دعا رئيس الوزراء البريطاني "ريشي سوناك" (Rishi Sunak) إلى "الاستفادة من الإمكانات الاستثنائية التي يقدمها "الذكاء الاصطناعي" (AI) لتحسين حيوات الأفراد"، فإنَّ استخدام "الذكاء الاصطناعي" في الحياة اليومية، والعمل، والنشاطات الترفيهية يشكل تحدياً وفرصة في آنٍ معاً بالنسبة إلى الشركات، وذلك على نطاق يمكن أن يتجاوز انتشار الإنترنت بحد ذاته.

أخذت الشركات على عاتقها مهمة استكشاف وتجريب أدوات "الذكاء الاصطناعي" واختبار مدى كفاءتها في زيادة فاعلية إجراءات العمل، وتعتمد فاعلية هذه المبادرات على مدى اهتمام المؤسسات بتدريب القوى البشرية وتأهيل الموظفين للتعامل مع هذه التقنيات المتطورة.

الضغوطات التي أحدثها "الذكاء الاصطناعي":

كشف أحد تقارير مؤسسة "غولدمان ساكس" (Goldman Sachs) أنَّ "الذكاء الاصطناعي" يمكن أن يلغي 300 مليون وظيفة في مختلف القطاعات، في ظل وجود توجيهات صارمة من قبل الناشطين، والاتحادات، وأعضاء البرلمانات وتشديدهم على ضرورة إخضاع "الذكاء الاصطناعي" للرقابة عند تطبيقه في مكان العمل.

صرَّح ما يزيد عن ثلثي رجال الأعمال في "المملكة المتحدة" (UK) أنَّ القوى العاملة لديهم تفتقر للمهارات الرقمية اللازمة لتحقيق أهداف الشركة.

أصبحت تقنيات "الذكاء الاصطناعي" تتطور بسرعة هائلة ومخيفة بالنسبة إلى بعض العاملين الذين يحتاجون إلى تطبيق هذه الأدوات في مهامهم الوظيفية، وهو ما أدى إلى فرض مزيد من الضغوطات على فِرَق الموارد البشرية و"التعلُّم والتطوير" (L&D) المسؤولة عن مواكبة التغيرات في قطاع العمل.

يمكن أن تفقد الشركات قدرتها على المنافسة في السوق، ويعاني الموظفون من افتقارهم للمهارات اللازمة لتحقيق التقدم المهني عندما لا تكون تدريبات المهارات الرقمية مُحدَّثة ومواكبة للتطورات التقنية الحالية.

استعداد الموظفين لتطبيق تقنيات "الذكاء الاصطناعي":

لقد أُثبتَت فوائد "الذكاء الاصطناعي" في زيادة فاعلية العمل ضمن عدد من القطاعات، ويُذكَر منها استخدام تقنية "تعلم الآلة" (machine learning) في مجال الرعاية الصحية، وهو ما أدى إلى زيادة دقة عمليات تشخيص الأمراض التي تعتمد على الصور الشعاعية والاختبارات الوراثية.

كما استُخدِم "الذكاء الاصطناعي" في قطاع "السلع الاستهلاكية سريعة التداول " (FMCG)، وهو ما ساعد شركات التجارة الإلكترونية والبيع بالتجزئة على تسريع عمليات إعداد محتوى مواصفات المنتجات، وتنظيم البيانات، وتصميم الهوية البصرية للعلامات التجارية.

رغم ذلك، يمكن أن يؤدي افتقار محتوى التدريب للحداثة إلى عجز الشركات عن تحقيق مزيد من النمو والأهداف التجارية في بيئات العمل التي تشهد تطورات وتغيرات متسارعة.

يشهد العالم تطوراً متسارعاً في مجال التكنولوجيا أكثر من أي وقت مضى، وهذا استدعى الحاجة لإعداد برامج تدريب تتيح للعاملين إمكانية تحديث مهاراتهم.

صرح ما يزيد عن ثلثي رجال الأعمال في "المملكة المتحدة" (UK) أنَّ القوى العاملة لديهم تفتقر للمهارات الرقمية اللازمة لتحقيق أهداف الشركة، وذلك وفقاً لأحد تقارير مؤسسة "إي كونسولتانسي" (Econsultancy)، ولا يمكن إنكار العلاقة بين المهارات الرقمية ونمو الشركة، فقد أقر 83% من المديرين التنفيذيين أنَّ هذه المهارات تؤثر في نجاح الشركة، كما أعلن 92% منهم عن حاجة شركاتهم لهذه المهارات الرقمية الجديدة في قطاع العمل.

برز "الذكاء الاصطناعي" في العصر الحديث بوصفه وسيلة لتعزيز المهارات وزيادة فاعلية العمل، فيحتاج الموظفون إلى اكتساب المهارات والمعارف الأساسية اللازمة لتحقيق أقصى فائدة ممكنة من هذه التقنيات الحديثة، وضمان جودة العمل ودقته.

تحديث برامج تدريب المهارات:

يجب أن تتغلب الشركات على المشكلات التي تحد من فاعلية برامج تدريب المهارات، مثل ارتفاع تكاليف المواد والمحتوى وعدم توفر الوقت اللازم لإجراء التدريب.

إنَّ التغلب على هذه التحديات ضروري من أجل تقديم برامج تدريب تساعد على فهم تطبيقات "الذكاء الاصطناعي"، وكيفية الاستفادة منه واستثماره في زيادة فاعلية العمل في الشركة.

يجب أن تعمل فِرَق "التعلُّم والتطوير" على تقييم فاعلية برامج التدريب الحالية، وتحديثها، وتحديد المهارات التي يفتقر إليها الموظفون، ومساعدتهم على اكتسابها، وإنَّ استثمار الوقت والموارد في إجراء عمليات التقييم والتحديث آنفة الذكر ضروري لنمو كل من الشركات والموظفين في آنٍ معاً.

لاحظت إدارة الشركات أنَّ تطبيق برامج التعليم والتدريب لتنمية المهارات الرقمية للموظفين الحاليين هو أسرع بنسبة 70%، وأكثر فاعلية في توفير التكاليف بحوالي 61% من الوسائل الأخرى مثل تعيين موظفين جدد يمتلكون المهارات اللازمة، أو تكليف جهات خارجية بتقديم الخدمات المطلوبة على سبيل المثال.

تحتاج الشركات إلى تنمية مهارات العاملين، ونشر ثقافة التعلُّم والنمو المستمر، واستثمار كافة الفرص المتاحة للتفوق على المنافسين.

يُنصَح باستخدام برامج تدريب شاملة تراعي مختلف أنماط التعلُّم، فقد أثبت هذا النهج فاعليته وتفوقه على طرائق التدريب المنفردة.

صرح المديرون التنفيذيون في الشركات أنَّ استخدام استراتيجيات "التعلُّم والتطوير" متعددة الأنماط ساهم في زيادة فاعلية العمل وتعزيز قدرة الشركة على تحقيق أهدافها.

يجب أن تشجع الموظفين على الاستفادة من تدريبات المهارات الناعمة والصلبة في داخل المؤسسة وخارجها؛ وذلك لجمع أكبر قدر ممكن من المعلومات عن تطبيقات "الذكاء الاصطناعي"، والتخلص من المخاوف والهموم المرتبطة باستخدام هذه الأدوات والتطبيقات في مكان العمل، إلى جانب التغييرات التي تحدثها في سير عمليات المؤسسة.

تساهم هذه العقلية في تشجيع الموظفين على تنمية مهاراتهم وتحديثها باستمرار بما يتوافق مع التطورات التكنولوجية، وهو ما يساعد بدوره على تحقيق أقصى فائدة ممكنة من أدوات "الذكاء الاصطناعي" وتخفيض مستويات التوتر الناجم عن استخدامها في مكان العمل.

لا يجب أن تتحمَّل فِرَق "التعلُّم والتطوير" وحدها كامل مسؤولية تحديث مهارات القوى العاملة، لا سيما أنَّ معظم أعضاء مجلس الإدارة وكبار قادات المؤسسات يدركون أنَّ تطبيقات "الذكاء الاصطناعي" ستُستخدَم في كافة العمليات والإجراءات لتسيير العمل ضمن المؤسسات في المستقبل القريب.

لهذا السبب يجب إطلاعهم على أهمية تأهيل فِرَقهم لتطبيق حلول "الذكاء الاصطناعي" بفاعلية وبما يتوافق مع الأهداف التجارية؛ وذلك عن طريق إجراء تدريبات منتظمة لتحديث المهارات.

إشراك الموظفين في إجراءات التدريب:

يمكن تحديث المهارات الرقمية للقوى العاملة وزيادة مستوى رضاهم عن العمل في الشركة في آنٍ معاً؛ وذلك عن طريق التوفيق ما بين الطموحات المهنية الحالية والمستقبلية للموظفين من جهة والأهداف المؤسساتية من جهة أخرى.

يجب أن تتعامل المؤسسات مع المخاوف الشائعة بين الموظفين عقب ظهور تطبيقات "الذكاء الاصطناعي"، مثل الخوف من فقدان الوظائف أو انخفاض عدد فرص العمل المتاحة على سبيل المثال.

يمكن التعامل مع هذه المخاوف عن طريق تطبيق برامج تدريب مصممة خصيصاً لتحفيز الموظفين وتشجيعهم على تحديث مهاراتهم وتحويل شعور الخوف من المجهول إلى فضول تجاه إمكانات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي.

لم تعد نماذج التدريب التقليدية والجامدة كافية لتلبية متطلبات التعلُّم المستمر وضمان سير تطبيق تقنيات "الذكاء الاصطناعي" بفاعلية وأمان.

كشفت الأبحاث عن استعداد معظم العاملين ورغبتهم بخوض تجارب التعلُّم المؤسساتي، ولكنَّ هذه الحماسة مرتبطة بشكل مباشر بمدى توافق برنامج التدريب مع طموحات الموظف وأهدافه، وبطريقة تقديم المحتوى، وهو ما يؤثر بدوره في مدى اهتمام العاملين بالتدريبات.

يجب الحصول على التغذية الراجعة من الموظفين لتقييم برامج التدريب وتحسينها، وخاصة عندما تحدث عمليات تنمية المهارات في مجالات تتطور باستمرار وسرعة هائلة مثل "الذكاء الاصطناعي".

يتحدث الجميع في الوقت الحالي عن "الذكاء الاصطناعي" التوليدي، لهذا السبب يمكن البدء بتطبيق برامج تدريب تشرح تطبيقاته وآلية الاستفادة منه في إجراءات العمل الحالية، وكيف يمكن أن يساهم في تعزيز إنتاجية الفِرَق.

يُفضَّل من ناحية أخرى جمع المعلومات عن آراء الموظفين بالدورات التدريبية من أجل إجراء التعديلات اللازمة وتقديم تدريبات مخصصة لاحتياجاتهم وأنماط تعلمهم.

في الختام:

ما زال الحديث جارياً عن الفوائد والتحديات التي تقدمها تقنيات "الذكاء الاصطناعي" للمؤسسات ولن تتوقف هذه النقاشات في المستقبل القريب.

تحتاج المؤسسات إلى تنمية مهارات الموظفين، وترسيخ عقلية التعلُّم والنمو المستمر، واستثمار كافة الفرص المتاحة للتفوق على المنافسين.

لم تعد نماذج التدريب التقليدية والجامدة كافية لتلبية متطلبات التعلُّم المستمر وضمان سير تطبيق تقنيات "الذكاء الاصطناعي" بفاعلية وأمان، فتحتاج المرحلة الراهنة إلى إعداد برامج تدريب متعددة الأنماط لتنمية المهارات الرقمية وضمان استمرارية الشركة ونجاحها في المستقبل.

يجب تشجيع فِرَق "التعلُّم والتطوير" على تقييم مدى استعداد الموظفين لاستخدام تطبيقات "الذكاء الاصطناعي" في مهامهم الوظيفية، واتخاذ الإجراءات اللازمة لتحسين برامج التدريب والتطوير الموجودة في الوقت الحالي.