تسعى مبادرات التعلم والتطوير معظمها إلى توفير المال أو كسبه؛ لذلك، عندما لا تحسِّن مبادرات التعلم والتطوير المؤسسي الإجراءات التنظيمية، فإنّك تخسر مرتين.

أولاً، ستخسر تكلفة التدريب نفسه من حيث الوقت والمال. ثانياً، لن تحقق – أبداً – فوائد تطبيق التدريب. يعني هذا أنّ نقل التدريب، يُعد أمراً بالغ الأهمية لفِرق التعلم والتطوير.

مع ذلك، وعلى الرغم من أهميته، تعتمد عديد من الشركات كثيراً على أساليب التعلم التي تركز على اكتساب المعرفة، والمشكلة هي أنّ نحو 19% فقط من المعرفة المكتسبة يمكن تطبيقها بمهارة. دون التطبيق العملي نحن ننسى 75% مما تعلمناه في أقل من أسبوع.

إذاً، ما الحل؟ إنّ نقل مبادئ التدريب إلى أنشطة التعلم والتطوير، يرسّخها في الذاكرة، ويزيد من فعالية التدريب. نناقش في هذا المقال كيفية تنفيذ نقل مبادئ التدريب إلى برنامجك لتحقيق أقصى قدر من التأثير.

كيفية دمج نقل التدريب في جهود التعلم والتطوير

قد يكون مفهوم نقل التدريب صعب الفهم، والأصعب هو إتقانه وتطبيقه في جهود التعلم والتطوير. مع ذلك، إذا كنت ترغب في نجاح جهود التدريب في عالم الأعمال اليوم، فعليك عدم تجاهله. لا يمكننا مناقشة نقل التدريب دون مناقشة تطبيق المعرفة، فهما مفهومان مترابطان. يشير تطبيق المعرفة إلى تطبيق المعلومات أو المهارات المكتسبة خلال جلسة تدريبية على موقف من الحياة الواقعية. يُعد تطبيق المعرفة بمنزلة الغراء الذي يربط جهود التدريب بتطوير الموظفين وتحسين أداء العمل. لن تكون أفضل برامج التدريب فعّالةً إذا لم يفهم الموظف كيفية تطبيق الدروس على مهام عمله اليومية.

عند ممارسة أنشطة التعلم والتطوير، عليك دمج تطبيق المعرفة في تلك الجهود؛ لأنّ المعرفة دون تطبيق هي مجرد معلومات. مع كمية المعلومات الهائلة التي نتلقاها يومياً، يُقدَّر أنّنا نحتفظ فقط بقُرابة 10-20 بالمئة مما نسمعه أو نقرأه.

بعبارةٍ أخرى، إذا لم يتمكن موظفوك من فهم كيفية تطبيق المعلومات المقدمة في جهود التعلم والتطوير على عملهم اليومي، فمن غير المرجّح أن يحتفظوا بالمعلومات وأن يشاركوا في أنشطة التدريب في المقام الأول. تكون النتيجة هدر وقت الشركة ومواردها على برامج تدريب وتطوير عاجزة عن تغيير السلوك أو تحقيق النتائج.

نقل التدريب

فهم الأنواع الثلاثة لنقل التدريب

إنّ السر الأول لإتقان نقل التدريب هو فهم الأنواع الثلاثة لنقل المعرفة: النقل الإيجابي، والنقل السلبي، والنقل الصفري. يساعدك فهم هذه الأنواع الثلاثة على تقييم جهودك الحالية. دعونا نفحص كل نوع بمزيدٍ من التفاصيل.

1. النقل الإيجابي

يحدث النقل الإيجابي عندما تساعدك إحدى المهارات على تعلم مهارة جديدة أخرى. يحدث هذا – في الغالب – عندما تكون المهارتان مرتبطتين ارتباطاً وثيقاً أو تتطلبان نفس المبادئ الأساسية.

على سبيل المثال، قد يجد الموظف الذي يعرف يعرف لغة (SQL) أنّه من الأسهل تعلم لغة (HTML). لا ترتبط لغتا البرمجة هاتين ارتباطاً مباشراً، ولكن ربما يساعد فهم بنية إحداهما المتعلم على فهم بنية الأخرى.

2. النقل السلبي

يحدث النقل السلبي عندما يؤدي تعلُّم إحدى المهارات إلى صعوبة في تعلم مهارة أخرى. على غرار النقل الإيجابي، من المرجّح أن تكون المهارتان في هذه الحالة مرتبطتين ارتباطاً وثيقاً أو مبنيتين على نفس المبادئ الأساسية. مع ذلك، تتطلب المهارات تطبيقات أو عمليات مختلفة تماماً.

مثال على النقل السلبي هو عندما يُطلب من طالب تعلَّم استخدام أسلوب (MLA) للاقتباس في عمله المدرسي، ثم يبدأ برنامجاً جديداً ويجب عليه الآن الاقتباس باستخدام أسلوب (APA). تشترك أنماط الاقتباس في عديدٍ من أوجه التشابه، ولكن من المُحتمل لفهم الطالب نظام (MLA) أن يوقعه في المشكلات في المجالات التي تختلف فيها الأنماط. بعبارةٍ أخرى، معرفة أسلوب (MLA)، صعَّب إتقان أسلوب (APA).

3. النقل الصفري

يحدث النقل الصفري عندما لا تؤثر إحدى المهارات في قدرتك على تعلم مهارة جديدة أخرى. في العموم، يحدث هذا عندما تكون المهارتان غير مرتبطتين على الإطلاق.

على سبيل المثال، من غير المرجح أن تؤثر معرفة الموظف ببرنامج مايكروسوفت إكسل (Microsoft Excel) في قدرته على تعلم المهارات القيادية. إنّ فهم كيفية إنشاء جدول بيانات وكيفية إلهام المرؤوسين وتوجيههم أمران غير مرتبطين ولا صلة بينهما على الإطلاق. بالتالي، فلن تؤثر معرفة الموظف بإحدى المهارتين في قدرته على تعلم المهارة الأخرى.

نموذج نقل التدريب

بعد فهم الأنواع الثلاثة لنقل التدريب وكيفية تطبيقها في مؤسستك، أصبحت جاهزاً لدراسة نموذج نقل التدريب. توجد نماذج متعددة، لكنّ نموذج بالدوين وفورد (Baldwin and Ford) هو الأبسط والأكثر فعالية. يتكون نموذج بالدوين وفورد من عملية من ثلاث مراحل:

1. مدخلات التدريب

تشير مدخلات التدريب إلى العناصر الموجودة قبل بدء جلسة التدريب؛ إذ تقع في ثلاث فئات:

  • خصائص المتدرب: ما مدى حماسة هذا الفرد للمشاركة في التدريب؟ تؤدي قدرات المتدرب دوراً هاماً هنا. هل هذا التدريب متقدم جداً بالنسبة للمتدرب، أم أنّه سيتمكن من النجاح؟
  • تصميم التدريب: ما مدى جودة إعداد محتوى هذا التدريب وتسلسله؟ وهنا، نأخذ في الاعتبار جودة التدريب وملاءمته.
  • بيئة العمل: هل سيطبق الموظف المعرفة والمهارات المكتسبة في هذا التدريب في العمل؟ إضافة إلى ذلك، عليك مراعاة مشكلات الدعم، هل سيتمكن المتدرب من الوصول إلى الموارد لمساعدته في ترسيخ هذه المعرفة الجديدة بعد التدريب؟

2. مخرجات التدريب

مخرجات التدريب هي النتائج المكتسبة من استكمال التدريب. في هذه المرحلة، عليك النظر في مدى نجاح المتدربين في البرنامج التدريبي. ما مقدار ما تعلموه في الجلسة التدريبية؟ عليك التفكير أيضاً في مدى رسوخ المعلومات. إذا كان أداء المتدرب جيداً في الجلسة ولكنّه نسي جميع الدروس التي تعلمها في غضون أسبوع، فإنّ مخرجات التدريب غير ناجحة.

3. شروط النقل

حتى لو كان الاحتفاظ بالمعلومات جيداً في المرحلة الثانية، فإنّ نقل التدريب ليس مضموناً. لكي يحدث نقل التدريب، يجب استيفاء شروط نقل التدريب. وفقاً لنموذج بالدوين وفورد فإنّ هذه الشروط تتحقق عندما تدعم بيئة العمل المعرفة المكتسبة من التدريب. هناك بعض العوامل التي تؤثر في قدرة المتدرب على الاحتفاظ بمعارفه بنجاح، مثل: وجود نظام دعم في الشركة، وفرص لأداء العمل ذي الصلة بالمواد التي تعلمها، وتغذية راجعة، وعمليات تواصل دورية مع القيادة لضمان حدوث نقل التدريب.

بناءً على هذا النموذج، أي الموظفين يُرجَّح أن يحتفظ بالمعرفة المكتسبة من التدريب؟

  1. الموظف أ: في هذا السيناريو، الموظف غير متحمس لإكمال التدريب، ويَعدّه مضيعةً للوقت. المواد التدريبية قوية، لكنّها تُقدَّم على نحوٍ متقطع. بعد الجلسة، لم يذكر القادة التدريب مرةً أخرى، ولم يشجعوا الموظف، ولم يعلموه كيفية تطبيق المواد التدريبية في العمل.
  2. الموظف ب: في هذا السيناريو، أخبر المديرون الموظف بمدى أهمية التدريب القادم للفريق؛ إنّه متحمّس لتعلم المهارات المحددة ويدرك كيف ستساعده هذه المعلومات في عمله. المواد التدريبية قوية مثل السيناريو الأول وقد قُدِّمت في تسلسل منتظم ومدروس. بعد كل تدريب، يتخذ القادة خطوات للتواصل مع الموظف للتوثق من فهمه للمواد ومشاهدة كيف يطبقها في عمله.

على الرغم من تلقّي كلا الموظفين مواد تدريبية قوية، فإنّه من المرجّح أن يحتفظ الموظف ب بالمعرفة المكتسبة من تدريبه بمقدار أكبر بكثير من الموظف، وذلك بسبب العوامل الأخرى الموجودة في الموقف.

نقل التدريب

تحديد مدخلات التعلم التي يمكنك التأثير فيها إيجابياً

من دراسة نموذج بالدوين وفورد لنقل التدريب، من السهل أن نرى تأثير مدخلات التدريب العميق في نقل التدريب. لذلك، فإنّ السر التالي لترسيخ المعلومات في ذاكرة الموظف هو تحديد مدخلات التعلم التي يمكنك التحكم بها. كلما زاد عدد العوامل التي يمكنك التأثير فيها إيجابياً، زادت فرصك في نقل التدريب بكفاءة.

استراتيجيات وأنشطة التدريب

تُعد استراتيجيات وأنشطة التدريب أدوات يمكنك من خلالها التأثير في نقل التدريب مباشرة. في ما يلي، بعض العوامل التي يمكنك التحكم بها:

  • التشابه: كلما كانت أنشطة التدريب أو الاستراتيجيات مشابهة لبيئة عمل المتدربين، زادت فعاليتها. على سبيل المثال، محاكاة مواقف واقعية أكثر فائدةً من المحاضرات النظرية.
  • التعلم النشط: يتعلم الموظفون على وجه أفضل عندما يكونون مندمجين في التدريب؛ لأنّ التدريبات العملية أو التدريبات الافتراضية أكثر فاعلية من قراءة كتيبات إرشادية.
  • التعلم بالمحاكاة: عندما يشاهد الموظفون كيفية التعامل مع المواقف في بيئة واقعية، يسهُل عليهم محاكاة السلوك الصحيح في المستقبل.
  • الأمثلة القائمة على الأخطاء: يجب أن يركز التدريب على كيفية التعلم من الأخطاء كونها تحدث في العمل. تسهم الأمثلة والمحاكاة القائمة على حل المشكلات الحرجة في نقل المعرفة نقلاً أفضل.
  • التعاون: يتعلم الموظفون على وجه أفضل بوجود فرصة للتعاون مع المدربين والمشرفين والمتدربين الآخرين. فالتعلم التعاوني أكثر فعالية من التعلم في عزلة.
  • تنويع الاستراتيجيات: يُستحسن عدم الاعتماد على نفس طريقة التدريب في جميع الجلسات؛ لأنّ استخدام مجموعة متنوعة من الاستراتيجيات يساعد في تنويع التجربة التعليمية.
  • الأهداف الواضحة: عندما تكون أهداف التدريب واضحة ومحددة، يسهُل على الموظفين فهم ما هو متوقع منهم وتحقيقه.
  • التقييمات المستمرة: يجب إجراء تقييمات دورية لمعرفة المتدربين وتقدير مدى تقدمهم؛ لأنّ التدريبات التي تستخدم المحاكاة، تسمح بإجراء تقييمات مستمرة طوال عملية التدريب، مما يعطي المتدرب والمدرب فكرة عن مدى استيعاب المتدرب للمادة.

بيئة العمل

  • مناخ النقل: هل تذكرك بيئة عملك بالمادة التدريبية؟ قد تكون هذه التذكيرات إشارات مرئية أو لفظية من الإدارة. كلما زاد عدد الإشارات في بيئة العمل، زادت مستويات النقل.
  • الدعم: هو مدى استعداد الآخرين في مكان العمل لدعم المتدرب في نقل المعرفة. عندما يشعر المتدرب بالدعم من الإدارة والزملاء، يصبح أقدر على الاحتفاظ بما تعلمه.
  • فرصة التطبيق: كم مرة يحصل المتدرب على فرصة لتطبيق ما تعلمه؟ عندما تحاكي بيئة عمل المتدرب بيئة التدريب، يكون المتدرب أقدر على الاحتفاظ بما تعلمه.
  • التقييم: أنعش ذاكرة المتدربين بالتواصل دورياً معهم لإجراء عملية تقييم تساعد في نقل التدريب.

دمج هذه المدخلات في برنامج التعلم والتطوير

في النهاية، يجب دمج هذه المدخلات في برنامج التعلم والتطوير، فمن خلال فهم العوامل التي يمكنك التحكم بها، يتسنى لك تحديد الجوانب التي تستطيع إحداث أكبر تأثير فيها. يساعدك هذا بدوره على تخصيص مواردك ووقتك وجهودك بكفاءة.

علاوةّ على ذلك، من الضروري ربط هذه الجهود بمؤشرات الأداء الرئيسة ومقاييس الأعمال الأخرى. فهذا يضمن توافق جهودك مع أهداف الإدارة. كما تمكّنك مراقبة هذه المقاييس من قياس تقدُّم برنامج التعلم والتطوير بمرور الوقت. بتطبيق هذه الممارسة، يمكنك تحديد ما إذا كانت جهودك تؤثر إيجاباً في الموظفين، مما يتيح لك تعديل المسار إذا لزم الأمر. بالتركيز على النتائج، تضمن تحقيق أقصى استفادة من برنامج التعلم والتطوير.

في الختام

يعتمد نجاح برنامج التعلم والتطوير على الاحتفاظ بالمعرفة. إذا لم يكن التدريب الذي تقدمه فعّالاً ويرسخ في الأذهان، فلن ترى مؤسستك عائداً إيجابياً على استثمارها في جهود التعليم والتطوير؛ لأنّ نقل التدريب هو الفيصل بين نجاح التعلم والتطوير، وخيبة الأمل.

يُعد تطبيق المعرفة المكتسبة في مواقف شبيهة بالوظيفة أحد مفاتيح نقل التدريب، وبصرف النظر عن دور المتدرب أو موضوع التدريب، فتمكّن المحاكاة موظفيك من تطبيق المعرفة في بيئة واقعية يمكن التحكم بها.