تمرينات التفكُّر وإخراج النفس قابلة للتطبيق في مختلف بيئات التعليم والكوتشينغ والتدريب الرسمي؛ إذ تركز تقنيات التدريب في الوقت الحالي على التطبيق العملي والفاعلية، لهذا السبب تم إهمال نشاطات التفكر وصارت تُعَدُّ ثانوية مقارنةً مع التمرينات التطبيقية.

يجب التنويه هنا إلى أبرز مساهمات التفكر على مر التاريخ، مثل عكوف المناضل "نيلسون مانديلا" (Nelson Mandela) على تنمية شخصيته وطريقة تعاطيه مع الحياة ونظرته تجاه العالم في أثناء وجوده في السجن، كما حاول عالم النفس "فيكتور فرانكل" (Victor Frankl) الاستفادة من ظروفه الصعبة في استنتاج دروس وعبر حياتية قيِّمة واكتشاف الفرص المتاحة.

حلم الزعيم "مارتن لوثر كينغ" (Martin Luther King Jr) بالمساواة التي تلبي احتياجات الطبيعة الإنسانية؛ إذ تثبت هذه الشخصيات أهمية التفكر وقدرته على إحداث تغييرات جذرية على مستوى العالم والإنسانية جمعاء.

تهمل برامج التدريب في العصر الحديث تمرينات التفكر؛ وذلك لأنَّ نتائجها لا تظهر بشكل واضح على الأمد القصير، فقد أدت ثقافة تحصيل الرضى والنتائج الفورية السائدة في العصر الحديث إلى الحد من عمليات التفكير وبناء الروابط الشخصية التي تسهم في زيادة فاعلية برامج التدريب.

يحتاج المشاركون إلى توفُّر بيئة تدريب تشجع على التفكر، والتساؤل، وتحليل التجارب السابقة، واستخدام البيانات الناتجة في استيعاب مواد التدريب وتحقيق أقصى فائدة ممكنة منها؛ إذ تزيد هذه الممارسات من فاعلية التدريب واحتمالات تطبيقه في الحياة العملية لأنَّه يصبح أكثر ارتباطاً بشخصية المتدرب وحالته العاطفية.

تطبيق التفكر في برامج التدريب:

فيما يأتي 4 مراحل لتطبيق التفكر في برامج التدريب:

1. الإعداد:

يُوصى بتطبيق تمرينات التفكر في المراحل الأولى من التدريب؛ إذ يتم إعطاء المشاركين فكرة موجزة عن موضوعات البرنامج بهدف تحفيز عمليات التفكير عندهم وتشجيعهم على تكوين آراء ووجهات نظر شخصية عن محور الجلسة إلى جانب تحضير الأسئلة والاستفسارات بشكل مسبق، وهذا النشاط التمهيدي مفيد للشخصية الانطوائية التي تفضِّل الاطلاع على مواد التدريب والتفكير فيها قبل بداية البرنامج.

فيما يأتي 3 طرائق لتطبيق التمرين:

  • إعطاء ملخص موجز عن محاور التدريب قبل 2-3 أيام من موعد الجلسة.
  • إرسال بريد إلكتروني تمهيدي لتأكيد الحضور وشرح محاور الجلسة باقتضاب.
  • إجراء جلسة تمهيدية لتوضيح الالتزامات وقواعد وحدود التعامل المطلوبة خلال البرنامج.

2. تحفيز اهتمام المشاركين:

تبدأ المرحلة الثانية من التفكر بعد الإعلان عن موضوع الجلسة؛ إذ تتيح هذه الطريقة للمشاركين إمكانية تكوين أفكار ومشاعر ووجهات نظر عن موضوع التدريب قبل موعد الجلسة.

تهدف هذه التقنية إلى تحفيز مشاركة المتدربين وإثارة فضولهم واهتمامهم ورغبتهم بالحصول على مزيد من المعلومات.

فيما يأتي تقنيتان لإثارة اهتمام المتدربين:

  • تكليف المتدربين بالتفكير بكلمة أو تخيُّل صورة ترتبط بالموضوع المذكور.
  • تكليف المتدربين أن يكتبوا كيف عايشوا الحالة في الماضي.

3. تقييم سير العمل:

تبدأ المرحلة الثالثة من التفكر عند الوصول إلى منتصف برنامج التدريب؛ أي بعد مشاركة مجموعة كبيرة من مواد ومعلومات التدريب، وهي تهدف إلى مساعدة المشاركين على استيعاب المعلومات وترسيخها وتنظيمها، إضافة إلى التعامل مع المشاعر الناجمة عنها.

يفترض بعض خبراء "التعلم والتطوير" (L&D) أنَّ زيادة كمية معلومات ومواد التدريب تسهم في زيادة فاعليته، وقد يساهم هذا الأسلوب في تعزيز فاعلية التعلم المعرفي من جهة، ولكنَّه يؤدي إلى إرهاق المشاركين من جهة أخرى بسبب ضخامة المعلومات التي تفوق قدرتهم على الاستيعاب.

يجب أن يعرف خبراء التعلم والتطوير أنَّ المتدرب يستوعب ويرسخ المعلومات التي تتوافق مع معتقداته، وقيمه، وتحيزاته، وميوله، ونظرته تجاه حياته ونفسه والعالم من حوله، وهذا يعني أنَّ السماح للمتدربين بترتيب أفكارهم واستيعاب المعلومات المكتسبة يساهم في تهيئة الظروف المناسبة لتحقيق أهدافهم الشخصية من التدريب.

هذا الكلام لا ينفي فاعلية وفائدة وجود هدف رئيس للتدريب، لكن يجب مساعدة المتدرب على اكتشاف أهدافه الشخصية وربطها مع أهداف التدريب.

فيما يأتي بعض الأسئلة التي يمكن طرحها على المتدربين في هذه المرحلة:

  • ما هي الاستنتاجات التي توصلتم إليها حتى الآن؟
  • هل لديكم هموم أو مخاوف تتعلق بالتدريب؟ (في حال طرح أحدهم مشكلة ما، عندئذٍ يجب عليك أن تنوِّه إليها وتناقشها ضمن جلسة مخصصة لإجراء الاستجواب).
  • ما هي الجوانب التي تحتاج إلى مزيد من الاهتمام في التدريب؟

4. الاستجواب:

تقتضي المرحلة النهائية للتفكر إجراء محادثة لاستجواب المشاركين بعد انتهاء الجلسة، ويجب التنويه إلى أنَّ الاستجواب لا يتم عن طريق خوض محادثة سريعة أو تلخيص موجز عن التجربة؛ وإنَّما يجب تخصيص ما لا يقل عن 30 دقيقة لإجراء نقاش فعال.

تتم مناقشة التجربة مع المتدربين بغية استخلاص المعلومات اللازمة لاتخاذ التدابير المقبلة وتحسين جودة التدريب، وتزداد فاعلية هذه النقاشات عند إجرائها على نشاطات محددة بعينها.

فيما يأتي 3 مراحل لعملية الاستجواب:

المرحلة الأولى: وصف تجربة التدريب

يُطلَب من المشاركين في هذه المرحلة وصف طريقة تعاملهم وتعاطيهم مع تجربة التدريب؛ إذ يوفر هذا الإجراء بيئة مريحة وتعاونية تتيح للمتدربين إمكانية إدراك نقاط الضعف التي تحتاج إلى التحسين دون أن يشعروا بالإحراج أمام أقرانهم، كما تساعد هذه المرحلة من ناحية أخرى على اكتشاف المسائل، والمشكلات، والمشاعر التي تحتاج إلى مزيد من الانتباه قبل الشروع في تطبيق إجراءات التدريب.

المرحلة الثانية: تحديد مشاعر المتدربين

ما زال الخبراء يتعاملون مع برامج التدريب من الناحية الفكرية البحتة دون التطرق لدراسة دور التحفيز والارتباط العاطفي في زيادة فاعلية التدريب؛ إذ إنَّ تحديد مشاعر المشاركين تجاه موضوعات التدريب ضروري من أجل تحفيزهم على التفكير العميق وتكوين رؤى ووجهات نظر جديدة، فقد يكون لدى أحد المتدربين على سبيل المثال عواطف مكبوتة تجاه موضوع معيَّن، وقد يؤدي إنكار هذه العواطف السلبية إلى عجزه عن الالتزام بأهداف التدريب.

تزداد فاعلية التدريب وسهولة تطبيقه على أرض الواقع عند التركيز على التفكير العميق والاستفادة من تأثير العواطف التي تُعَدُّ القوة المحرِّكة للإنسان.

المرحلة الثالثة: تكوين استنتاجات جديدة

يكتشف المشاركون عند هذه المرحلة أفكاراً واستنتاجات جديدة تساعدهم على فهم ذواتهم وتقييم أدائهم وسلوكاتهم ضمن بيئة العمل عن طريق مقارنتها مع هذه الاستنتاجات؛ إذ تؤدي هذه الاستنتاجات والمقارنات إلى إحداث تغييرات إيجابية في حياة المتدرِّب.

في الختام:

تقنيات التفكُّر ضروريَّة لنجاح جلسات التدريب التي تهدف إلى إحداث تغييرات فعلية في حياة المشاركين، فهي تزيد من فاعلية مواد التدريب وتشجِّع المشاركين على استثمار وقتهم وجهدهم ومالهم في التجربة، وقد تزداد فاعلية التدريب وقدرة المتدربين على تطبيق المعلومات المكتسبة عندما تشجِّع برامج التدريب على عمليات التفكير والتقييم الشخصي.