أظهرت الدراسات أنَّ المتعلِّمين الذين يتمتعون برؤية إيجابية يتذكرون معلومات أكثر؛ فكيف يمكنك أن تحرص على أن تبدأ جلستك التدريبية بأسلوب ملؤه التفاؤل والتشجيع؟

ملاحظة:هذه المقالة مأخوذة عن الباحثة، وأستاذة إدارة الأعمال أماندا نايمون بيترز (Amanda Nimon-Peters)، والتي تحدِّثنا فيها عن تجربتها في تعزيز سعادة المتعلِّمين.

لقد أدركتُ للمرة الأولى في صيف عام 2020 - كأستاذة في إدارة الأعمال - أنَّ اهتمامي الرئيس هو كيفية تحقيق التوازن بين حاجة المشاركين إلى مواجهة التحديات، وربما حاجتهم الأكبر إلى عيش حياة طبيعية وإيجابية.

تُعَد مسألة الروح الإيجابية مسألة هامة وضرورية بالنسبة لأي شخص يعمل في مجال التدريب أو التعليم؛ لأنَّ الأبحاث تُشير إلى أنَّ المشاعر الإيجابية تلعب دوراً هاماً في التعلُّم والتذكر، وأنَّه يمكن إثارة المشاعر السلبية في أثناء التعلُّم والتطوير بطرائق غير متوقعة.

دور العواطف في الاحتفاظ بالمعلومات وتذكُّرها:

منذ فترة ليست بالبعيدة، أجريتُ أنا وزملائي تجربةً لبحث تأثير أساليب التعليم في قدرة المشاركين على التعلُّم وتذكَّر المعلومات. لقد قُسِّمت مجموعة كبيرة من طلاب الماجستير الذين قَدِموا من أكثر من 30 دولة مختلفة، إلى مجموعتين في فصل دراسي تُعطى فيه مادتان؛ حيث تلقَّت المجموعة "أ" المادة الأولى بطريقة حيوية ملؤها الطاقة، فأظهر المدرِّس شغفه بالموضوع، وشجَّع الطلاب على المشاركة بطريقة تفاعلية ومحفِّزة، ثم تمَّ بعد ذلك تدريس المادة الثانية بأسلوب رتيب وممل عَرض فيه المدرِّس الشرائح مع استخدام لغة جسد محايدة.

على الجانب الآخر، تلقَّت المجموعة "ب" نفس المادتين بالترتيب ذاته، ولكن عُكِسَت طرائق التدريس؛ حيث أُجريَ تدريس المادة الأولى بطريقة رتيبة، والثانية بطريقة تفاعلية.

لقد قيَّمنا الحالة العاطفية لكل مجموعة من الطلاب بعد نهاية كل مادة، وخضع الطلاب بعد يومين لاختبار مفاجئ في كل مادة.

لقد توقَّعنا أن تكون طريقة التدريس التفاعلية مرتبطة بكلٍّ من المشاعر الإيجابية وتحسُّن الأداء في الاختبار؛ وبالتالي توقَّعنا أن تحقِّق المجموعة "أ" نتائج أفضل في المادة الأولى وفقاً لهذه المقاييس، وأن تحقِّق المجموعة "ب" نتائج أفضل في المادة الثانية، وفقاً للمقاييس ذاتها.

ولكنَّنا كنا مخطئين؛ حيث استنتجنا بدلاً من ذلك أنَّ المجموعة "أ" حقَّقت نتائج ملحوظة أعلى في إطار الإيجابية من المجموعة "ب"، بغض النظر عن المادة أو أسلوب التدريس.؛ إضافةً إلى ذلك، أشارت درجات اختبار المجموعة "أ" إلى تحسُّن ملحوظ في تعلَّم وتذكُّر المعلومات في كلا المادتين مقارنةً بطلاب المجموعة "ب"، وذلك وفقاً لدرجة عالية من الحقائق الإحصائية المؤكَّدة.

ورغم أنَّ استنتاجاتنا تتوافق ونتائج عديد من الدراسات الأخرى التي تُبيِّن أنَّ الحالة العاطفية الإيجابية تعزِّز التعلُّم والتذكُّر، إلَّا أنَّنا فوجِئنا بمدى مرونة الحالة العاطفية الإيجابية للطلاب بمجرد بنائها، وصعوبة عكس الحالة الأقل إيجابية بمجرد تشكُّلها.

تدوم المشاعر الإيجابية، في حين يصعب تغيير المشاعر السلبية:

قد يكون السؤال الذي ينبغي أن نُمعن التفكير فيه هو إذا كان تغيير بسيط في توقعات المجموعة "ب" هو ما حفَّز حالتهم المزاجية السلبية.

ولأسباب لوجستية، طُلب من المجموعة "ب" التأخر مدة 30 دقيقة عن الموعد الذي كان متوقعاً لبدء محاضرتهم، في حين بدأت المجموعة "أ" محاضرتها في الوقت المحدد.

لقد أُبلِغت كلتا المجموعتين مسبقاً بأنَّهم كانوا يشاركون في تجربة، لذا فإنَّ أي حالة شك ناتجة عن هذا الشرط ينبغي أن يكون أثرها متساوياً بين المجموعتين.

قد يكون العامل الذي سبَّب المزاج السلبي للمجموعة "ب" هو الانتظار مدة 30 دقيقة، أو طريقة التدريس الرتيبة التي قُدِّمت إليهم بداية المحاضرة، أو مزيج من كِلا العاملَين؛ والذي استمر بعد ذلك مدة ثلاث ساعات كاملة من المحاضرة، وأثَّر سلباً في عملية تعلُّم وتذكُّر المعلومات التي أخذوها في المادتين، ولم يتغير ذلك التأثير حتى بعد اتباع طريقة تدريس تفاعلية في منتصف المحاضرة.

كيف يمكننا تعزيز المشاعر الإيجابية التي تنتاب المتعلِّمين؟

في ظل الظروف الحالية التي نشهدها، من المحتمل أن تفوق الفوائد الإيجابية التي تعود على المتعلمين من خلال المشاركة في برنامج تدريبي حالة الانعزال والضياع التي يشهدها كثير من الناس منذ اندلاع جائحة كورونا. ومع ذلك، يمكننا تعزيز المشاعر الإيجابية التي يحس بها المشاركون إذا خططنا لذلك بعناية.

غالباً ما تجد في أيَّة دورة أو فصل دراسي أشخاصاً يعتريهم القلق، حينما يقارنون أداءهم بأداء من حولهم، وقد يتفاقم ذلك القلق بسبب حاجتهم إلى ارتداء الكمامات، أو شعورهم بالانعزال عندما يرون المشاركين مجتمعين معاً، بينما تقتصر مشاركتهم عبر الإنترنت؛ حيث تؤدي هذه المشاعر السلبية إلى إعاقة عملية تعلُّم وتذكُّر المعلومات.

هذا يعني أنَّ الحالة العاطفية للمشاركين تُعَد من العوامل التي ينبغي أن يأخذها المعلمون والمدربون في الحسبان في ظل هذه الأوقات المتقلِّبة، وأكثر من أي وقت مضى.

يمكنك أن تتخذ الخطوات التالية قبل تقديم التدريب لتحسين مشاعر المتعلم الإيجابية:

1.  التفكير في كيفية تعزيز المشاعر الإيجابية خلال أول 30 إلى 60 دقيقة من الدورة التدريبية:

تدوم المشاعر الإيجابية حينما تنشرها منذ بداية الدورة التدريبية؛ إذ يبدأ كثير من المدربين موادهم بتوجيه انتباه المشاركين للقواعد التي عليهم اتباعها، وهي طريقة مملة لتفتتح الدورة بها. يمكنك أن تطلعهم على القواعد بعد انتهاء أول استراحة، وخطِّط بدلاً من ذلك، على أن تبدأ محاضرتك بطرح أفكار وتقديم تمارين من شأنها أن تجذب تفاعل الحضور.

2.  تصميم تمرين موجز -قبل بدء التدريب- يضمن جذب تفاعل المشاركين منذ الوهلة الأولى، لتعزِّز مشاركتهم خلال الجلسة، والعمل ضمن فريقك:

تشمل الأمثلة على ذلك مطالبة المشاركين بتقديم إجاباتهم عن ثلاثة أسئلة مسبقاً. على سبيل المثال: يمكنك أن تطلب منهم مشاركة سِمة فريدة يتمتعون بها، أو هدف رئيس واحد يتوقعون تحقيقه خلال الدورة، أو مقطوعة موسيقية واحدة قد يرغبون بإحضارها معهم إلى جزيرة معزولة.

حينما تمتلك معلومات عن المشاركين قبل بدء الدورة، يمكنك أن تخطِّط لذكر أسمائهم، وبعض إجاباتهم في أثناء تقديم الدورة؛ حيث سيؤدي ذلك إلى اندماج المشاركين عندما يسمعون أسماءهم تُذكَر بصوت عالٍ، أو يرون مخططاً تُعرَض فيه الموسيقى التي اختاروها. إضافةً إلى ذلك، يمكنك أن تطلب إليهم المشاركة من خلال شرح الأسباب الكامنة وراء إجاباتهم (مثل سبب اختيارهم نوع الموسيقى) للمجموعة.

3. الإلمام الشامل بالتكنولوجيا التي من شأنها أن تسهِّل عملية التعلُّم عبر الإنترنت:

هذا يعني أنَّك لن تضطر إلى إهمال مجموعة من المشاركين على حساب مجموعة أخرى.

على سبيل المثال، لن تضطر إلى إخبار المشاركين عبر الإنترنت بأنَّه سيتعين عليك التواصل معهم فيما بعد، لأنَّ ذلك قد يشعرهم بأنَّهم أقل أهميةً من غيرهم.

كلما شعر المشاركون بسعادة أكبر، سيتمكنون من التعلُّم أكثر؛ لذا تذكَّر أنَّ بداية الدورة التدريبية التي تقدِّمها، هي التي تؤثِّر في تكوين الحالة العاطفية الإيجابية للمشاركين.