بالنسبة للعديد من مجالات العمل، سلَّط الوباء الضوء على الجوانب التي تفتقر إلى المهارات، وذلك من أجل الخروج من هذه الأزمة أقوى من السابق، لذا من الضروري أن تعرف المنظمات أماكن وجود فجوات في المهارات وتُشجِّع ثقافة التعلم المستمر لكي تتمكن من سدِّها.

ومع أنَّنا نشعر جميعاً بالارتياح لأنَّ عام 2020 قد انقضى، إلا أنَّ العديد من المشكلات التي واجهناها في العام الماضي لا تزال موجودة؛ إذ يرى خبراء التعليم والتطوير أنَّ الفجوات الأساسية في المهارات هي إحدى المشكلات التي تحتاج إلى معالجة.

ومع ذلك، فهذه ليست مشكلة جديدة؛ ففي تقرير مقياس الأعمال عام 2019 للجامعة المفتوحة، قال 63٪ من قادة الأعمال في المملكة المتحدة إنَّ مؤسساتهم تعاني من نقص في المهارات، ومع حقيقة أنَّ ملايين الأشخاص يبحثون حالياً عن وظائف، يقول كبار القادة إنَّهم لم يجدوا بعد الأشخاص الذين يمتلكون المهارات التي يحتاجونها.

يستطيع خبراء التعليم والتطوير المساعدة في سد فجوات المهارات هذه من خلال تدريب الموظفين تدريباً صحيحاً، ومساعدتهم في التركيز على المجالات الرئيسة التي يفتقرون إليها؛ فأين تكمن هذه الفجوات إذاً؟

1. المعرفة الرقمية

أشار ساتيا نادالا (Satya Nadella)، الرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت (Microsoft) مؤخراً، إلى أنَّ أزمة كوفيد-19 (Covid-19) كانت مسؤولة عن عامين من التحول الرقمي جرى خلال شهرين فقط؛ وقد أدى هذا التحول إلى زيادة الطلب على المهارات الرقمية؛ إذ قال 56% من أرباب العمل إنَّ المهارات الرقمية بحاجة إلى تحسين في مؤسساتهم لمواكبة استخدامهم المتزايد للتقنية.

ووفقاً لبحث حكومي، هذه بعض مجموعات المهارات الرقمية الأكثر طلباً:

  • مهارات برامج الإنتاجية مثل وورد (Word) وإكسل (Excel) وبرامج إدارة المشاريع وتخطيط موارد المؤسسة.
  • مهارات البرمجيات والبرمجة والتي تشمل لغات مثل جافا (Java) وإس كيو إل (SQL) وبايثون (Python).
  • مهارات دعم الكمبيوتر والشبكات مثل إعداد ودعم وإدارة أنظمة وشبكات الكمبيوتر.
  • مهارات تحليل البيانات بما في ذلك البيانات الضخمة وعلوم البيانات وأدوات التحليل مثل آر (R) أو ساتا (Sata).
  • مهارات التسويق الرقمي التي تتطلب استخدام أدوات التحليل مثل جوجل آناليتكس (Google Analytics)، بالإضافة إلى مهارات الوسائط الاجتماعية.

2. الفنادق

يحتاج قطاع الفنادق، على وجه الخصوص، إلى مهارات جديدة في ضوء الأحداث الأخيرة؛ فعندما ضرب كوفيد-19 المملكة المتحدة، توقفت الصناعة، ومع بعض بوادر التعافي خلال الصيف، أصبح القطاع يعاني مرة أخرى بسبب القيود التي فرضها فصل الشتاء؛ لكي تنجح المؤسسات، ستحتاج إلى التركيز على إعادة بناء الثقة وتعزيز ثقة العملاء، مما يعني أنَّ الموظفين سيحتاجون إلى مهارات مُحدَّدة.

مهارات التكنولوجيا

طوال فترة الوباء، اعتمدت أماكن الضيافة مثل المطاعم على التقنية لنشر الإرشادات بشأن كوفيد-19 ومشاركة آخر الأخبار والبقاء على اتصال مع العملاء؛ فعندما خرج هؤلاء العملاء من الإغلاق، مكَّنتهم التقنية من إجراء الحجوزات عبر الإنترنت وطلب الطعام والدفع عن بُعد.

مع استمرار قطاع الضيافة في التعافي تدريجياً، سيحتاج الموظفون الذين يرغبون في العمل في هذا المجال إلى تطوير مهاراتهم التقنية حتى يتمكنوا من إتقان التطبيقات وأنظمة التتبع والحلول عن بُعد التي ستضمن عودة العملاء.

الصحة والسلامة

إنَّ ارتداء الأقنعة والتباعد الاجتماعي هما مجرد مقياسين سيلعبان دوراً حيوياً في تشجيع العملاء على العودة إلى الأماكن المفضلة لديهم؛ إذ سيبحث الزبائن عن أسطح نظيفة تماماً ومرافق تُعقَّم بانتظام وإرشادات واضحة للصحة والسلامة.

بالإضافة إلى وجود معايير عالية جداً للنظافة، سيحتاج كل موظف يعمل في قطاع الفنادق بعد الوباء إلى أن يكون سريعاً في اكتساب إرشادات جديدة للصحة والسلامة وتدابير مكافحة العدوى، وسيحتاج أيضاً إلى أن يكون واثقاً عندما يتعلق الأمر باستخدام مُعَدَّات الحماية.

3. الرعاية والتعليم

عندما وصل كوفيد-19 إلى المملكة المتحدة، تغيرت حياة الموظفين بشكل كبير في قطاعي الرعاية والتعليم؛ إذ أصبحت الرعاية وظيفة عالية الخطورة؛ لأنَّ الموظفين كانوا عُرضة للإصابة بفيروس خطير، لا سيَّما في ظل غياب مُعَدَّات وقاية شخصية فعَّالة.

وكان لإغلاق المدارس أيضاً تأثيرٌ كبيرٌ في سير العملية التعليمية؛ إذ كان المعلمون مطالبين فجأةً بتقديم تعليم إلكتروني عالي الجودة.

في البداية، كانت هذه التغييرات كارثية على التوظيف؛ إذ أبلغت نقابة العمال بحلول نهاية أبريل 2020، أنَّ واحداً من كل خمسة من مقدمي الرعاية كان يفكر في الاستقالة، وفي الوقت نفسه، كشفت التقديرات أنَّ توظيف المعلمين انخفض بنسبة 50 إلى 60%.

ومع ازدياد إدراك الناس لاعتمادهم على العاملين الذين يعملون في الخطوط الأمامية في البلاد، بدأوا في فهم أهمية مقدمي الرعاية وقيمة العلاقة بين المعلم والتلميذ.

وكانت النتيجة أنَّ التعليم قد استفاد بالفعل من زيادة بنسبة 91% في طلبات تدريب المعلمين، وسُلِّطت الأضواء على أعمال الرعاية، مما زاد من احتمالية تحسن الظروف، وفي هذه الحالة، هناك مهاراتان أساسيتان يحتاج كلا القطاعين إلى التكيف معهما خلال الأشهر والسنوات القادمة، وهما:

● قابلية التأقلم

خلال أسبوع من الإعلان عن الإغلاق الأول، بدأت أعداد كبيرة من القوى العاملة في مجال الرعاية الاجتماعية في التواصل عبر الإنترنت، وأصبحت القدرة على التأقلم ضرورية لموظفي دور الرعاية الذين تمكنوا من تحميل إرشادات مكافحة العدوى، وإكمال التدريب على معدات الوقاية الشخصية عبر الإنترنت.

وفي الوقت نفسه، في قطاع التعليم، كانت القدرة على التأقلم دائماً جزءاً من مجموعة أدوات المعلم، لكنَّ الوباء نقل هذا إلى مستوى آخر؛ إذ كان عليهم بين عشية وضحاها إتقان التدريس عن بعد عبر تطبيق زووم (Zoom) أو جوجل كلاس رووم (Google Classroom)، وكان من المتوقع أن يدرِّس بعض المعلمين عبر الإنترنت بالإضافة إلى تعليم أبناء الموظفين المهمين وجهاً لوجه.

ستظل القدرة على التكيف ضرورية لمقدمي الرعاية والمعلمين، عندما يتعلق الأمر بالرعاية، أظهر كوفيد-19 كيف يمكن للتقنية أن تغيِّر الطريقة التي نعتني بها بالناس، نتيجة لذلك، يجب على مُقدِّمي الرعاية توقع تجربة طرائق جديدة في العمل.

من المحتمل أيضاً أن تُجري المدارس تغييرات؛ فقد تصبح الأدوات والتقنيات التي أثبتت نجاحها أثناء عمليات الإغلاق جزءاً من وجودنا اليومي في المستقبل، وقد تصبح تكنولوجيا التعليم أكثر أهمية عندما يصبح المعلمون المتمرسون في مجال التكنولوجيا بارعين في تقديم التعليم عبر الإنترنت.

● الإبداع

لا يرتبط الابتكار الرقمي بقطاع الرعاية؛ ولكن كانت هناك قصص عن استجابة دور الرعاية بطريقة إبداعية لعمليات الإغلاق؛ فقد جمعوا العائلات عبر تطبيق زووم (Zoom)، وأنشأوا مجموعات واتس آب (WhatsApp) للمقيمين، وما إلى ذلك، حتى أن بعض دور الرعاية أنشأت مقاطع فيديو لاقت رواجاً كبيراً على تطبيق تيك توك (TikTok).

كان المعلمون مبدعين بالقدر نفسه، وغالباً ما يجرِّبون أساليب جديدة، على سبيل المثال: كانت معلمة الاقتصاد توليا بيتر (Tulia Peter)، مجرد معلمة واحدة انتقلت إلى نهج "الفصل الدراسي المعكوس"؛ إذ كانت تُعلِّم الطلاب الأساسيات عبر مقاطع الفيديو، ثم يعملون معاً عبر الإنترنت.

طوال فترة الوباء، انتشر الإبداع في قطاعي التعليم والرعاية، مما أدى إلى التغيير، ومع تسارع وتيرة التعافي، سيصبح المهنيون الذين لديهم المهارات اللازمة لإعادة تصور الأساليب التقليدية محل تقدير كبير من قبل أرباب العمل.

ثقافة التعلم المستمر

أيَّاً كان القطاع الذي تعمل فيه، من الضروري أن يُشجِّع خبراء التعليم والتطوير ثقافةَ التعلُّم المستمر في المستقبل؛ ففي بيئة العمل الغامضة والمتغيرة باستمرار، ستكون المرونة والقدرة على التكيف واكتساب مهارات جديدة بسرعة ضرورية، وسيكون التعلم النموذجي المرن في الطليعة؛ لأنَّه يُتيح للمتعلمين العمل عبر الإنترنت بالطريقة والسرعة التي تتناسب مع أعمالهم وحيواتهم.

يمنح نهج التعلم الموجَّه ذاتيَّاً الموظفين القوة من خلال السماح لهم باختيار أهدافهم وتحديد الوقت الذي يرغبون فيه بالتدريب.

في النهاية، إذا كنا سنخرج من هذه الأزمة أقوى من السابق، فنحن بحاجة إلى الاستثمار في المهارات ومواصلة إعطاء الأولوية للتعليم في المستقبل.