لقد شهدت الأشهر الأخيرة ازدهاراً في مجال التعلُّم عبر الإنترنت، ولكن هذا لا يعني أنَّ التدريب المباشر وجهاً لوجه في طريقه إلى الزوال؛ إذ يتوقف أمر رسم ملامح مستقبل التعلُّم المدمج، والتأكد من أنَّه يقدم ما يحتاجه الموظفون، على أولئك الذين يعملون في مجال التعلُّم والتحسين (L&D).

يُعدُّ التغيير والتأقلم والمرونة جزءاً من الحياة في عالم الشركات؛ فلطالما كان إيجاد أساليب جديدة للعمل، والتأكد من نقل التعلُّم بأكبر قدر ممكن من الكفاءة والسرعة أمراً هاماً.

لقد حسَّنت بعض الشركات المهارات الداخلية اللازمة لتصميم، وتقديم جلسات التعلُّم المباشر عبر الإنترنت قبل اندلاع جائحة فيروس كورونا؛ حيث عجَّل انتشارُ الفيروس إحداثَ تغييرات واسعة النطاق في طريقة عملنا وتعلُّمنا، سواء كنا مستعدين لذلك، أم لا؛ أي بعبارة أبسط، لقد تعين علينا جميعاً التأقلم بأسرع وقت ممكن.

تصاعد دور تكنولوجيا التعلُّم:

لا يزال استخدام الندوات عبر الإنترنت، والفصول الافتراضية في ازدياد منذ عدة سنوات؛ فقد أظهر التقرير الصادر عن شركة "أميرالد وركس" (Emerald Works) (والتي كانت تسمى "تووردز ماتوريتي" (Towards Maturity) سابقاً) لعام 2016 أنَّ 45% من الشركات كانت تستخدم الفصول الافتراضية؛ إذ ارتفعت هذه النسبة سريعاً إلى 84% في عام 2018.

يوضِّح التقرير الذي أُصدِر عام 2020 (ولكن قبل انتشار فيروس كورونا)، أنَّ 91% من القادة في مجال التعلُّم كانوا قد وضعوا توفير الفصول الافتراضية، ومهارات تقديم الندوات عبر الإنترنت ضمن أولوياتهم.

وإذا ما ربطنا هذا الأمر بالطريقة التي تستجيب بها الشركات للتحديات التي تفرضها الجائحة، فلا عجب أن تشهد منصات مثل "زووم" (Zoom)، و"تيمز" (Teams)، و"كينيكت" (Connect) توسعاً سريعاً؛ إذ أعلن تقريرٌ أعدَّته شركة "مايكروسوفت" (Microsoft) عن ارتفاع بنسبة 70% في عدد المستخدمين خلال شهر نيسان من عام 2020، كما ازداد عدد المستخدمين في منصة "زوم" (Zoom) إلى أكثر من 300 مليون مشترك يومياً.

المناهج المتَّبعة في الشركات:

إذاً، ماذا تُبيِّن البيانات لنا؟ سنعتمد على الدراسات الصادرة عن نتائج "اختبار سلامة التعلُّم" التابع لشركة "أميرالد ووركس" (Emerald Works Learning Health Check)؛ ففي هذه الدراسة المستقلة، أجاب 1123 من كبار المختصين في مجال التعلُّم والتطوير (L&D) على مجموعة متنوعة من الأسئلة حول استراتيجية التعلُّم الخاصة بهم، ومدى تأثيرها في عملهم.

تُقارِن الإجابات، التي سنركِّز عليها في هذه المقالة، الشركات التي تتمتع بإمكانية تقديم فصول افتراضية، أو ندوات عبر الإنترنت داخل الشركة (والتي تشكِّل 32% من المشاركين في عام 2020) مع تلك التي لا تتمتع بإمكانية ذلك.

بالنسبة لشخص يدرِّب فرق التعلُّم والتطوير (L&D) على كيفية تصميم وتقديم جلسات مباشرة عبر الإنترنت، فإنَّ السرعة والكفاءة التي يقدِّمها قادة التعلُّم والتطوير (L&D) في تقاريرهم منطقيةٌ للغاية؛ فالفصول الافتراضية تعود عليك بالفوائد الآتية:

  • لست مضطراً إلى انتظار توفُّر مكان حقيقي (مع أنَّك تحتاج إلى الحصول على رخصة البرمجيات).
  • لا داعي لأن تشغل تفكيرك بتنظيم شؤون السفر.
  • يمكن أن تكون جلسات الندوات عبر الإنترنت، والفصول الافتراضية قصيرةً تصل مدتها إلى 15 أو 30 دقيقة، ولا يتعين عليك إضافة محتوى لتغطية نفقات المكان، والسفر، وفقدان الإنتاجية.

حينما فُرِض حظر التجوال في أوروبا لمواجهة فيروس كورونا خلال شهر آذار، تمكَّنت الشركات التي كانت تتوفر لديها بعض الإمكانات - والتي تلقت دعماً لتطوير وتقديم ندوات عبر الإنترنت للموظفين خلال ساعات - من تقديم المهارات إلى أكثر من 400 موظف خلال أيام فقط؛ ذلك لأنَّ البنية الأساسية للتكنولوجيا، ومهارات التعلُّم والتطوير، كانت موجودةً لدعمها.

يسلط ذلك الضوء على الدور الهام الذي يؤديه مجال التعلُّم والتطوير (L&D) لدعم الشركات، وإقامة شراكات حقيقية مع كبار صنَّاع القرار لتحقيق النتائج، في الواقع، تُظهر دراسة جديدة أجرتها منصة "لينكد إن"  (LinkedIn) أنَّ 66% من المتخصصين في مجال التعلُّم والتطوير (L&D) يقولون إنَّ التعلُّم والتطوير أصبحا جزءاً أكثر استراتيجيةً من شركاتهم؛ كما يُفيد 59% منهم بأنَّهم بدأوا بتطوير ثقافة تعلُّم فعالة أكثر.

الأشخاص والتكنولوجيا والقيمة مقابل المال:

تتمثَّل إحدى المشكلات الملموسة في التكنولوجيا في أنَّها ستسلب وظائف الناس منهم، ولكن ماذا لو كانت الشركات التي تتمتع بمهارات تقديم الندوات عبر الإنترنت، أو إنشاء الفصول الافتراضية داخل الشركة، هي نفسها تلك التي تمتلك ضعف عدد الموظفين في فريق التعلُّم والتطوير الخاصة بهم؟ ولكن قد تتساءل هنا: ألا يعني مضاعفة أعضاء الفريق زيادة تكاليف التدريب لجميع الموظفين في جميع أنحاء الشركة؟ ليس بالضرورة أن يكون الأمر كذلك.

لقد بلغ متوسط عدد الأشخاص الذين كانوا ضمن فريق التعلُّم والتطوير (L&D) في الشركات التي شاركت في "اختبار سلامة التعلُّم" (Learning Health Check)، والتي تمتلك إمكانات توفير البث المباشر عبر الإنترنت داخل الشركة، 21 شخصاً، مقابل عشرة أشخاص في الفريق التابع للشركات التي لم تكن تمتلك تلك الإمكانات.

ومع ذلك، فإنَّ الشركات، التي تمتلك متوسط عدد أعضاء ​​فرق أكبر، تنفق أقل على التدريب لكل موظف في شركتها.

تنفق هذه الشركات أكثر نسبياً على التكنولوجيا؛ ولكنَّها تخفِّض الميزانية الإجمالية للتدريب لكل موظف، قد يبدو الأمر منافياً للمنطق، ولكنَّ الحقيقة هي أنَّ استخدام التكنولوجيا في التعلُّم يُتيح انتشاراً أوسع على نطاق الشركة، وحتى لو تواجد المزيد من الأشخاص في الفريق، فإنَّ خفض النفقات الأخرى يعوِّض تكاليف الاستثمار.

ارتباط التعلم بالأداء:

يُعدُّ إنفاق المال على تطوير المدربين وبرامج التعلُّم خسارةً بالنسبة للشركات إذا لم تتمكن من نقل التعلُّم الذي يعزِّز أداءهم؛ إذ ذَكرَت الدراسة الاستقصائية لمهارات أرباب العمل (Employer Skills Survey) الأسباب التي تكمن وراء فجوة المهارات، ومن ضمنها أنَّ "31% من الموظفين لم يتحسن أداؤهم بعد التدريب، و25% منهم لم يتلقوا التدريب المناسب.

كما يُظهر التقرير أيضاً أنَّ الشركات التي تتمتع نُهُج التعلُّم فيها بنضج أكبر، وتمتلك إمكانات افتراضية، أو إلكترونية في مجال التعلُّم والتطوير داخل الشركة:

  • من المرجح أن يُشرَك المديرون في تصميم الحلول التعليمية الخاصة بهم بنسبة 19%.
  • من المرجح أن يلتزم كبار المديرين فيها بالتعلُّم بنسبة 14%.

كما يذكُر التقرير أنَّ الشركات تستطيع تسريع تطبيق التعلُّم مرة أخرى في العمل.

تُظهر هذه الشركات أنَّها تتمتع بفهم شامل أفضل لكيفية استجابة التعلُّم لاحتياجات الأفراد والشركات، وكيفية إشراك الأشخاص المناسبين لضمان إحداث فارق.

يُعدُّ إشراك المديرين في إعداد برامج التطوير لفِرَقهم أمراً بديهياً بالنسبة للكثيرين في مجال التعلُّم والتطوير (L&D)، وتسلط هذه البيانات الضوء على أنَّ الشركات التي تفعل ذلك من المرجح أن تُنجز عملاً متقناً آخر لتحقيق نتائج إيجابية شاملة لموظفيها ولعملها الأساسي.

إشراك موظفيك لتطوير المهارات:

لقد ذكر القادة في مجال التعلُّم والتطوير (L&D)، في التقرير المعنوَن "الرحلة نحو التغيير" (The Transformation Journey) الذي أعدَّته شركة "أميرالد ووركس" (Emerald Works)، معلوماتٍ حول التكنولوجيا التي كانوا يستثمرون فيها، ويخططون لاستخدامها في المستقبل.

كما أفاد 93% من الأشخاص الذين استُطلِعت آراؤهم أنَّهم يسعون للاستثمار في التعلُّم المباشر عبر الإنترنت، وكما ذكرنا سابقاً، شدَّد التقرير المعنوَن "العودة إلى المستقبل" على أنَّ 91% من الشركات وضعت تقديم الفصول الافتراضية، والندوات عبر الإنترنت ضمن أولوياتها.

يُعدُّ تطوير المهارات للعمل باستخدام أساليب جديدة أمراً لا بد منه؛ فجميعنا حضرنا ندوات عبر الإنترنت، لم يعرف المتحدِّث خلالها كيفية استخدام المنصة، أو جلسات البث المباشر؛ إذ لم يتمكن المدرِّبون من التفاعل خارج إطار الدردشة ضمن التعليقات؛ فمن الواضح أنَّ هناك حاجة لمهارات المشاركة والتيسير المتقَنة من أجل تعزيز عملية التعلُّم.

تعكس الدراسة التي أجراها الباحث أندرياس جيجنفورتنر (Andreas Gegenfurtner) وزملاؤه، هذا الأمر؛ إذ وجدوا أنَّ المشاركين في الندوات عبر الإنترنت شعروا بارتياح أكبر حينما تمكنوا من التشاور، وطرح الأسئلة على الميسِّر، والحصول على التفاعل المتزامن، والتغذية الراجعة، والدعم من الميسِّرين، وبقية الحضور.

يسلِّط هذا البحث الضوء على ما شهدناه جميعاً في مجال التعلُّم المباشر الفعال عبر الإنترنت؛ إذ يتعلَّق الأمر بكوننا متعلِّمين، وبالحاجة إلى الأداء، وليس ببثِّ العرض التقديمي.

وعلى الجانب الآخر، إذا كان المدرِّبون، الذين يعملون وجهاً لوجه، يعملون من خلال البث المباشر دون أن يفهموا النُهُج المختلفة التي عليهم اتخاذها، ودون تلقِّي التدريب والدعم اللازم للقيام بذلك، فإنَّ جودة تلك الجلسات ستؤثِّر سلباً في عملية التعلُّم، وفي سمعة الفرد وفريق التعلُّم والتطوير (L&D) بأكمله.

الخلاصة:

إذاً، ما الذي نستنتجه من جميع هذه الأبحاث؟ إنَّ التعلُّم المباشر عبر الإنترنت ليس حلاً سحرياً؛ بل جزء من حزمة الأدوات الخاصة بمجال التعلُّم والتطوير (L&D)، لاستخدامها على نطاق أوسع في الشركة.

ولا تزال الشركات ترغب -سواء كانت تتمتع بالإمكانات التكنولوجية أم لا- في تعزيز التعلُّم المباشر وجهاً لوجه (بنسبة 9%)، والتعلُّم عبر الإنترنت ( بنسبة 61% من أولئك الذين يمتلكون الإمكانات داخل الشركة، ونسبة 70% من أولئك الذين يتمتعون بالمهارات الحالية) والتعلُّم المُدمَج (بنسبة 72% و80% على التوالي).

صحيح أنَّ الظروف التي تفرضها جائحة فيروس كورونا ربَّما غيَّرَت هذه النِسب وأهميتها، ولكنَّ التوقعات لا تزال إيجابيةً للغاية بالنسبة لأولئك الذين يفضِّلون تقديم الدورات التدريبية وجهاً لوجه؛ إذ لا يزال هناك فرصة لتحقيق ذلك.

كما أنَّ الأمر يُفيد أولئك الذين يرغبون في تحسين مهاراتهم، والتأكد من أنَّهم وفريق التعلُّم والتطوير (L&D)، يلبُّون احتياجات الشركة لفترة طويلة في المستقبل.