للتغذية الراجعة الفعّالة أهمية بالغة في التدريب السريري؛ فهي تسمح للمتدربين بتحليل مدى تحسُّنهم، وتساعد المدربين في تقييم التقدم المحرَز، وتسهم في تحديد الجوانب التي تتطلب التحسين؛ إذ إنّها تساعد في تحديد الأهداف، وتقدير التقدم نحو الهدف، ومعرفة الخطوات التي ينبغي اتخاذها لتحقيق تقدم أفضل.

التغذية الراجعة

إنَّ التغذية الراجعة، إيجابية كانت أو سلبية، هي أداة تعلم فعالة، ولكنَّها تعود بنتائج عكسية إذا لم تقدَّم بطريقة صحيحة. يتجنب المدربون في المجال الطبي تقديم التغذية الراجعة لأنَّهم لا يدركون دورها في تحسين نتائج التدريب، ولا يعرفون خطوات التغذية الراجعة البنَّاءة.

مستويات التغذية الراجعة

ترتبط التغذية الراجعة بالمستويات الثلاثة التالية:

  • تقييم المهمة (على سبيل المثال: التخدير الإقليمي للأعصاب باستخدام الموجات فوق الصوتية).
  • تقييم معالجة المهمة (على سبيل المثال: فهم التركيب التشريحي للضفيرة العَضُدية في المنطقة الواقعة بين العضلات السلمية).
  • التنظيم أو التقييم الذاتي والقدرة على الاندماج أكثر في المهمة (على سبيل المثال: كيفية سير العملية، وإمكانية تحسين الأداء في المستقبل).
  • التغذية الراجعة الشخصية (على سبيل المثال: تقنية الوخز بالإبر التي يستخدمها أحد المتدربين غير فعالة).

يركز معظم المدربين على المستوى الرابع الذي لا يقدم معلومات كافية عن المهمة بحد ذاتها، ولا يسهم في تعزيز اندماج المتدربين، وكفاءتهم الذاتية، وفهمهم، والتزامهم بالتعلم.لا تحسِّن التغذية الراجعة الشخصية التعلم إلا إذا أدت إلى تعزيز اندماج المتدربين أو كفاءتهم.

دليل شامل لتقديم التغذية الراجعة للمتدربين

التوقيت المناسب لتقديم التغذية الراجعة

اعتماداً على نوع التدريب، يمكن تقديم التغذية الراجعة إما أثناء الجلسات، أو في وقت لاحق بعد انتهائها.

1. الأداء في مهمة أو مهارة محددة

من الأفضل تقديم التغذية الراجعة فوراً وبطريقة غير رسمية إذا كانت حول أداء المهام، بينما يُنصَح بتقديمها في ما بعد عند مناقشة آلية معالجة المهمة. كما يعتمد التوقيت الأمثل لتقديم التغذية الراجعة على مدى تعقيد المهمة المطروحة؛ إذ تتطلب المهام الصعبة مزيداً من المعالجة. بالتالي، يوفر تقديم الملاحظات حولها في ما بعد فرصةً لتحليلها بالتفصيل، أما توجيه الكثير من الملاحظات إلى المتدربين فوراً، فقد يؤدي إلى إرباكهم، وعدم القدرة على الاحتفاظ بهم.

2. الدورة التدريبية

يجب ترتيب جلسة طويلة لتقديم تغذية راجعة مفصلة في منتصف الدورة التدريبية؛ ولكن إذا دعت الحاجة إلى معالجة سلوك ما، فيجب تقديم التغذية الراجعة في أقرب وقت ممكن، وذلك كي يتسنّى للمتدرب حل المشكلة قبل نهاية الدورة.

3. البيئة التي تقدَّم فيها التغذية الراجعة

يجب أن تكون العلاقة بين المدرب والمتدربين قائمة على الثقة المتبادلة والاحترام، وأن يكونا شريكين في العملية. يُفضَّل تقديم التغذية الراجعة على انفراد، ويُستحسَن أن تراعي الخلفية الثقافية للمتدرب.

على سبيل المثال: يفضل المتدربون الذين ينتمون إلى ثقافات تقدِّر الجماعة تلقي التغذية الراجعة ضمن مجموعات، بينما يفضل المتدربون المنتمون إلى مجتمعات قائمة على الثقافة الفردية التغذية الراجعة التي تركز على الأفراد.

نماذج تقديم التغذية الراجعة

1. تقديم التغذية الراجعة خطوة بخطوة

إنَّه أبسط نموذج لتقديم التغذية الراجعة، ويقوم على تقديم الملاحظات حول كل محور من محاور التدريب خطوة بخطوة وفق ما تقتضي الحاجة. يُعد هذا النموذج مناسباً لجلسات التغذية الراجعة الفردية والقصيرة.

2. أسلوب "الشطيرة" في تقديم التغذية الراجعة

يقدم المدرب ملاحظات إيجابية في البداية، ثم يتبعها بنقد بناء حول الأداء، ويختتمها في النهاية بثناء. يتقبّل المتدربون النقد بهذه الطريقة، ولا يشعرون بالإحباط. لكن، الجانب السلبي لهذا النموذج هو أنَّ المتدربين أحياناً يركزون على الملاحظات السلبية أكثر من الإيجابية.

3. قاعدة بندلتون (Pendleton’s Rule)

وضع الطبيب "ديفيد بندلتون" (David Pendleton) النموذج التالي في عام 1984 لتقديم التغذية الراجعة:

  • يذكُر المتدرب الأمور التي سارت على ما يرام.
  • يذكُر المدرب الأمور التي أتقنها المتدرب.
  • يذكُر المتدرب الجوانب التي تتطلب التحسين.
  • يحدد المدرب الجوانب التي تتطلب التحسين، وكيفية تحقيق ذلك.

تعزز قاعدة بندلتون التأمل الذاتي، وتشجع على التواصل. تفيد هذه القاعدة في تقديم التغذية الراجعة المتعلقة بالمهارات العملية، ولكنَّها أسلوب صارم للغاية.

4. التحليل المستند إلى جدول الأعمال والنتائج

يقوم هذا النموذج على تحديد جدول أعمال المتدربين منذ البداية، والجوانب التي يحتاجون إلى المساعدة فيها؛ إذ يركز المدرب على النتائج التي يرغب المتدرب بتحقيقها عند تقييم الأداء وتقديم التغذية الراجعة. يفيد هذا النموذج في تقديم التغذية الراجعة حول دورة تدريبية، أو عند طرح معلومات نظرية، ويمكن تعديله ليتناسب مع مهام محددة، لا سيما إذا كان مستوى المتدربين متقدماً، ويدركون مكامن ضعفهم ومتطلبات المهمة، ويسعون إلى تحسين جوانب معينة في أدائهم.

5. نموذج يركز على المتدربين

يتولّى المتدربون في هذا النموذج مسؤولية إجراءات التغذية الراجعة، بما في ذلك إعداد التغذية الراجعة والاستفادة منها، وهو نموذج مناسب للمتدربين الذين يتمتعون بالكفاءة الذاتية.

دليل شامل لتقديم التغذية الراجعة للمتدربين

مبادئ تقديم التغذية الراجعة الفعالة

  • يجب أن تكون التغذية الراجعة محددة ومبنية على الملاحظة المباشرة.
  • التركيز على أداء المتدرب في المهمة، وليس على شخصيته.
  • اختيار مفردات محددة ومحايدة وغير انتقادية.
  • التركيز على الجوانب الإيجابية والتوصيف بدل النقد والتقييم.
  • تقدير السلوك الإيجابي، مما يعزز ثقة المتدربين بمهاراتهم.
  • تسليط الضوء على الجوانب التي تحتاج إلى تحسين.
  • اختتام التغذية الراجعة بخطة عمل.

التغذية الراجعة غير الرسمية الفعالة

تساعد الأسئلة التالية المدربين في تقديم التغذية الراجعة غير الرسمية حول أي نشاط تعليمي:

  • هل سارت العملية وفقاً للخطة؟ اذكر الأسباب في حال عدم حدوث ذلك؟
  • لنفترض أنَّك خضعت للتدريب مرةً أخرى، ما هي الخطوات التي ستكررها، وتلك التي ستغيرها؟ ولماذا؟
  • هل شعرت بالتردد أو الثقة أو عدم القدرة على القيام بالمهمة؟ وما هو موقفك إذا قمت بالإجراء مرة أخرى؟
  • ما الذي تعلمته من هذه التجربة؟

يؤدي تقديم التغذية الراجعة حول أداء المتدربين إلى انتقالهم من مستوى المبتدئين إلى مستوى الخبراء خلال المراحل الأربع التالية:

المراحل

المتدربين

دور التغذية الراجعة

عدم الكفاءة اللاواعي

عدم إدراك مكامن الضعف.

مساعدة المتدربين في تحديد مكامن الضعف.

عدم الكفاءة الواعي

إدراك مكامن الضعف، والافتقار إلى المهارات اللازمة لتحسينها.

مساعدة المتدربين في تحديد المهارات وتحسينها.

الكفاءة الواعية

إظهار الكفاءة، لكن دون إتقان تام للمهارات.

مساعدة المتدربين في تحسين مهاراتهم، وتشجيعهم من خلال التغذية الراجعة الإيجابية.

الكفاءة اللاواعية

إنجاز المهام تلقائياً دون تفكير.

تعزيز نقاط القوة، وتحديد مكامن الضعف.

الأخطاء الشائعة عند تقديم التغذية الراجعة

  • تقديم التغذية الراجعة عندما لا يطلبها المتدربون، أو عندما لا يتقبلونها.
  • ذكر الأخطاء السابقة (ما لم يكن الهدف من ذلك هو معالجة سلوك متكرر).
  • التركيز على شخصية المتدربين من خلال انتقاد العيوب الشخصية بدل معالجة مشكلة الخلل في الأداء.
  • تقديم التغذية الراجعة السلبية أمام الناس.
  • إرباك المتدربين بكثرة المعلومات.
  • إعطاء التغذية الراجعة عند الغضب.
  • تقديم التغذية الراجعة فوراً عند حدوث موقف خطير. في هذه الحالة، يجب تقديم الدعم العاطفي للمتدربين أولاً، وتأجيل التغذية الراجعة لوقت لاحق.

في الختام

يُعد تقديم التغذية الراجعة الفعّالة جزءاً أساسياً من مجال التعليم الطبي، ويعود بفوائد جمة على المدربين. يتطلب تعلم تقديم التغذية الراجعة الفعّالة الممارسة، كما يجب أن تكون جزءاً لا يتجزأ من الثقافة التنظيمية، وهي ضرورية لتحسين معايير الرعاية الصحية.