منذ فترة طويلة، ركَّز تطوير القيادة على الخطط الاستراتيجية ومؤشرات الأداء الرئيسة والأهداف الذكية (SMART)، ولكن ما يحتاج القادة إلى فهمه هو كيفية التواصل مع الناس وإلهامهم؛ فقد حان الوقت لتغيير نهجنا إذا أردنا إعداد الجيل القادم من القادة لإحداث تغيير حقيقي.

في كثير من الأحيان عندما يتعلق الأمر بتطوير القيادة والإدارة، يَسْهُل تعليم المهارات التي توصف بأنَّها "صلبة"؛ إذ تركز العديد من برامج تطوير القادة على هذه المهارات التي تتضمن على سبيل المثال: النماذج والنظريات التي تقدم تفسيرات ورؤى حول كيفية عمل الأشخاص والمنظمات.

وقد تشمل أيضاً كيفية تطوير الرؤى والمهام والخطط الاستراتيجية ومؤشرات الأداء الرئيسة، وكذلك كيفية كتابة خطط المشروع، وتحديد أهداف قابلة للقياس وأهداف "ذكية"، وهيكلة المنظمات، وتوفر هذه المعرفة الهامة -التي طورها الأكاديميون والممارسون على مدى عقود- الوقت، وتساعد في مشاركة الممارسات الجيدة وتساهم في إيجاد لغة مشتركة للأعمال.

لكن عندما تنظر إلى المهارات "الناعمة" -كأن تبني علاقات مع الناس وتستمع إليهم، وتكون متعاطفاً ومرناً، وتضع نفسك في مكان شخص آخر، وتطرح أسئلة رائعة، ولا تتسرع في في الحكم وتقديم الحلول- يُقدِّم كل من المعرفة وأُطر العمل الرؤية والفهم، لكنَّ هذه المهارات الناعمة تلائم كل نوعٍ من أنواع الشخصيات.

قد لا تكون المعرفة الجديدة وحدها كافية لتغيير السلوك أو تطوير القدرة القيادية؛ ولهذا السبب غالباً ما يكون من الصعب تحسين هذه المهارات الناعمة، وفي حال لم نطورها، يتوقف تطوير القيادة؛ وهنا يأتي دور الكوتشينغ.

في عام 2014، أجرى معهد القيادة والإدارة بحثاً يسمى "الكوتشينغ من أجل النجاح"، والذي يبحث في مقومات الكوتشينغ الناجح وكيف يتحسن الأشخاص الذين يتلقون الكوتشينغ في مكان العمل؛ حيث ذكر عدد قليل من الناس أنَّ معرفة المزيد من النماذج أو النظريات ساعدتهم على أن يصبحوا قادة أفضل، وبالمقابل أفاد العدد الأكبر بأنَّهم أصبحوا أفضل في فهم أنفسهم، وأفضل في التعاطف مع الأشخاص الذين عملوا معهم، وفي تقدير شخصٍ كان مهتماً بهم ووثق بهم؛ وبأنَّ شخصاً ما اهتم بتجاربهم اليومية في القيادة والإدارة.

تحسين القيادة

إذاً، كيف يمكنك تطوير المهارات الصلبة والناعمة؟ يُعدُّ التعلم عبر الإنترنت وسيلة رائعة لتقديم المعرفة تقديماً جذَّاباً وذكيَّاً، ويمكن الوصول إليها في أثناء التنقل، وتوفر بالتأكيد فرصة لتحسين المعرفة والفهم، ويمكن أن يُسلينا ويُلهمنا في بعض الأحيان من خلال طرح أمثلة عن حالات فردية وخطب تحفيزية رائعة من القادة الناجحين، ولكن ما لا يفيد في ذلك هو كيفية تحسين علاقتنا بالناس - الجانب الأكثر ليونة من القيادة - إذ يعتمد ذلك إلى حد كبير على ميل الفرد للتعلم والتغيير، والظروف التي نريد أن تحدث فيها القيادة والإدارة، وثقافة المنظمة.

يتعلق الأمر أساساً بالاستعداد للتعامل مع سؤال واحد هام: "كيف سأعمل على تحسين جودة العلاقات مع الأشخاص الموجودين حولي؟".

القيادة علائقية في جوهرها، أي مرتبطة بالعلاقات؛ وهي تمرين تواصُلٍ لن تجتازه إلَّا عندما تضم أشخاصاً آخرين؛ إذ لا يمكنك أن تتحسن في العلاقات بمفردك؛ والطريقة الوحيدة لمعرفة ما إذا كنت قد تحسنت هي بقياس الردود التي تحصل عليها من الآخرين، ومن خلال التغذية الراجعة الصادقة، والبحث عن دليل يجعلك تفهم زملاءك وتنظيمك بشكل أفضل مما كنت تفعل في السابق، وملاحظة أنَّ اجتماعاتك ومحادثاتك أصبحت أكثر إنتاجية، وأنَّ التواصل بين أعضاء فريقك والفرق الأخرى قد تحسن وأصبح العمل في الأساس أفضل قليلاً.

إنَّ الردود الهامة التي تحصل عليها من أشخاص آخرين هي التي تخبرك ما إذا كانت نشاطات تطوير قدرتك على القيادة ناجحة أم لا.

كيف تجعل تطوير القيادة ينجح؟

إذا أردنا أن تنجح تدخلات تطوير القيادة، علينا أن نعرف ما يحتاجه هؤلاء القادة في ظروف قيادتهم، وما هي الميزات الهامة للثقافة التي نريد أن يفهمها الناس ويُحسِّنون المساهمة فيها، أو تغييرها إذا لزم الأمر؟ من المفيد العودة إلى الدروس الهامة من بحث الكوتشينغ، مثل: من سيهتم بتحسينات القيادة التي تحدث؟ وأمام من سيكون القادة مسؤولين عن هذا التطور؟ ومن سيهتم بالأفكار الجديدة التي يستكشفها القادة؟ ومن الذي سيهتم بنجاح تطوير القيادة؟ ومن سيقول: "أحسنت، استمر".

كما هو الحال في أغلب الأحيان، إنَّ المدير المشرف هو الذي يؤدي دوراً كبيراً هنا، والخطوة الأولى هي معرفة ما إذا كان هناك شخص ما لديه إمكانات واهتمام وثقة، لكنَّ إتاحة الموارد، مهما كانت سخية، لتطوير تلك الإمكانات لن تضمن النجاح.

إنَّ طرح أسئلة حول المعرفة الجديدة المكتسبة، والاستماع إلى ما يعتقد الأفراد أنَّهم تعلموه، واستكشاف ما يعنيه ذلك في سياق القيادة الفعلي وتقديم تغذية راجعة هامة تُثني على جودة الأداء هو أمر أساسي، سيعرف أولئك الذين هم على دراية بأساليب الكوتشينغ سبب نجاحها؛ في حين أنَّ أولئك الأقل دراية بهذه الأساليب سيُحسِّنون قدرتهم القيادية إذا دمجوا تقنيات الكوتشينغ في محادثاتهم اليومية؛ ذلك لأنَّها تساعد في بناء العلاقات في الظروف التي تكون فيها القيادة مطلوبة.