تهمل بعض المؤسسات المهارات الناعمة مثل مهارات التواصل، وتعطي الأولوية للمهارات الصلبة مثل المؤهلات والخبرات الخاصة بقطاع معيَّن، لكن تدرك مزيد من المؤسسات في الوقت الحاضر أهمية المهارات الناعمة في مكان العمل، وضرورة التوفيق بينها وبين المهارات الصلبة من أجل تعزيز مستوى تفاعل وتعاون الفِرَق وزيادة فاعلية العمل؛ إذ تؤثر المهارات الناعمة على قدرة الفرد على تطبيق المهارات الصلبة، وكيفية تفاعله وتعاونه مع زملائه في العمل؛ لذا يبحث المقال في تدريبات المهارات الناعمة وفوائدها وأساليب إعدادها وتطبيقها.

تدريبات المهارات الناعمة:

تركز تدريبات المهارات الناعمة على تنمية القدرة على التواصل، والعمل بروح الفريق الواحد، وحل المشكلات، بخلاف المهارات الصلبة التي تركز على الإمكانات التقنية، وتشمل المهارات الناعمة الأخرى الذكاء العاطفي، والموقف الإيجابي، واتخاذ زمام المبادرة، ولا تحظى المهارات الناعمة بالتقدير الكافي في بعض بيئات العمل، على الرغم من أنَّها لا تقل أهمية عن نظيرتها الصلبة.

لا ترتبط المهارات الناعمة بالمؤهلات التقنية المطلوبة في قطاع أو وظيفة ما؛ وإنَّما تتعلق بالسمات الشخصية والسلوكية، فيمكن تعلُّم المهارات الصلبة مثل تحليل البيانات، أو إعداد التقارير، أو القدرة على إجراء العمليات الرياضية بسهولة نسبية، في حين يتطلب إجراء تدريبات المهارات الناعمة كثيراً من الوقت والجهد؛ لأنَّه يقتضي تعلُّم طرائق تفكير وسلوكات جديدة.

يصعب من ناحية أخرى تقييم مدى فاعلية تدريبات المهارات الناعمة ضمن مكان العمل بسبب عدم وجود معايير محددة لقياس نتائج التدريب؛ إذ ينجح التدريب في تحقيق الأهداف المطلوبة عند إعداد خطة فعالة ومدروسة لتنمية المهارات الناعمة، واختيار منصة تعلُّم إلكتروني مناسبة.

فوائد تدريبات المهارات الناعمة:

أصبحت الشركات تهتم بتقييم المهارات الناعمة عند اختيار المرشحين للوظائف؛ إذ تسهم هذه المهارات في زيادة قدرة القوى العاملة على التأقلم مع التغيرات في القطاع، فضلاً عن دورها في تحفيز الموظفين، وتعزيز مستوى التعاطف والتعاون فيما بينهم، وفيما يأتي 5 فوائد لتدريبات المهارات الناعمة:

1. تعزيز الألفة والتعاون بين أعضاء الفريق الواحد:

يسهم تحسين المهارات الأساسية مثل التواصل والقدرة على العمل بروح الفريق الواحد في تعزيز التعاون وتقوية العلاقات وزيادة فاعليتها، وهو ما يؤدي بدوره إلى تحسين إنتاجية الفريق.

2. زيادة قدرة القائد على التعاطف مع الموظفين:

المهارات الناعمة ضرورية للعاملين في كافة مستويات المؤسسة، وهذا ينطبق على المناصب القيادية؛ إذ إنَّ القائد الذي يتمتع بمهارات ذكاء عاطفي ويعرف كيف يتعامل ويتواصل بفاعلية مع الآخرين، ينجح في استثمار إمكانات ومهارات الموظفين في تحقيق أهداف المؤسسة بفضل قدرته على تفهُّم احتياجاتهم وبناء علاقات هادفة.

3. زيادة مستوى رضى وسعادة الموظفين ومعدلات الاستبقاء ضمن المؤسسة:

إنَّ استثمار الوقت والمال في إجراء تدريبات المهارات الناعمة يثبت أنَّك تهتم بتنمية الموظفين وتسعى إلى تزويدهم بالمهارات اللازمة لتحسين أدائهم في العمل وزيادة مستوى رضاهم عن الوظيفة، وتساهم تنمية المهارات الناعمة الأساسية في إنشاء بيئة عمل مرضية ومريحة، وهو ما يؤدي بدوره إلى زيادة معدلات الاحتفاظ بالموظفين.

4. تحسين جودة الخدمات وزيادة رضى العملاء:

يتعلم الموظفون خلال تدريبات المهارات الناعمة أساليب وتقنيات التواصل الفعال وكيفية التعامل مع المشكلات بثقة عالية، إضافة إلى تنمية مهارات الإصغاء والتعاطف التي تُعَدُّ ضرورية عند التعامل مع الزبائن والعملاء، ولا سيما عند التعرض لموقف صعب أو مشكلة معقدة.

5. تعزيز القدرة على حل المشكلات:

يستفيد الموظف من تدريبات المهارات الناعمة في تعزيز قدرته على حل المشكلات، ويصبح بإمكانه التعامل مع الأزمات بأساليب وتقنيات جديدة ومبتكرة، والتواصل والتعاون مع الآخرين بفاعلية من أجل معالجة التحديات الماثلة أمامه، وتطبيق الحلول البديلة.

المهارات الناعمة الأساسية لتحسين أداء الموظفين:

لا تقتصر فوائد تدريبات المهارات الناعمة على زيادة مستوى رضى وسعادة الموظفين؛ وإنَّما تسهم هذه التدريبات من ناحية أخرى في تحسين أدائهم، وفيما يأتي بعض المهارات الناعمة الأساسية لتحسين أداء الموظف:

1. التواصل:

مهارات التواصل هامة جداً للعاملين في جميع مستويات المؤسسة سواء من أجل إجراء عمليات التواصل العادية اليومية بين أعضاء الفريق، أم التفاعل مع العملاء والزبائن، وفي جميع الأحوال، تؤدي مهارات التواصل دوراً بارزاً في زيادة فاعلية وكفاءة العمل، وبناء الألفة وتعزيز التعاون بين العاملين في المؤسسة.

2. العمل الجماعي:

العمل الجماعي مهارة ضرورية لكافة أعضاء الفِرَق، ولا سيما ضمن بيئة المؤسسة؛ إذ تساهم تدريبات المهارات الناعمة في مساعدة الموظفين على إدراك نقاط القوة والضعف عندهم، وتعلُّم تقنيات التواصل والتعاون مع باقي أعضاء الفريق لتحقيق أهداف المؤسسة.

3. إدارة الوقت:

مهارات إدارة الوقت ضرورية لزيادة فاعلية العمل وتوفير النفقات، فقد تنخفض فاعلية العمل ويقل مستوى رضى العملاء عند قضاء وقت طويل في العمل على مهمة معيَّنة على حساب واحدة أخرى، ويمكن الاستفادة من تدريبات المهارات الناعمة في تعليم الموظفين تقنيات إدارة الوقت وأساليب التوفيق بين مجموعة مختلفة من المهام.

كيفية إجراء تدريبات المهارات الناعمة:

يُفضَّل البدء بتحديد الاحتياجات التدريبية عند إعداد البرنامج عن طريق إجراء محادثات مع الموظفين في كافة مستويات المؤسسة للاستعلام عن نقاط الضعف في مهاراتهم، والتشاور مع الإدارة لتحديد الاحتياجات التدريبية التي تتكرر في جلسات تقييم الأداء مثل مهارات التواصل والتنظيم.

تقتضي الخطوة التالية تحديد صيغة وطريقة إجراء تدريب المهارات الناعمة، فقد يتم التدريب عن طريق إجراء جلسات على أرض الواقع، أو استخدام "نظام إدارة تعلم" (LMS) لترتيب تدريب تفاعلي عبر الإنترنت، كما يمكن الدمج بين الأسلوبين السابقين والاستفادة من ميزات التعلُّم المُدمَج.

يتم بعد ذلك اختيار "أداة تأليف" (authoring tool) توفِّر الميزات اللازمة لتنمية المهارات الناعمة للموظفين، ويعتمد اختيار الأداة على تجاربك السابقة في استخدام أدوات التأليف، والميزانية المتوفرة لديك، ومدى تعقيد البرنامج، وطبيعة المهارات الناعمة التي يركز عليها التدريب، لهذا السبب يُنصَح باختبار النسخ التجريبية المجانية لعدد من أدوات التأليف من أجل اختيار الحل الأمثل.

قد تباشر بعد ذلك عمليات إعداد محتوى التدريب باستخدام القوالب الجاهزة التي تقدِّمها "أداة التأليف" أو عن طريق بناء نموذج جديد خاص بك؛ إذ يتطلب نجاح المحتوى في تحقيق الأهداف المطلوبة التعاون مع خبراء المادة في قسم التدريب والتطوير وفِرَق الموارد البشرية، ويمكنك أن تستخدم تقنيات تفاعلية تساعد على الحفاظ على انتباه وتركيز المتدربين مثل الاختبارات، ومقاطع الفيديو، وتقديم حالات ومواقف واقعية تحتاج إلى حلول عملية واتخاذ قرارات منطقية.

قد ترفق التدريبات الإلكترونية بجلسات كوتشينغ فردية، أو ورشات عمل، أو برامج منتورينغ تجري بين الزملاء على سبيل المثال.

استخدام "التعلُّم الإلكتروني" (elearning) في تدريبات المهارات الناعمة:

يمكن استخدام "التعلُّم الإلكتروني" في المؤسسات لتنمية المهارات الناعمة للموظفين؛ إذ يتيح "التعلُّم الإلكتروني" للموظفين إمكانية إجراء التدريب بالسرعة والكيفية التي تناسبهم، كما أنَّه يسمح لهم باختبار مهاراتهم الناعمة عن طريق التدريب القائم على السيناريو، ويقدِّم هذا النوع من التدريب فرصة للتعامل مع مواقف العمل الواقعية، وفيما يأتي 3 فوائد لاستخدام التعلُّم الإلكتروني في تنمية المهارات الناعمة للموظفين:

1. تجزئة محتوى التدريب إلى وحدات صغيرة سهلة الاستيعاب:

لا يمكن اكتساب المهارات الناعمة بين ليلة وضحاها؛ لأنَّها تتطلب إجراء تغييرات سلوكية نوعية وتدريجية عن طريق التكرار والتدريب المستمر؛ إذ يتيح التعلُّم الإلكتروني للموظفين إمكانية الوصول الدائم إلى وحدات صغيرة من المحتوى عن طريق الحاسب المحمول أو الهاتف الذكي وغيرها من الأدوات التكنولوجية الحديثة، ولا يتعارض التدريب في مثل هذه الحالة مع مهام العمل اليومية؛ وإنَّما يصبح جزءاً طبيعياً من روتين وعادات الموظف.

2. توفير تقنيات مبتكرة وممتعة:

يتيح التعلُّم الإلكتروني للموظفين إمكانية المشاركة في تجارب افتراضية، والإجابة عن الأسئلة في الزمن الفعلي، واختبار مهاراتهم الناعمة، إضافة إلى ميزات تلقِّي التغذية الراجعة المباشرة، وتقييم الأداء بغية تحديد المهارات التي تحتاج إلى مزيد من التدريب.

3. التعلُّم عن طريق الملاحظة:

تُعَدُّ مقاطع الفيديو تقنية فعالة لتلقين المهارات الناعمة؛ وذلك لأنَّها تتيح للمتدرِّب إمكانية ملاحظة المهارات الناعمة في حالات ومواقف حقيقية، وهو ما يشجعه على تطبيقها في حياته اليومية، فيتخيل الموظف نفسه في الموقف أو المشكلة التي يطرحها مقطع الفيديو، ويفكر في طريقة استجابته وتصرفه في مثل هذا الوضع، وهو ما يساعده على تنمية مهاراته الناعمة.

تصميم تدريبات المهارات الناعمة:

فيما يأتي 4 مكونات لتدريبات المهارات الناعمة:

1. وحدات تدريب المهارات الناعمة:

قد تتضمن وحدات تدريب المهارات الناعمة العناصر الآتية:

  • دراسات حالة أو مواقف واقعية تبيِّن طبيعة المهارات الناعمة في الممارسة العملية، إضافة إلى آلية تأثير هذه المهارات في الآخرين.
  • مقاطع فيديو حية توضح التطبيق الأمثل والأسوأ للمهارات الناعمة حتى يدرك الموظف الفرق بين الحالتين، ويتقن المهارات الناعمة عن طريق الملاحظة.
  • مقاطع فيديو تفاعلية تطرح مسألة أو مشكلة ما على لسان شخصيات حية، وتطلب من المتدرِّب اتخاذ القرار بالاعتماد على مهاراته الناعمة، ويتم عرض نتائج القرار على الشخصيات في السيناريو، وهذا يساعد المتدرِّب على فهم كيفية تطبيق مهاراته الناعمة في الحياة العملية.
  • استطلاعات الرأي الاجتماعية التي تطلب من المتدربين الإجابة عن سؤال معيَّن ومقارنة إجاباتهم مع إجابات أقرانهم؛ إذ تهدف هذه الأسئلة إلى توضيح الحالات المعقدة التي يصعب إيجاد حلول محددة للتعامل معها باستخدام المهارات الناعمة.
  • التقييمات الموجودة في نهاية الوحدة التي تهدف إلى ترسيخ المعلومات المكتسبة والتأكد من أنَّ المتدربين مستعدين لتطبيق المهارات في الحياة العملية.
  • التعلُّم المصغر الذي يتم عن طريق تقديم وحدات صغيرة من المحتوى عبر الإنترنت، بحيث يستطيع المتدرِّب أن يصل إلى مواد التدريب عبر الأجهزة المحمولة.

2. أمثلة تدريبات المهارات الناعمة:

فيما يأتي 4 أمثلة عملية عن تدريبات المهارات الناعمة:

  • إجراء تدريبات وقائية وتفاعلية عن طريق مناقشة حالات ومواقف يمكن أن يتعرض لها الموظف في مكان العمل.
  • تدريبات إدارة الموظفين والأداء عن طريق استطلاعات الرأي الاجتماعية.
  • تطبيق التعلُّم المصغر على المهارات المطلوبة ولتكن مهارات البيع على سبيل المثال من أجل تحسين الأداء.
  • تدريبات الدعم العاطفي باستخدام مقاطع الفيديو التفاعلية.

3. مواد تدريبات المهارات الناعمة:

فيما يأتي 3 أمثلة عن مواد التدريب المستخدمة لدعم الموظفين:

  • مستندات تتضمن حقائق يستطيع الموظف أن يستعين بها خلال التدريبات التي تجري في موقع العمل، وتلخص هذه المستندات العناصر المكونة للمهارات الناعمة.
  • كتب تمرينات تساعد الموظفين على تطبيق المهارات المكتسبة.
  • سجل خاص بالكوتش والمدير من أجل تدوين الملاحظات وتقديم تغذية راجعة عن أداء المتدرب ومستوى تقدُّمه.

4. برامج تدريبات المهارات الناعمة:

يمكن إعداد برامج تدريب شاملة لتقنيات التعلُّم على أرض الواقع وعبر الإنترنت. على فرض أنَّك تجري تدريباً لتنمية مهارات الإصغاء الفعال لدى موظفي المبيعات في أثناء التواصل مع الزبائن، عندئذٍ قد تستفيد من الأفكار الآتية:

  • تقديم الجزء الأكبر من المعلومات على شكل وحدات عبر "التعلُّم الإلكتروني"، وقد يشمل المحتوى شرحَ معنى الإصغاء الفعال، وتعداد المهارات اللفظية وغير اللفظية التي ينطوي عليها، وعرض مقاطع فيديو تبيِّن التطبيق العملي للمهارات الناعمة.
  • استخدام تقنية تقمص الأدوار ضمن ورشات العمل الصفية لتحفيز المتدربين على تطبيق مهارات الإصغاء الفعال، ويمكن تقسيم المتدربين إلى أزواج، وإعطاؤهم موضوعات للمحادثة، وتكليفهم بتأدية أدوار البائع والزبون؛ إذ يحتاج الموظف الذي يؤدي دور "البائع" إلى تطبيق مهارات الإصغاء الفعال عن طريق المحافظة على التواصل البصري، وتذكُّر الأفكار الرئيسة التي تحدَّث عنها الزبون، كما يقدِّم المشاركون تغذية راجعة لبعضهم في نهاية التمرين.
  • تزويد المتدربين بقائمة مرجعية رقمية تحتوي على الإشارات اللفظية وغير اللفظية التي يجب إبداؤها خلال الإصغاء الفعال، وقد يراجع الموظف هذه القائمة قبل إجراء محادثة مع زبون حقيقي على أرض الواقع.
  • إصدار دفاتر عمل للمتدربين، لكي تتيح لهم إمكانية تقييم أدائهم في أثناء تعاملهم مع العملاء، كما يمكن تزويد الكوتش أو المدير بدفتر ملاحظات لتقييم أداء المتدربين.
  • إرسال رسائل بريد إلكتروني منتظمة إلى المتدربين من أجل تذكيرهم بالمحاور الرئيسة للتدريب، ومن أمثلة الرسائل البسيطة "هل تصغي إلى الزبائن باهتمام؟ تذكر أنَّ الإصغاء الفعال يتطلب منك أن تكون صبوراً، وتحرص على فهم مقصد الزبون، ولا تقاطعه أو تحاول تغيير مجرى الحديث قبل أن ينتهي من كلامه"؛ إذ تساعدهم هذه الرسائل على تذكُّر محاور التدريب واكتساب تغييرات سلوكية طويلة الأمد.

تكلفة تدريبات المهارات الناعمة:

تعتمد تكاليف تدريبات المهارات الناعمة على مدى حجم وتعقيد المشروع، إضافة إلى طريقة تقديم المحتوى، فيجب أن تحرص على استخدام "أداة تأليف" تقدِّم ميزات توطين إذا كنت تنوي تعديل المحتوى واستهداف جماهير عالمية، وتساعدك هذه الأدوات على توفير الوقت والتكاليف.

في الختام: 

قدمنا لكم في هذا المقال معلومات قيمة حول المهارات الناعمة وأهميتها في مجال العمل، وأيضًا سلّطنا الضوء على بعض الفوائد التي تنجم عن تطوير هذه المهارات وكيف يمكن تنفيذ تدريبات المهارات الناعمة.