الأمر قد كان صعباً للغاية.

كان العميل مقتنعاً بأنَّ أفضل حل هو إنشاء سلسلة من الدورات التدريبية عبر الإنترنت، مصمَّمة خصيصاً لكل موقع من مواقع التصنيع، وشرح المخاطر المحددة التي قد يواجهونها وكيفية تجنبها؛ لكن وبما أنَّهم كانوا يجرون أنشطةً تدريبيةً وتأهيليةً توضِّح المخاطر بكل دقة، فما الفائدة من جولة أخرى من التدريب؟

2. اكتشاف آراء فريق العمل:

غالباً ما يكون لدى الإدارة فكرة واحدة عما يحدث، في حين أنَّ الفريق الموجود في ميدان العمل يمتلك - في كثير من الأحيان - وجهة نظر مختلفة حول المسألة.

لقد تحدَّثتُ إلى مجموعة من الأشخاص الذين يعملون في مناطق مختلفة من موقع التصنيع لمعرفة رأيهم في الموضوع؛ حيث دائماً ما أنطلق من وجهة نظر مفادها أنَّ الناس يرغبون الشعور بالأمان والسعادة في العمل؛ الأمر الذي يساعد في إجراء حديث بنَّاء، وتجنب إلقاء اللوم على أحد.

أخبرني معظم الأشخاص الذين تحدَّثتُ إليهم القصة ذاتها: مزيج من تدابير خفض التكاليف، وعدم إعادة توظيف أُناس في شواغر متاحة، وزيادة الطلب التي أدت إلى ازدياد عبء العمل عاماً بعد عام؛ حيث أخبروني ببساطة أنَّه لم يكن لديهم وقتٌ لاتباع إجراءات السلامة.

3. التحقُّق من صحة النتائج التي توصَّلتَ إليها:

من الهام أن تدرك أنَّه حين تتحدث إلى مجموعة موظفين لا يشعرون بالرضا عن جانب من جوانب عملهم، فقد يبالغون في سرد الحقيقة؛ لذا من الضروري أن تتحقَّق من صحة نتائجك وأن تستقصي الحقائق.

بدأتُ أطرح كثيراً من الأسئلة على كلٍّ من العميل وفريق العمل:

  • على أي أساس تُقيَّم الفِرَق؟ وما هو مقياس نجاحهم؟
  • ماذا يحدث إن لم تُنجَز المهام في الوقت المحدد؟
  • ما هي المكافأة التي تُمنَح حينما تُنجَز مهمة في الوقت المحدد، أو يتفوق الأداء على مقياس النجاح؟

وإليك ما اكتشفته:

  • يُقاس النجاح وفقاً لعدد المهام التي تُنجَز يومياً.
  • إن لم تُنجَز المهام في الوقت المحدد، ينبغي أن يبقى العمال حتى تنتهي دون منح أجر إضافي.
  • تُمنَح مكافآت فردية مقابل العمل الإضافي الذي يُنجز في اليوم.

وفجأةً اتضح كل شيء أمامي؛ فقد كان الفريق يتخذ قرارات محسوبة بشأن توقيت تجاهل إجراءات السلامة؛ حيث كانوا يوازنون فرص تعرضهم للأذى، مع فرص عودتهم إلى المنزل في الوقت المحدد، والحصول على مكافأة في ذلك الأسبوع.

فكِّر كم مرةً أعاد فيها ذلك الرجل ضبط الحزام بنجاح قبل أن يرتكب خطأ؛ هذا يعادل مئات الدقائق أو الساعات يوفِّرها على نفسه، وعديد من الأيام يعود بها إلى المنزل في الوقت المحدد؛ لذا لن يغيِّر أي قدر من التدريب هذا السلوك.

بكل بساطة، لم تكن مقاييس النجاح التي حددتها الإدارة تأخذ في الحسبان المدة المطلوبة لإنجاز جميع المهام بأمان.

4. تقديم النتائج التي توصلت إليها للعميل:

لقد وضَّحتُ النتائج التي توصلت إليها للعميل، وقد صُدم بها للغاية؛ حيث لم يقصدوا خلق بيئة عمل كهذه، بل كان مجرد أمر حدث سهواً مع مرور الوقت.

لقد عدَّلوا مقاييس نجاحهم على الفور، بحيث خصصوا وقتاً تتوقف فيه الآلات عن العمل، وابتكروا لقب "بطل السلامة" ضمن موقع العمل، كمحاولة لمواجهة سوء اتباع إجراءات السلامة الذي طال أمده.

ومع غياب المكافآت الإضافية التي تُمنَح عند تجاهل إجراءات السلامة، وعدم وجود جانب سلبي لاحترامها، انخفض عدد الحوادث.

قد لا يكون التدريب هو الحل أحياناً؛ فإذا واجهت موقفاً يبدو الناس فيه وكأنَّهم يتقصَّدون مخالفة القواعد، أو التصرف بغرابة وعناد، عليك أن تتساءل عن السبب؛ حيث تكمن القيمة التي تمنحها لعملائك أو فريقك في استكشاف السبب الأساسي الذي يدفعهم إلى التصرف بطريقة معينة، ومساعدتهم على استكشاف حلول بديلة.