أظهرت نتائج الأبحاث والدراسات في السنوات القليلة الماضية عدم فاعلية التدريب الغامر في مساعدة المتدربين على اكتساب مزيد من المعارف والخبرات؛ لذا يناقش المقال مجموعة من الدراسات الواردة في الأدبيات التي بحثت في موضوع التدريب الغامر، ويُطلَق على هذا النوع من التحليل اسم "دراسة الدراسات" وهو يتم عن طريق مراجعة وتحليل نتائج الدراسات السابقة.

ثمة دراسة بحثية بعنوان "نتائج استخدام التكنولوجيا الغامرة في تعليم طلاب الرعاية الصحية: مراجعة ممنهجة للأدبيات" (Learning Outcomes of Immersive Technologies in Health Care Student Education: Systematic Review of the Literature)؛ إذ تفيد هذه الدراسة بأنَّ كلاً من "الواقع الافتراضي (Virtual reality)، والمعزز (augmented reality)، والهجين يؤدي دوراً محورياً في تعليم طلاب التمريض والطب البشري، وتتم مقارنة وسائل التعليم التقليدية مع أدوات التكنولوجيا الغامرة، وقد تبيَّن أنَّ النتائج متماثلة في كلتا الحالتين".

تناقش الدراسة البحثية من جهة ثانية تأثير استخدام التكنولوجيا الغامرة في الأهداف الثانوية لبرنامج التدريب على الشكل الآتي: "يؤدي استخدام التكنولوجيا الغامرة إلى تحسين تجارب التدريب، وزيادة مستوى رضى المتدرب عن البرنامج، وشعوره بالفاعلية الذاتية، واندماجه مع مواد التدريب، ومن ثمَّ يمكن عَدُّ التكنولوجيا الغامرة أداة مثالية لقطاع التعليم".

لا توجد أدلة دامغة تثبت تأثير التكنولوجيا الغامرة في فاعلية التدريب، كما أنَّها لا تساعد على زيادة قدرة الدماغ على التعلم بالمقارنة مع الوسائل التقليدية، ولكنَّها تساهم في تحقيق 3 فوائد ثانوية تتمثل في تعزيز مشاعر الرضى، والفاعلية الذاتية، والاندماج مع مواد التدريب.

فوائد التكنولوجيا الغامرة:

فيما يأتي 3 فوائد للتكنولوجيا الغامرة:

1. الرضى:

رضى المتدرب عن نتائج الدورة التدريبية واستعداده لتكرار التجربة.

2. الفاعلية الذاتية:

إيمان المتدرب بقدرته على التعلم والتطور.

3. الاندماج:

تركيز المتدرب على مواد التدريب خلال الجلسات.

يؤدي استخدام التكنولوجيا الغامرة إلى زيادة اندماج المتدرب مع مواد التدريب؛ إذ يصبح الموظف أكثر قدرة على تركيز انتباهه والمشاركة في التدريب ضمن البيئات الغامرة؛ وبالنتيجة تزداد إنتاجيته وشعوره بالفاعلية الذاتية، واهتمامه بموضوع التدريب، واستعداده للجد والاجتهاد، كما تزداد فاعلية وفائدة التجربة في هذه الحالة، وهذا يؤدي إلى زيادة مستوى رضى الفرد عن برنامج التدريب.

أهمية الروابط الاجتماعية:

تضاهي الروابط الاجتماعية بأهميتها تكنولوجيا التعلم الغامر مثل "الواقع الافتراضي" الذي أثبت فاعليته في زيادة اندماج المتدربين مع مواد التدريب، إضافة إلى شعورهم بالرضى والفاعلية الذاتية؛ إذ تساعد العلاقات الإنسانية وحس الانتماء إلى الجماعة على زيادة اندماج المشاركين مع مواد التدريب.

هذه هي النتيجة التي توصل إليها الباحث "سيمون غراسيني" (Simone Grassini) في دراسته عن "الواقع الافتراضي"؛ إذ قسَّم فريق الباحث "غراسيني" مجموعة المتدربين إلى قسمين، فشاهد القسم الأول مقطع فيديو، واختبر الثاني مواد التدريب ضمن بيئة "الواقع الافتراضي"، وقد تم مشاركة النتائج في تقرير يحمل العنوان "استخدام الواقع الافتراضي وحده لا يحسِّن من أداء التدريب؛ وإنَّما يجب تعزيز إحساس الوجود" (The Use of Virtual Reality Alone Does Not Promote Training Performance (but Sense of Presence Does.

تفيد النتائج بأنَّه "لا توجد فروقات بارزة بين المجموعتين من حيث معايير الأداء، ناهيك عن أنَّ نتائج الدراسة الحالية تشير إلى دور إحساس الوجود خلال محاكاة "الواقع الافتراضي" في زيادة القدرة على اكتساب المهارات".

يختلف تأثير الروابط الاجتماعية عن تأثير "الواقع الافتراضي" في كونه غير ملحوظ من جهة وعميقاً وهادفاً من جهة أخرى، كما يساهم شعور الترابط في زيادة اندماج الأفراد مع مواد التدريب، وتعزيز قدرتهم على التركيز والتعلم، وتركز بعض تقنيات التعلم الغامر مثل "التلعيب" (gamification) على هذه الجوانب الاجتماعية.

تساهم ميزات مشاركة السبورة وتقسيم المتدربين إلى مجموعات منفصلة في زيادة إنتاجية التدريبات الهجينة ومتعتها، فضلاً عن دورها في تعزيز اندماج الموظفين مع مواد التدريب، كما تؤدي هذه الأدوات دوراً بارزاً في زيادة تركيز الفرد على مواد التدريب من جهة، وبناء الروابط بين المشاركين والمدربين من جهة أخرى.

نشر ثقافة التدريب:

يركز المدرِّب التقليدي على زيادة قابلية المتدربين للتعلم، في حين تركز المؤسسات على بناء ثقافة تدريب ضمن بيئة العمل من أجل زيادة المشاركة وتشجيع الموظف على التعلم، فقد أصبح التعلم والتأقلم مطلباً ضرورياً في العصر الحديث كما يبيِّن "تقرير التعلم في مكان العمل" (Workplace Learning report) على منصة "لينكد إن" (LinkedIn) في عام 2023.

يتم إغفال فوائد التدريب الثانوية المتمثلة في الاندماج مع المحتوى، والفاعلية الذاتية، والرضى في البيئات الأكاديمية التقليدية، ولكنَّها تُعَدُّ أساسية ضمن سياق المؤسسات؛ إذ يزداد استعداد الفرد لمتابعة التدريب والتعلم عندما يخوض تجارب تدريب تخلِّف في نفسه أثراً طيباً، ولكنَّه بالمقابل يفقد رغبته بمتابعة التدريب عندما تكون تجربته سلبية.

يجري تحفيز الموظفين على التعلم في بيئة المؤسسات، لكن يجب أن يختار الموظف التعلم المستمر في نهاية المطاف من تلقاء نفسه؛ إذ يقتضي بناء ثقافة التدريب ضمن المؤسسة التركيز على التعلم وإبراز قيمته وأهميته من أجل تزويد الموظفين بالدافع الذي يحتاجون إليه للتعلم.

يستفيد كل من العاملين والمؤسسة على حدٍّ سواء عندما يلتزم الموظف بتنمية مهاراته، وزيادة معارفه وخبراته، والاستفادة من فرص التعلم المتاحة، فيجب التركيز على فوائد التكنولوجيا الغامرة المتمثلة في الاندماج مع محتوى التدريب، والفاعلية الذاتية، والرضى من أجل تشجيع الموظفين على مواصلة التعلم والتدريب، كما يجب أن تتجه جهود فِرَق التعلم والتطوير نحو تقوية العلاقات الإنسانية، وزيادة الإنتاجية، وتعزيز قدرة الموظف على الاحتفاظ بالمعلومات المكتسَبة من أجل زيادة مستوى مشاركة الموظفين وفاعلية برامج التدريب ضمن المؤسسة.