يواجه قادة التعليم والتطوير خيارات مثيرة للاهتمام هذا العام، فمن ناحية، أصبحت العديد من المؤسسات تُدرك إدراكاً أكبر فوائد التعليم المستمر، لا سيَّما بالنظر إلى التحولات الأخيرة في القوى العاملة والأتمتة.

ومن ناحية أخرى، دفع عدم الاستقرار الاقتصادي العديد من قادة الأعمال إلى ترشيد النفقات وإعادة النظر في أفضل السبل لإنفاق مواردهم؛ حيث يُمثِّل هذا الموقف تحدياً وفرصة لقادة التعليم؛ إذ يتعين عليهم تحقيق مزيدٍ من الإنجازات بموارد أقل، لكن في إمكانهم أيضاً إثبات تأثير التعليم تأثيراً قاطعاً في أرباح المؤسسات؛ لذا إليك بعض الخطوات التي يجب القيام بها لتحقيق جدوى اقتصادية من التعليم والتطوير:

تعزيز المهارات

في عام 2020، خُفِّضت الميزانيات في جميع المجالات؛ إذ وفقاً لمؤسسة غارتنر (Gartner) انخفضت الميزانيات المخصصة للموارد البشرية بنسبة 5% أو أكثر وسطيَّاً، إضافةً إلى ذلك تتوقَّع "غارتنر" انخفاضاً إضافياً بمقدار 0.6% إلى 1.6% في ميزانيات الموارد البشرية والتعليم في عام 2021.

وفي الوقت نفسه، زاد الطلب على المهارات الجديدة؛ حيث صرَّح ستة من كل 10 موظفين وقادة بأنَّ الوباء زاد من حاجتهم إلى بناء مهارات جديدة، وفي هذه الأثناء، قال 55% من العمال الأوروبيين إنَّ مهام عملهم قد تغيرت بسبب الوباء والإغلاق العالمي، وقال 26% أيضاً إنَّ المهارات التي يحتاجون إليها لوظائفهم ستكون مختلفة دائماً نتيجة الوباء.

بينما تُخفِّض بعض المنظمات استثماراتها في تعزيز المهارات، تُضاعف مؤسسات أخرى استثماراتها؛ إذ سرعان ما وجَّهت هذه الشركات التي تهتم بالمستقبل موارد التعليم في العام الماضي للتعرف إلى المهارات الجديدة المطلوبة، مثل تعلُّم كيفية العمل عن بُعد وإدارة الفِرق الافتراضية، والحفاظ على التحفيز والرفاهية في الظروف الصعبة.

كما يوضِّح غوفيند سرينيفاسا (Govind Srinivasa)، قائد البحث والتطوير العالمي في شركة كونديونت (Conduent): "لقد وجَّهنا انتباهنا سريعاً نحو إنشاء محتوى تعليمي في وقت قصير جداً، وبدأنا بنشر هذا المحتوى للموظفين، مثل الصحة والسلامة، والعمل عن بُعد، واستمرارية العمل، والقيادة في زمن الأزمات، والحفاظ على التوازن العقلي".

إدراك أهمية بيانات المهارات

المفتاح لمعرفة ما يجب تخفيضه، وما يجب التركيز عليه، والموارد التي يجب تخصيصها، هو فهم ما يحتاجه المتعلمون؛ لذا عليك أن تعرف المهارات التي تحتاج إليها مؤسستك للنجاح في عام 2021، وأن تعرف أيضاً إن كانت هذه المهارات تتوافق مع تطلعات موظفيك؛ ويمكنك الإجابة عن هذه التساؤلات (والمزيد) من خلال خوض بيانات المهارات.

في الواقع، من المعروف أنَّ اتباع نهج يعتمد على البيانات يؤدي إلى توفير التكاليف وعوائد الإنتاجية في مجالات أخرى من العمل، فقد وجد باحثو شركة ديلويت (Deloitte) في عام 2019 أنَّ "المنظمات التي تكون ثقافاتها موجَّهةً إلى الرؤى واتخاذ القرارات المستندة إلى البيانات" من المرجح أن تتجاوز أهداف المنظمة بمقدار الضعف، وكذلك تؤدي دراسة بيانات المهارات إلى المبادرة بالتحرك، ومن ثم تحقيق النتائج المرجوة للمنظمة.

تعريف بيانات المهارات

باختصار، بيانات المهارات هي قياس قدرة موظفيك على تنفيذ المهام، ويمكن قياس ذلك من خلال مصادر عدة، من بينها:

  • مساهمة مباشرة من موظف يُخبرك عن مهاراته.
  • السِّيَر الذاتية وأنظمة الموارد البشرية والتوظيف.
  • المصادر الخارجية، مثل وسائل التواصل الاجتماعي.
  • التغذية الراجعة التي يُقدِّمها المدير ومراجعات الأقران والمراجعات الذاتية وشهادات المهارات.
  • الاعتمادات والدرجات العلمية.
  • أنشطة التعلُّم (الدورات التي أكملها الموظفون والمحتوى الذي يتعلَّمونه).
  • معلومات عن الأهداف المهنية الشخصية.

جعل البيانات قابلة للتنفيذ

هذه القائمة واسعة؛ لذلك يجب القيام ببعض الأعمال الأساسية لتعزيز هذه المصادر وجعل البيانات قابلة للتنفيذ، وإلى جانب تنظيف جميع البيانات ومعالجتها وتخزينها وتحليلها؛ من الجيد التركيز على إنشاء نظام بيئي ذكي متكامل يمكنه الوصول إلى البيانات الواردة من مصادر مختلفة وإثرائها.

العائد من استخدام بيانات المهارات كبير جداً، فهو المصدر الوحيد الحقيقي الذي يُعبِّر عن مهارة مؤسستك؛ إذ ستكون قادراً على رؤية نقاط قوَّتك وعوامل التميز التنافسية بالإضافة إلى مجالات التحسين.

بالتفصيل الدقيق، يمكنك تحديد المجال الذي يجب أن تُركِّز عليه استراتيجية تحسين المهارات لمدة 12 أو 18 شهراً القادمة، ومعرفة كيف يُضيف التعليم قيمة ملموسة إلى أرباح المؤسسة، ستمنعك أيضاً الأفكار التي ستتوصَّل إليها عن طريق بيانات المهارات من إغفال المهارات الأساسية اللازمة لتحقيق استراتيجية عملك على الأمد المتوسط أو الطويل.

هناك جانب آخر يجب مراعاته أيضاً، وهو كيف يتعلَّم الناس؛ حيث ستساعدك بيانات التعلُّم على تخصيص المحتوى وفقاً للتفضيلات الفردية، وقد تكتشف الموارد التي لا تستفيد منها استفادةً كاملةً، على سبيل المثال، قد تكتشف أنَّ الموظفين يتفاعلون تفاعلاً أكبر مع المدونات ومحتوى الفيديو أكثر من جلسات التدريب بقيادة مدرِّب؛ حيث تُتيح لك معرفة هذه المعلومات تركيز المزيد من الموارد على الصيغ التي يستحسنها موظفوك، وبذلك قد يتفاعلون مع التعلُّم أكثر، ويُحقِّقون عائد استثمار أعلى.

بناء ثقافة قائمة على البيانات

بمجرد البدء باستخدام نهج قائم على البيانات، ستجد أنَّه من السهل نسبياً تحديث خططك بناءً على البيانات المتاحة لديك.

تتغير احتياجات تحسين المهارات باستمرار، لا سيَّما الآن؛ حيث لا تزال الأسواق والشركات في حالة تغيير مستمر، كما ستتغير المهارات المطلوبة في دور ما بسرعة اعتماداً على احتياجات فريقك ومنتجاتك وخدماتك وضغوطات السوق وظروف الاقتصاد الكلي؛ لذا سيساعدك اتباع نهج قائم على البيانات على التركيز بسرعة والانتقال إلى ما بعد مراجعات الأداء السنوية (التي لا تزال تلعب دوراً ولكنَّها ليست مرنة بما يكفي لمواجهة ضغوطات العمل اليوم).

توقَّع تطور فهمك لمتطلبات المهارة مع نضوج تحليلك؛ حيث ستفهم المزيد عن مهارات موظفيك وفجوات مهاراتهم مع مرور الوقت، ما قد يدفعك إلى تعديل استراتيجيتك.

بالطبع، يتطلب تضمين تحليل المهارات في عملك المعتاد تغييراً ثقافياً، فقد يحتاج فريق التعلم إلى بعض المهارات لفهم البيانات فهماً جيداً حتى يتمكَّنوا من استخدام التقارير والمعلومات بأريحية، ومع ذلك إذا وضعت الأساس لهذا النهج الآن، فسوف تتمتع بفوائده لسنوات قادمة.

التطور القادم في التعليم

في إطار زمني قصير، تطوَّر التعليم لمواكبة التغيرات الخارجية واحتياجات القوى العاملة، فقد يساعدك هذا الزخم على التحول لإجراء تغييرات من شأنها أن تؤدي إلى مكاسب طويلة الأمد لمؤسستك.

أن تصبح أكثر اعتماداً على البيانات هو أحد الأمثلة التي قد تفتح الباب أمام العديد من التطورات الأخرى، مثل تحسين التنقل الداخلي؛ حيث ستقود الخطوات التي تتخذها مع بيانات المهارات اليوم مؤسستك إلى تحقيق تقدُّم كبير غداً.