يؤدي الضغط المالي عادةً إلى خفض ميزانيات التعلم والتطوير، ولكنَّ هذا أسلوبٌ خاطئٌ في التوفير؛ ولكي تضمن مستقبل مؤسستك، يجب عليك الاستثمار في الموظفين وتنميتهم.

يُدرك الكثير منا جيداً أنَّ التطوير الشخصي سواء داخل العمل أم خارجه هام لنمو الأفراد، ولسوء الحظ؛ إنَّ المشهد الحالي في عالم الأعمال المضطرب سيؤثر في الاستثمار في التدريب بالنسبة للعديد من أرباب العمل؛ ففي الظروف المضطربة، غالباً ما تكون ميزانية التعلم والتطوير هي أول ما يُخفَّض بسبب إجراءات ضبط التكاليف، ولكن هذا توفيرٌ لا معنى له؛ إذ يجب أن نستمر في التعلم وإلا سندخل في حالة من الخمول.

من المعروف على نطاق واسع أنَّ الناس هم أكبر استثمار تحققه أي شركة عاماً بعد عام؛ إذ ما عليك سوى التحقق من نسبة الرواتب من المبيعات أو الإيرادات، لتجد أنَّه اعتماداً على إحصاءات قطاعات متنوعة من المحتمل أن تتراوح هذه النسبة بين 30-50٪، وهذه أكبر حصَّةٍ منفردةٍ في ميزانيتك، وإذا وصل إلى 50٪ فسيكون ذلك تحدياً كبيراً لأنَّك ستتحمل المزيد من الإنفاق المتفق عليه لتطوير موظفيك.

من المفارقات أنَّ الاستثمار في التدريب غالباً ما يوفر فائدة تجارية كبيرة؛ ذلك لأنَّه من خلال زيادة مشاركة الموظفين في المساعدة على تحديد طرائق أفضل للعمل، تزداد الكفاءات.

لقد أصاب الإمبراطور والفيلسوف الروماني ماركوس أوريليوس (Marcus Aurelius) كبد الحقيقة عندما قال: "الرجال موجودون لمساعدة بعضهم بعضاً؛ فإما أن تعمل على تنميتهم، أو تتقبَّلهم مثلما هُم".

الرسالة واضحة؛ إما أن نطور الناس أو نعيش في عالم محبط نرضى فيه بمعايير أقل من المعايير المطلوبة.

مواءمة الأعمال

إذاً كيف نتأكد من أنَّ التعلم والتطوير لن يتضرر بمجرد أن يواجه العمل تحديات مالية؟

يتحقق ذلك من خلال مواءمة استراتيجيتك في التعلم والتطوير مع العمل وتقديم دراسة جدوى واضحة لكيفية دعمها للخطة الاستراتيجية.

تتَّبع الشركات عادةً خطَّةً ثلاثية أو خُمسية؛ لذا يجب أن تعكس نشاطاتك في تعلم وتطوير هذا الأمر، وبذلك تصمد خطتك في المستقبل، فضع في اعتبارك أنَّ هذه المُدَّة تتناسب أيضاً مع مدة معظم التدريبات المهنية الإدارية.

ابنِ استراتيجيتك من خلال تحديد الأهداف والأولويات الرئيسة للعمل، ثم اتخذ الخطوة الأولى في دورة التعلم والتطوير وحدِّد فجوات المعرفة والمهارات التي من المحتمل أن تحدث في أثناء السعي إلى تحقيق هذه الأهداف، ومن خلال هذه البيانات، ضع خارطة طريق للتعلم والتطوير تُحدِّد برامج التدريب اللازمة لدعم استراتيجية العمل.

وتذكر أنَّ معظم قادة الأعمال يرحبون دائماً بنهج توفير التكاليف، لذلك قد ترغب في إلقاء نظرة على الموارد التي لديك في العمل، والتي يمكن أن تساهم في التعلم والتطوير؛ فقد يساهم المنتورينغ وإشراك خبراء ماليين والتخطيط لتعاقُب الموظفين في تطوير استراتيجيتك العامة.

نقاط الضعف

في أثناء وضع خارطة الطريق تلك، من الضروري التفكير في التحديات التي قد تطرحها وطريقة تعامل خطتك معها؛ لذا عليك أن تحدد المخاطر التي يتعرض لها عملك ومعرفة إن كانت تعود إلى وجود فجوات في تدريبك أو قدرتك، كما عليك أن تعرف إن كانت الشركة ستعاني من نقص المهارات التي قد تتطلب مبادرات محددة مثل تحسين المهارات لأداء المزيد من المهام التقنية.

يلعب ممارسو التعلم والتطوير دوراً هاماً في مساعدة الشركة على فهم مصدر المخاطر والفرص وكيف يمكنك ضمان حصولك على الموظفين الماهرين الذين يحتاجهم العمل للاستجابة بنجاح لأي سيناريو مستقبلي.

في بيئة الأعمال الحالية التي يسودها الشك، هناك بعض سيناريوهات المخاطر الواقعية التي يجب أخذها في الاعتبار مستقبلاً؛ فقد تواجه الشركات تحديات مالية لفترة من الوقت، وقد تحتاج إلى إجراء تغييرات على قوتها العاملة. في هذه الحالة يجب التفكير في المعرفة والمهارات التي ستخسرها الشركة، وإن كان بمقدورك استعادة هذه المهارات بسرعة عندما تتحسن الأمور. وقد تضطر بعض الشركات أيضاً إلى نقل أجزاء من عملياتها إلى أجزاء أخرى من العالم؛ لذا عليك أن تعرف إن كانت شركتك تمتلك المهارات المناسبة حيث تحتاجها.

يمكنك التفكير في تطوير عدة استراتيجيات متوازية بناءً على سيناريوهات اقتصادية مستقبلية مختلفة، وتماشياً مع هذه الاستراتيجيات، تأكد من استعدادك للتحديات التي قد تحتاج إلى مواجهتها.

النتائج

بمجرد الموافقة على خارطة طريق التعلم والتطوير، ابدأ بإضافة هيكل واضح وعدة أهداف مرحلية إليها بحيث تُظهر النتائج والعائد على الاستثمار في النقاط الرئيسة، سيضمن ذلك التزامك بالخطة وسيوفر الوضوح عندما يتعلق الأمر بقياس النتائج.

قد ترغب أيضاً في التفكير في جعل المكافآت والتقدير جزءاً من الخطة؛ مما يمنح المتعلمين شيئاً يستهدفونه ويوصل فكرة أن تحقيق الأهداف سيكون مُجزياً.

عندما يتعلق الأمر بتقييم التعلم المُقدَّم والنظر في النتائج الأولية، ونظراً لحقيقة أنَّ احتياجات العمل تتماشى مع استراتيجية الشركة، فإنَّ نتائجك سوف تُظهر مدى تأثيرها على الأعمال، لذا في هذه المرحلة، تأكد من مشاركة بعض الأمثلة مع الشركة بأكملها حول كيفية دفع التعلم للشركات إلى الأمام.

المستقبل

من الحكمة أن ننظر إلى مستقبل الشركة على الأمد الطويل أيضاً؛ لذا حاول تلخيص المهارات التي من المحتمل أن يتطلبها العمل ليكون مستداماً مع وجودٍ قوي في السوق لمدة عشر سنوات.

ولكنَّ القول أسهل من الفعل، حيث إنَّ 85٪ من الوظائف التي ستوجد في عام 2030 لم تظهر بعد، لكنَّ الأشخاص الذين توظفهم اليوم هم من سيكونون مفتاح التأثير في كيفية تنفيذ العمل بفاعلية أكبر في المستقبل.

ما يمكننا أن نكون واثقين منه الآن هو أنَّ الطريقة التي نقدم بها التعلم ستتغير؛ حيث ستتلقى الأجيال القادمة في العمل تدريبها خارج الفصول الدراسية الكلاسيكية، وبدلاً من ذلك سيتعلمون من خلال التعلم اللاشعوري (subliminal learning) والموجز، أي أنَّهم سيتلقون القليل من المعلومات التي يحتاجون إلى معرفتها لأداء مهمة معينة يعملون عليها في تلك اللحظة.

قد يكون المستقبل غير مؤكد وقابلاً للتغيير، ولكن سيظل هنالك ثابت وحيد؛ إنَّ تطوير موظفيك من خلال التعلم والتطوير مفتاحُ مساعدة عملك على الازدهار.