يختلف كل إنسان عن الآخر، وهذه الحقيقة يجب أن تكون المنطلق الأساسي لكل متخصص في مجال التعلم والتطوير عند تقديم أي برنامج تدريبي. فرغم سعي كثيرٍ من المؤسسات جاهدةً لجعل برامجها التدريبية شاملة ثقافياً، إلا أنَّ هناك فئة أخرى تستحق القدر نفسه من الاهتمام، وهي فئة الأفراد ذوي الاحتياجات العصبية الخاصة.

لا يختلف التنوع في الأنماط العصبية داخل بيئة العمل كثيراً عن التنوع في الجنسيات والثقافات، فنحن نُدرك جميعاً وجود اختلافات في أساليب التواصل الاجتماعي بين الثقافات، ناهيك عن اختلاف اللغات واللهجات.

من هنا، يصبح من الضروري مراعاة الفروق الفردية والاحتياجات الخاصة، لا سيما لمن يحتاجون إلى تعديلات محددة، مثل اختيار نوع خط مناسب، وألوان مريحة للنظر، أو استخدام لغة بسيطة وواضحة. وينبغي أن تُدرج هذه التعديلات كجزء طبيعي من تصميم أي تدريب، لأنَّ هناك كثيرين ممن قد لا يفصحون عن الصعوبات التي تعترضهم.

وهناك مجالات معينة يمكن أن يظهر فيها "عدم التوافق" بسبب اختلافات في الثقافة أو الجنسية أو النمط العصبي، ومن الهام أن يكون القائمون على التدريب والموارد البشرية واعين بها. وأبرز هذه المجالات:

التواصل

يميل بعض الأشخاص إلى الإكثار من الحديث، في حين يفضل آخرون الإيجاز (وهذا يتفاوت بين الثقافات، كالفرق بين الغرب والشرق)، كما أنَّ المواضيع التي تهم كل فرد تختلف من ثقافة لأخرى. كذلك، يختلف أسلوب التواصل البصري أو النظر إلى الآخر بين الثقافات، فبينما يُعَد التواصل البصري المباشر ضرورياً في بعض الثقافات، يُنظر إليه في ثقافات أخرى على أنَّه تطفّل أو تجاوز للحدود.

كما أنَّ الصراحة الزائدة في الحديث - رغم أنَّها مرغوبة في بعض الثقافات مثل الدول الإسكندنافية - قد تُفهم في ثقافات أخرى على أنَّها وقاحة، مثل الحال في الثقافة البريطانية التي تميل إلى التلميح بدلاً من التصريح.

المهارات التنفيذية

مثل تحديد الأهداف، وإدارة الوقت، والالتزام بالمواعيد. تختلف هذه المهارات من شخص لآخر، ومن ثقافة لأخرى. فقد لا يكون هناك فارق كبير بين الأنماط العصبية في هذا الجانب، لكنَّ الفروقات الثقافية واضحة.

على سبيل المثال، يُعد التأخر عن الاجتماعات في الدول الإسكندنافية أمراً غير مقبول على الإطلاق، بينما قد يكون مقبولاً نسبياً في دول أوروبية أخرى. كما أنَّ بعض الأنماط العصبية قد تواجه صعوبة في تنظيم الوقت أو الالتزام بالخطط، وهذه تحديات يجب أن يُراعى وجودها عند إعداد التدريب.

كيف نجعل التدريب شاملاً

ولذلك، من الضروري أن تكون أهداف التدريب ومبرراته واضحة منذ البداية للجميع.

الأشخاص المتنوعون عصبياً غالباً ما تكون لديهم حساسية أعلى تجاه المثيرات الحسية، فيشعرون بالضيق من الإضاءة القوية، أو الروائح النفاذة، أو الضوضاء، أو الاقتراب المفرط من المساحة الشخصية. قد تبدو هذه الأمور بسيطةً للبعض، لكنَّها مزعجة جداً لهذه الفئة.

صعوبات فهم السياق

قد يواجه المتنوعون عصبياً صعوبةً في فهم بعض التعبيرات السياقية، مثل النكات أو السخرية أو التلميحات المحلية. لذلك، يُفضل أن تكون بيئة التدريب خالية من السخرية التي قد تُفهم فهماً خاطئاً، كما يُستحسن الحدّ من استخدام النكات، لأنَّها قد تُستغل للتنمر أو التمييز تحت غطاء الدعابة. ما نحتاج إليه هو أساليب تعليمية واضحة وشاملة تسهّل على الجميع الفهم والتفاعل.

يواجه كثيرٌ من الأشخاص المتنوعين عصبياً صعوبات في طلب المساعدة، أو التحدث عن احتياجاتهم، أو حماية أنفسهم من الاستغلال، أو حتى إدراك الإشارات التحذيرية في محيط العمل. ويجب أن تُؤخذ هذه التحديات بجدية عند تصميم البرامج التدريبية.

يميل الأشخاص المتنوعون عصبياً إلى امتلاك نطاق حسي أوسع وأدق في رصد ما يسبب إزعاجاً للحواس البشرية، مثل الإضاءة القوية، أو الروائح الكريهة، أو الأصوات المزعجة، أو الاقتراب الزائد من المساحة الشخصية. ونظراً لأنَّ لديهم حساسية أعلى، فهم يشعرون بتأثير هذه العوامل أسرع من غيرهم؛ لذا، يمكن الاستفادة من ملاحظاتهم لتحسين بيئة التعلم للجميع.

غالباً ما يسعى الأشخاص المتنوعون عصبياً إلى تحفيز معين ينظم استجابتهم الجسدية والعاطفية للمثيرات الحسية. هذا التحفيز قد يكون مهدّئاً لمن هم شديدو الحساسية، أو منشّطاً لمن يحتاج إلى مزيد من التنبيه الحسي لتحسين التركيز والتعلّم.

من المؤشرات التي تدل على أنَّ شخصاً ما يبحث عن هذا النوع من التحفيز:

  • الجلوس بطريقة يثني فيها ركبتيه أسفل جسده.
  • الإمساك بالأشياء بقوة زائدة، كالإمساك بالقلم.
  • عض أشياء أو أعضاء الجسم، مثل عضّ القلم أو الأظافر.

يمكن تعزيز التعلّم بتوفير أنشطة تحفز هذه الحواس، كإتاحة كرات الضغط (stress balls) للجميع خلال التدريب.

تُعد الراحة عنصراً أساسياً في أي تدريب ناجح؛ لذا، يُنصَح بمنح المشاركين فرصة للخروج لبضع دقائق، أو أداء بعض الحركات البسيطة، بهدف تحسين التركيز وتخفيف التوتر. حتى دقيقة أو دقيقتان من التمرينات البسيطة قد تصنع فرقاً في مزاج المتدرب وانتباهه.

في الختام

يجب أن تُبنى البرامج التدريبية على أسس تضمن شمول الجميع، واحترام اختلافاتهم، والاستفادة من تنوعهم. تطبيق هذه المبادئ لا يعود بالنفع على المتنوعين عصبياً فقط، بل على جميع الموظفين، لأنَّه يسهم في خلق بيئة تعليمية عادلة، ومحفّزة، وفعالة.