إذا أردنا اكتساب المرونة خلال هذه الأوقات المضطربة، فيجب اعتماد منهجية عمل تركز أكثر على الإنسان.

لقد كان هذا العام صعباً على الجميع؛ فقد عانى معظمنا من الاضطرابات في حياتنا اليومية، ولكن كما هو الحال مع كل تجارب الحياة، تأثَّر كل واحد منا بشكل مختلف؛ فبالنسبة لبعضنا، كان الوباء يعني العزلة والشعور بالوحدة؛ واعتلال الصحة والحزن بالنسبة للآخرين.

لقد دفعتنا الظروف في بعض الأحيان إلى مستويات جديدة من اليأس؛ حيث بدا لنا أنَّ التعافي من المحن يحتاج إلى قوة خارقة لا يمتلكها أحد، لكن هذا ببساطة ليس صحيحاً.

في أثناء الوباء، أظهرت إحصاءَات مؤسسة الصحة العقلية أنَّ 64٪ من الناس يتكيفون بشكل جيد، في حين يستخدم 90٪ منهم تقريباً استراتيجيات تساعدهم في الحفاظ على هدوئهم.

هذه الاستراتيجيات هي ما يجعل الناس مرنين؛ فقدرتنا على تعلم تقنيات المواجهة التي تساهم في سلامة الصحة العقلية هي ما يسمح لنا بالتكيف والنمو؛ فالمرونة في مكان العمل أمر بالغ الأهمية، ولكنَّها لا تعني أن تعمل مثل الآلة وتتخلى عن مشاعرك، والأمر الجيد هو أنَّه يمكنك اكتسابها من خلال التدريب.

لماذا المرونة هامة في العمل؟

تُعدُّ المرونة صفة مطلوبة للغاية في المتقدمين للوظائف؛ إذ تُمثِّل القدرة على التعافي من المحن والتعامل مع مفاجآت الحياة، وهي ضرورية للصحة العقلية والسعادة.

في معظم الوظائف، لا يشبه أي يوم عملٍ سابقه؛ فقد تحدث أزمات وقد يرتكب الموظفون بعض الأخطاء، ولكن لا بأس بذلك؛ فالمرونة لا تعني الكمال أو عدم ارتكاب الأخطاء؛ بل تعني التفكير بهدوء عند البحث عن حلول والتعلم من التجارب.

إنَّ القدرة على التعامل مع التوتر بشكل جيد أمر بالغ الأهمية في العمل؛ حيث تساعدك على تجنب الإنهاك وتحسين علاقات العمل وتعزيز الثقة.

التدرب على المرونة

بالطبع، لن تلقى مطالبة الفريق بالتعامل مع التوتر بشكلٍ أفضل ترحيباً منهم، وبالتأكيد لا يُعَدُّ بدء ذلك أمراً سهلاً، ومع ذلك يمكنك تدريب فريقك على المرونة؛ إذ غالباً ما يتعلق تدريب المرونة الشخصية بتعلُّم كيفية التعامل مع التوتر، ويبدأ هذا بالتعرف إلى المسببات التي قد تشمل عبء العمل الثقيل، والنزاعات في العمل، وانعدام الأمان الوظيفي، وفي الوقت الحالي؛ جائحة كورونا.

من الهام أيضاً تدريب الموظفين على التعرف إلى علامات التوتر التي قد تشمل الشعور بالقلق، وسرعة الغضب، والإرهاق، والاكتئاب؛ وقد لا يظهر التوتر بوضوح، لذلك في بعض الأحيان قد لا يدرك الشخص أنَّه يعاني منه إلا بعد فوات الأوان وبعد أن يصبح منهكاً تماماً، فالكثير من الناس -الذين يحاولون بيأس الحفاظ على مظاهر الهدوء- ليسوا مستعدين لمواجهة قلقهم.

يوفر تدريب المرونة للموظفين نصائح للتغلب على مسببات التوتر والتعامل مع الأعراض؛ فإن كان السبب عبارة عن عبء عمل ثقيل، فسيكون من المفيد تعليم الفريق كيفية إدارة قوائم المهام والأولويات؛ فتحديد الأولويات ليس أمراً بديهياً دائماً، وفي بعض الأحيان يحتاج أعضاء الفريق إلى معرفة ما هو عاجل وما يمكن تأجيله حتى يوم غد؛ فقد يكون هناك شعور ضغط عمل كبير على عاتقهم. لذا فإنَّ إنجاز المهام الأطول والأصعب في الصباح الباكر، عندما يكون المرء نشيطاً ومتحمساً بعد فنجان قهوة الصباح، قد يجعل فترة بعد الظهر أقل حدة.

أما إذا كان الموظفون يعانون من النزاعات في العمل، فمن الهام التأكيد على أنَّ التواصل هو المفتاح؛ إذ يجب أن يغرس تدريب المرونة الثقة بالنفس في الفريق حتى يعرف الموظفون أنَّه لا ينبغي الخوف من مناقشة قضايا مثل النزاعات أو المخاوف المتعلقة بالصحة العقلية مع المديرين؛ إذ غالباً ما يتوتر الناس بشأن مناقشة مثل هذه الأمور لأنَّهم يظنون أنَّها من المحرمات؛ ولكن يجب إزالة هذه الاعتقاد المغلوط من مكان العمل.

بالطبع، لا يمكن تعلم كل شيء يتعلق بالمرونة؛ حيث يجد بعض الناس أنَّه من الأسهل استعادة عافيتهم والتعامل مع التوتر، وقد يكون هذا بسبب عامل وراثي أو تجارب الحياة.

إذا كان الموظفون يعانون بشدة من القلق ويعانون بالفعل من أعباء العمل والحياة في الوقت الحالي، فيجب ألا ننسى أنَّنا نمر بظروف قاهرة فرضها علينا الوباء، ومن الضروري إعلام الموظفين بالدعم المتاح؛ إذ يجب ألا يشعر الفريق بغياب المنتور في مكان العمل؛ لأنَّ هذا سيزيد من خطر فقدان السيطرة على التوتر أو الانهيار؛ لذا قد تكون برامج مساعدة الموظفين مصدراً مفيداً حقاً؛ لأنَّها غالباً ما تتضمن خدمات استشارية وأدوات ونصائح مفيدة للتعامل مع التوتر.

لا بأس بألا تكون على ما يرام

الأهم من ذلك، يحتاج الفريق إلى معرفة أنَّ الحصول على بضعة أيام إجازة من العمل هو أمر جيد، فيمكن للتدريب على المرونة وسرعة التكيف أن يسبب القلق للموظفين في بعض الأحيان، وذلك بسبب استخدام الكلمة غالباً في السياق الخطأ؛ حيث ترتبط بالهدوء والتماسك وعدم الشعور بالقلق في جميع الأوقات؛ ولكن في الواقع يتعلق الأمر بالقدرة على التكيف مع مفاجآت الحياة.

لا ينبغي أن يُشكِّل العمل مصدر قلق بالنسبة لنا، لا سيَّما أنَّ العديد منا لديه الكثير من الالتزامات والأمور الهامة في حياته في الوقت الحالي.

بالطبع، من الهام أن يُقدِّم أعضاء الفريق أفضل ما في وسعهم، ولكنَّهم بحاجة أيضاً إلى التفكير في الصورة الأكبر؛ وهذا يعني معرفة متى يجب التوقف عن العمل والعناية بصحتنا وعافيتنا، بما في ذلك الأساسيات، مثل النوم الجيد ليلاً وممارسة الرياضة التي غالباً ما نُهملها عندما نكون مهووسين بالعمل؛ لذا ذكِّر موظفيك بأنَّهم أولوية بالنسبة لك، وعندما يُدركون ذلك، يصبح اكتساب المرونة سهل المنال.