تحدَّثنا في الجزء الأول من مقالتنا عن تصميم دراسة حالة تناسب التدريب، وإنشاء تدريب يناسب دراسة الحالة، واستخدام دراسة حالة طويلة لتوضيح نتائج التدريب، واستخدام دراسات الحالة المصغرة لإثبات أفكار معينة، وسنكمل الحديث في الجزء الثاني والأخير منها عن إجراء دراسة حالة طوال فترة التدريب، وطلب توقُّع نتائج دراسة الحالة من المتدربين، ومناقشة النتائج المحتملة البديلة في دراسات الحالة، وتحويل دراسة الحالة إلى تجربة محاكاة، وإنشاء إطار دراسة حالة وتشجيع المتدربين على ملئها.

إجراء دراسة حالة طوال فترة التدريب

تتضمن العديد من الكتب المدرسية الفعالة مجموعة كبيرة من الأمثلة أو "الشخصيات". على سبيل المثال: في الدورات التدريبية لتعليم اللغات، غالباً ما يحتوي الكتاب المدرسي على مجموعة من الشخصيات التي تتفاعل في مواقف مختلفة بهدف عرض خصائص اللغة، لا سيما في المحادثات.

يمكن استخدام دراسة الحالة بهذه الطريقة في التدريب. لحسن الحظ، تحتوي العديد من الدورات التدريبية الشاملة على هذه الأنواع من الأمثلة ودراسات الحالة؛ إذ إنّ الهدف من ذلك هو السماح للمتدربين باستكشاف التدريب من عدة زوايا، وقد يتضمن ذلك روابط للدراسات والمعلومات ومقابلات الفيديو، وغيرها.

من المزايا الأخرى لطريقة التدريب هذه هي القدرة على جعل وحدة تدريبية معينة شاملة من حيث الإجابات عن الأسئلة الشائعة وغير الشائعة؛ فتقديم المعلومات للمتدربين أمرٌ صعب، بسبب صعوبة القدرة على تحديد ما لا يعرفونه. يساعد تقديم إجابات معمَّقة ومترابطة للأسئلة ليستكشفها المتدربون في حل ذلك.

طلب توقع نتائج دراسة الحالة من المتدربين

ما يميز التدريب الفعال عن غير الفعال هو مستوى التفاعل فيه؛ فحين يكون التدريب تفاعلياً ومشجعاً على الاندماج، يتعلم المتدربون الكثير من خلال المشاركة في عروض توضيحية وتقديم أمثلة "من الحياة الواقعية" في التدريب العملي؛ إذ يمكِّن هذا النهج المشاركين من تطبيق معلوماتهم في مواقف واقعية، وتعزيز فهمهم لها، والتأكيد على قدرتهم على حل المشكلات واختيار الحلول المناسبة.

إحدى الطرائق لتشجيع الاندماج في التدريب هي استخدام دراسات الحالة في تطبيق هذا التدريب. قسِّم دراسة الحالة إلى قسمي: الإعداد والنتيجة، واطلب من المتدربين قراءة قسم الإعداد منها، ثم اطلب منهم توقع النتائج. شجعهم على كتابة توقعاتهم، ثم يمكنك الكشف عن النتائج الحقيقية للتدريب. على الرغم من أنَّ بعض دراسات الحالة قد يَسهُل توقُّع نتائجها، إلا أنَّ تقديم معلومات غير متوقعة من حين لآخر، يعزز حماسة المشاركين؛ إذ تتحدى هذه المعلومات مهارات التفكير النقدي لدى المتدربين وقدرتهم على استخدام استراتيجيات حل المشكلات. يمكنك بعد ذلك مناقشة الأسباب التي دفعتهم لتقديم هذه التوقعات، سواء أكانت صحيحة أم خاطئة.

يحوّل هذا النهج التفاعلي التدريب إلى تجربة تشاركية، ويجعل منها منصة لإجراء المناقشات الهادفة.

تدريب الموظفين

مناقشة النتائج البديلة المحتملة في دراسات الحالة

يمكنك الاستفادة من دراسات الحالة والتوقعات للتكهن بالنتيجة، فكيف كانت لتتغير لو اتخذ الفرد في دراسة الحالة قراراً مختلفاً أو تصرف بطريقة مختلفة؟ وما هي التغييرات التي قد يقوم بها موظفوك؟

بعد قراءة دراسة الحالة معاً أو كل متدرب على حدة، يمكنك أن تطلب من المشاركين كتابة نتيجة مختلفة لها. على سبيل المثال: إذا قرأت قصة عن امرأة حسَّنت مهارات التواصل لديها بعد حضور ورشة عمل (مثل الورشة التي تقيمها حالياً)، اطلب منهم أن يكتبوا ما كان ليحدث لو لم تحضر ورشة العمل، وما كان ليحدث لو كانت مخطوبةً أو غير مخطوبةٍ، وأن يفكروا في ما يحدث في حياة المرأة، والذي قد يؤثر في قدرتها على التواصل بفاعلية أثناء التدريب. تدفع كتابة نتيجة مختلفة المشاركين إلى النظر في القصة بأكملها وليس الأجزاء التي تقدمها لهم فقط.

لإجراء دراسة حالة مثيرة للاهتمام، يمكنك أن تطلب من المتدربين قراءة موقف ما والتعبير عن كيفية تصرفهم في هذا الموقف قبل البدء بالتدريب، ثم إكمال الدراسة خلال وحدات التدريب. عند الانتهاء، اطلب من المتدربين إعادة النظر في الدراسة، ومعرفة مدى دقة سلوكهم تجاه الهدف، واسألهم عن التغييرات التي قد يودون إجراءها.

تحويل دراسة الحالة إلى تجربة محاكاة

تُظهر الدراسات أنَّ أفضل تدريب هو ذلك الذي يتم تقديمه على شكل تجربة محاكاة. ابحث عن دراسات حالة في مجالات العمل حول حوادث معينة؛ إذ تجري العديد من الوكالات تحقيقات شاملة في الظروف التي تسببت بالحوادث، والتي تحدث غالباً في المصانع أو المستودعات أو عمليات الشحن. يمكن أن تُستخدم دراسات الحالة هذه في إنشاء سيناريوهات تطلب من موظفيك فيها تأدية الأدوار، لتقديم استجابتهم في حال وقع الحادث في منشأتك.

يمكنك بعدها استخدام الحقائق التي خرجت بها التحقيقات لتطبيق العواقب في الكارثة التي تمت محاكاتها. على سبيل المثال: لنفترض أنَّك تدرب الموظفين على التعامل مع حالة تسرب مادة كيميائية في أحد المستودعات، وهناك إجراءات محددة يتعين اتخاذها. ضمن عملية المحاكاة، قدم سيناريو يتم فيه العثور على أحد الموظفين فاقداً للوعي أثناء التسرب الكيميائي. يضع هذا السيناريو المتدربين أمام قرار حاسم: هل سيحاول أحد الموظفين إنقاذه؟ وإذا حدث ذلك، فهل سيفعل ذلك دون اتخاذ التدابير المناسبة؟ يمكنك بعد ذلك إزالة هذا الشخص من سيناريو التدريب؛ لأنَّ تصرفه أدى إلى إصابته بإعاقة.

هناك كثيرٌ من هذه الأمثلة، وتذكر دوماً أنَّ معظم التعليمات الصناعية والتجارية، إن لم يكن كلها، مبنية على وفاة أشخاص بسبب ثغرات أو ظروف غير متوقعة.

يتيح هذا النهج للموظفين التفاعل مع المواد التدريبية بطريقة عملية وواقعية؛ فهو يؤكد على أهمية الالتزام بالبروتوكولات المتبعة، ويسلط الضوء على التداعيات المحتملة لعدم الالتزام بالإجراءات المناسبة. تساعد تجربة المحاكاة الموظفين على فهم الدروس، مما يجعل التدريب مؤثراً أكثر وقابلاً للتطبيق في مهامهم اليومية.

إنشاء إطار دراسة حالة وتشجيع المتدربين على ملئها

ثمة طريقة أخرى لاستخدام دراسات الحالة للتدريب وهي أن تجعل من المتدربين دراسات حالة بأنفسهم. أنشئ إطاراً أو قالباً لدراسة الحالة، تتضمن أسئلة حول السيناريو وإجاباتهم والتدريب وسلوكهم بعد التدريب. شجع المتدربين على ملء نماذج دراسة الحالة هذه، ثم المشاركة في التدريب، وملئها مرة أخرى. للحصول على قيمة مضافة، تتبَّع هؤلاء الموظفين لعدة أشهر لمعرفة كيف أصبحوا، وكيف طبَّقوا ما تعلموه في التدريب، وكيف أدى ذلك إلى تحسين حياتهم المهنية.

في الختام

تُعد دراسات الحالة أداةً تدريبيةً فعّالةً، ولكنَّها يجب أن تكون مترافقة مع وحدات تدريب عملية؛ إذ لا يمكنك معرفة كيفية الوصول إلى أهدافك دون معرفة وضعك الآن.