تُعد دراسات الحالة أدوات فعّالة للتعلُّم والتدريب؛ فهي قصص تعتمد على الأدلة وتعرض النتائج المرغوبة، لذا فإنَّ استخدامها في التدريب يجعله أكثر فاعليةً. لكن، يبقى السؤال: كيف يمكن استخدام دراسات الحالة لتقديم تدريب أفضل للمتدربين؟
تصميم دراسة حالة تناسب التدريب
أولاً: يجب أن تقرر ما إذا كنت تود تصميم التدريب بناء على دراسة حالة، أم تصميم دراسة حالة تناسب التدريب. لا بأس بكلا الخيارين طالما أنَّ نتائج الدراسة متوافقة مع أهداف برنامج التدريب.
لنفترض أنَّك اخترت تصميم دراسة حالة تناسب التدريب المطلوب مثل: إنشاء دورة تدريبية قابلة للتكرار حول تقديم خدمة هاتفية استثنائية لفريق خدمة العملاء. يتطلب دعم التدريب دراسة حالة توضح كيف أنَّ تطبيق التقنيات التي تُقدَّم في الدورة التدريبية يعزز النتائج الإيجابية في خدمة العملاء. يوجد خياران هنا:
- كتابة دراسة حالة بناءً على تجاربك وإبراز التفاصيل الضرورية المرتبطة بالتدريب، وتلخيص الأفكار الرئيسة لإثبات وجهة نظرك.
- البحث عن دراسات الحالة الحالية التي تجريها شركات الأبحاث الشهيرة، واستخدامها لدعم أفكارك.
في كلتا الحالتين، يمكنك بعدها استخدام دراسة الحالة كمثال عن كيفية تطبيق التقنيات المستخدمة في التدريب، وكيف تؤثر بصورة ملموسة في النتائج. تأكد من تسليط الضوء على جوانب محددة من دراسة الحالة وكيفية ارتباطها بالممارسات المطروحة في التدريب كي تتأكد من أنَّ المتدربين سيتذكرون هذه المعلومات.
إنشاء تدريب يناسب دراسة الحالة
الخيار الثاني هو إنشاء تدريب يناسب دراسة حالة أُجريت بالفعل. إليك خطوات هذه العملية:
- البحث عن دراسة حالة تُظهر النتائج المطلوبة. على سبيل المثال: تركز إحدى دراسات الحالة على كيفية تحقيق التدريب لنتائج على الأمد الطويل، وهي دراسة تستطيع الشركات جميعها الاستفادة من تطبيقها.
- مراجعة دراسة الحالة: البحث عن التفاصيل والآليات البارزة لتحقيق النتائج التي ترغب بها. من المفترض أن تدعم دراسة الحالة نفسها هذه الآليات وتشرح كيفية استخدامها.
- إنشاء وحدة تدريب تدمج دراسة الحالة وبياناتها مع الآليات التي حددتها، وذلك لتدريب الموظفين على تحقيق النتائج ذاتها.
يمكن أن تترافق وحدة التدريب مع دراسة الحالة، مع ذكر التفاصيل والبيانات خلال فترة التدريب، أو يمكن استخدام الدراسة كمصدر تستشهد به أو دليل لإثبات الأفكار التي تقدمها. اختر الخيارات التي تناسب موظفيك ووسائل التدريب المتاحة لديك لإنشاء تجربة تعلُّم أفضل.
استخدام دراسة حالة طولية لتوضيح نتائج التدريب
تُعرَّف دراسات الحالة الطولية بأنّها دراسات لبحث وقياس بيانات محددة حول الخاضعين للدراسة على مدى فترة طويلة؛ إذ تتبع دراسات الحالة هذه الأفراد لسنوات معينة، أو خلال حياتهم المهنية، أو حياتهم بأكملها. على سبيل المثال: غالباً ما تُستخدم الدراسات الطولية في الطب لدراسة التأثيرات طويلة الأمد للمواد والأمراض.
تُعد هذه الدراسات الطولية فعّالةً في إنشاء التدريب؛ إذ يمكن الإشارة إلى أدلة محددة تُثبِت أنَّ أنواعاً معينة من التدريب لا تؤدي إلى تحسين النتائج وتقديم الفوائد للموظفين، والعملاء، والشركات على الأمد القصير فحسب؛ بل تزيد قيمة الموظفين طوال حياتهم المهنية أيضاً.
يُعد استخدام هذا النوع من دراسات الحالة هامّاً لتشجيع الموظفين على أخذ التدريب على محمل الجد؛ إذ يفيد تشجيعهم على المشاركة في التدريب العملاء والشركة، من خلال إثبات مدى تأثير هذا التدريب في تحسين حياتهم المهنية.
أصعب ما في الأمر هو أنَّ دراسات الحالة، يمكن أن تُثبت عديداً من النقاط المختلفة؛ بسبب اختلاف المسارات الوظيفية للمتدربين، وطريقة استخدامهم للمهارات.
استخدام دراسات الحالة المصغرة لإثبات أفكار معينة
إذا لم يكن من الممكن العثور على دراسات طولية محددة مناسبة، فيمكن الاستفادة من دراسات الحالة المصغرة لدعم الأفكار الرئيسة خلال عملية التدريب. على سبيل المثال: خلال دورة تدريب شاملة لخدمة العملاء، يمكن استخدام دراسات حالة محددة تسلّط الضوء على الاستجابات المختلفة لعميل غاضب، وتعرض كيف يؤدي استخدام عدة أساليب إلى نتائج مختلفة. تقدم دراسات الحالة هذه أمثلةً ملموسةً تساعد في اختيار النبرة المناسبة عند التعامُل مع العملاء.
تكمُن فائدة هذه الدراسات المصغَّرة في أنَّ عددها أكبر بكثير من دراسات الحالة الطولية الشاملة، كما يَسهُل العثور عليها واستخدامها لإثبات أفكارك، أما دراسات الحالة طويلة الأمد قد تؤدي إلى نتائج مفاجئة، أو يمكن أن تتعارض هذه النتائج مع دراساتك وسياساتك، وقد يصعب التعامل مع ذلك إلا إذا كنت على استعداد لتعديل التدريب بالكامل.
أما أكبر سلبية لاختيار الدراسات المصغرة هو أنَّ هناك عديدٌ منها، مما قد يؤدي إلى نتائج متناقضة، والوقوع في "مغالطة الدليل الناقص" (cherry-picking)، وهي اختيار الأمثلة التي تدعم وجهة نظر معينة، بغض النظر عن قيمتها الإجمالية. قد تؤدي هذه الممارسة إلى التأثير سلباً بمحتوى التدريب، وعدم تقديم تمثيل شامل للموضوع المطروح؛ لذا على المدربين توخي الحذر والتأكد من أنَّ دراسات الحالة المختارة مناسبة وغير متحيزة، وتسهم في تحقيق أهداف التعلم الشاملة.
في الختام
تحدثنا في الجزء الأول من مقالتنا عن تصميم دراسة حالة تناسب التدريب، وإنشاء تدريب يناسب دراسة الحالة، واستخدام دراسة حالة طويلة لتوضيح نتائج التدريب، واستخدام دراسات الحالة المصغرة لإثبات أفكار معينة، وسنكمل الحديث في الجزء الثاني والأخير منها عن إجراء دراسة حالة طوال فترة التدريب، وطلب توقع نتائج دراسة الحالة من المتدربين، ومناقشة النتائج المحتملة البديلة في دراسات الحالة، وتحويل دراسة الحالة إلى تجربة محاكاة، وإنشاء إطار دراسة حالة وتشجيع المتدربين على ملئها.