شهِدَ قطاع التعليم والتدريب نقلة نوعية في الآونة الأخيرة نتيجة التطور التكنولوجي والرقمي، وتقاصر مدة انتباه الإنسان، وخصيصاً بعد طرح أدوات الذكاء الاصطناعي في الأسواق. يُذكَر من أبرز التوجهات الحالية في هذا القطاع "التعلم المُصغَّر" (Microlearning) و"التدريب المصغر" (Microtraining) الذي يراعي احتياجات وإمكانيات الأفراد في العصر الحديث. يبحث المقال في تعريف التدريب المصغر، وفوائده، وأدوات تصميمه وتقييم فعاليته.
تعريف التدريب المصغر وأهميته
هو نهج يقسِّم المحتوى إلى وحدات صغيرة وسهلة الاستيعاب، ويقدِّم المعلومات في وقت الحاجة مباشرة وببساطة، وفي الزمان والمكان الذي يناسب المتلقي، ويتوقع أحد التقارير الصادرة عن مؤسسة "البحث والأسواق" (Research and Markets) أنَّ سوق التعلم المصغر سيبلغ 6.47 مليار دولار بحلول عام 2030، بمعدل نمو سنوي قدره 13.9%. يستطيع الموظف أن يدرس محتوى التعلم المصغر على هاتفه المحمول أو جهازه اللوحي في الوقت والزمان الذي يناسبه، ما يعني أنَّ التعلم، أصبح جزءاً طبيعياً من الحياة اليومية.
تلبية احتياجات المتعلم في العصر الحديث
أدى نمط الحياة الحديثة إلى تقاصر مدة انتباه الفرد وتركيزه، وزيادة الانشغالات والضغوطات والالتزامات الشخصية، والمهنية، والاجتماعية، والأسرية، لهذا السبب لا يستطيع الموظف أن يلتزم ببرامج التدريب الطويلة، كما تبيِّن دراسات مؤسسة "ديلويت" (Deloitte) أنَّ الموظف لا يخصص ما يزيد عن 10% من وقت العمل للتعلم والتدريب أسبوعياً، ومن هنا برز التدريب المصغر بوصفه حلاً عملياً وواقعياً. لا يتطلب التعلم المصغر الحضور إلى قاعة تدريب في موعد محدد أو تخصيص وقت طويل للبرامج على حساب العمل؛ بل يستطيع الموظف أن يطلع على المحتوى أينما كان دون أن يضغط على نفسه.
فوائد التدريب المصغر
تشير دراسات متعددة إلى أنَّ تقسيم المحتوى إلى وحدات صغيرة، يعزز قدرة المتعلم على التركيز وترسيخ المعلومات، وكشفَ أحد تقارير "مجلة علم النفس التطبيقي" (Journal of Applied Psychology) أنَّ التعلم المصغر، يحسِّن فعالية التجربة بنسبة 17%.
فيما يأتي 6 فوائد أساسية للتعلم المصغر:
- المرونة والوصول الفوري: التدريب المصغر ملائم للتعلم المستمر؛ لأنه يقدم محتوى قصيراً يستطيع الفرد أن يطَّلع عليه في أي وقت وأينما كان.
- تقليل الحمل المعرفي: تبيَّن أنَّ تقسيم المحتوى إلى وحدات قصيرة، يخفف الضغط الذهني ويعزز القدرة على الاستيعاب.
- تحسين القدرة على ترسيخ المعلومات المكتسبة: يحسِّن التعلم المصغر القدرة على الحفظ وترسيخ المعلومات.
- تعزيز الحماس: يعزز التعلم المصغر حماس المتدربين، واهتمامهم، وتفاعلهم مع المواد.
- زيادة شعور الإنجاز: تعزز وحدات التعلم المصغر شعور الإنجاز، والدافع للاستمرار وإنهاء محتوى التدريب.
- تمكين التعلم الذاتي: يتيح التدريب المصغر إمكانية دراسة المحتوى بالوقت، والمكان، والوتيرة التي تناسب المتدرب.
تصميم وحدات التدريب المصغر وتنفيذها
لا يقتصر نجاح التدريب المصغر على مجرد تقسيم المحتوى إلى أجزاء صغيرة؛ بل يعتمد أساسياً على منهجية تصميم محكمة وتنفيذ فعال. لتحقيق أهدافه، يجب أن يرتكز تصميم الوحدات التدريبية على مبادئ واضحة تركز على الإيجاز والهدف، كما يتطلب اختيار الأدوات والمنصات التقنية المناسبة التي تتيح إنشاء المحتوى وإيصاله للمتعلمين بسهولة ويسر.
مبادئ تصميم برامج التعلم المصغر
فيما يأتي 4 مبادئ أساسية لتصميم برامج التعلم المصغر:
- التركيز على هدف واحد: يجب أن تركز كل وحدة على فكرة واضحة ومباشرة.
- الإيجاز: تجنب الحشو اللغوي والتركيز على جوهر المعلومة.
- استخدام الوسائط المتعددة: يساعد دمج مقاطع الفيديو مع الرسومات، والتمرينات التفاعلية، والنصوص القصيرة على تحسين الانتباه والاستيعاب.
- إمكانية الوصول من الأجهزة المحمولة: يفضل ما يزيد عن 70% من المتدربين التعلم من خلال الهواتف المحمولة والأجهزة اللوحية، وفق تقرير "شيفت إي ليرنينغ" (Shift eLearning) في عام 2020.
أدوات ومنصات لإنشاء التدريب المصغر
فيما يأتي 5 أدوات ومنصات لإنشاء محتوى التدريب المصغر وتوزيعه على المشاركين:
- الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية: تُستخدَم هذه الأجهزة على نطاق واسع في التدريب المصغر؛ لأنها تسمح بالوصول السريع والمباشر إلى المحتوى في أي وقت ومكان.
- "أنظمة إدارة التعلم" (LMS): تقدِّم عدداً كبيراً من أدوات إنشاء المحتوى التدريبي المصغر وتوزيعه على المشاركين، بالإضافة إلى إمكانية رصد تقدمهم وتقييم أدائهم.
- أدوات التصميم: مثل "كانفا" (Canva)، و"تالنت كاردز" (Talent Cards) التي تلقِّن المعلومات عن طريق البطاقات، وتُستخدَم على نطاق واسع في تدريب فِرَق العمل.
- التطبيقات التفاعلية: مثل "كويزلِت" (Quizlet)، و"كاهوت" (Kahoot)، وتطبيقات "التلعيب" (Gamification) التي تقدم نشاطات قصيرة تعزز المشاركة والتفاعل.
- منصات التواصل الاجتماعي: مثل "تلجرام" (Telegram)، و"واتساب" (Whatsapp)، و"فيسبوك" (Facebook)، و"تيك توك" (Tik Tok) لتبادل المعلومات، وإجراء نقاشات قصيرة، ونشر محتوى بسيط ومختصر.
أمثلة وتطبيقات التدريب المصغر
لا يقتصر الأمر على كون التدريب المصغر مفهوماً نظرياً؛ بل إنَّ له تطبيقات عملية واسعة النطاق تستخدمها كبرى الشركات العالمية، كما أنَّ له آليات دقيقة لقياس مدى نجاحه وتأثيره في تطوير المهارات.
التدريب المصغر في بيئات العمل وتطوير المهارات
أصبح التدريب المصغر عنصراً أساسياً في خطط تطوير مهارات الموظفين، وخصيصاً مع انتشار نموذج العمل عن بعد، ويُذكَر من أبرز الأمثلة حول العالم شركة "جوجل" (Google) التي تستخدم وحدات تدريبية قصيرة ضمن برنامج "ويسبر كورس" (Whisper Course) لتدريب مديري الفِرَق على المهارات القيادية ضمن مكان العمل، من خلال مشاركة وحدات تعلم قصيرة وعملية عن طريق البريد الإلكتروني وتطبيق "سلاك" (Slack) يومياً. مكَّنت هذه الطريقة الموظفين من اكتساب المعلومات والمهارات تدريجياً، وتطبيقها مباشرةً في مكان العمل، مما ساعدهم على ترسيخها مع مرور الوقت دون أن يهدروا وقتاً كبيراً من ساعات العمل.
تطبق شركة "يونيليفر" (Unilever) منهجاً تدريبياً يعتمد على التعلم المصغر واستراتيجيات التلعيب لتطوير مهارات الموظفين الرقمية والتقنية. يستطيع الموظف أن يصل إلى مواد التدريب في أي وقت خلال أيام العمل، وينبغي أن يخصص 15 دقيقة لتعلم مهارة جديدة كل يوم، وقد حسَّن هذا البرنامج أداء الموظفين.
تقييم فعالية التدريب المصغر
فيما يأتي 5 مؤشرات وأدوات لتقييم فعالية التعلم المصغر:
- معدل إكمال المحتوى: تظهر الدراسات أنَّ وحدات التعلم القصيرة، تُكمَل بنسبة 80% متفوقةً على صيغ ونماذج التدريب الأخرى.
- أداء الموظفين في مكان العمل: رصد مؤشرات تحسُّن الأداء وتطبيق المعلومات المكتسبة من خلال متابعة الموظفين في العمل على المهام اليومية.
- النتائج التي تحققها الشركة: التأكُّد من تحقيق الأهداف النهائية المرجوة من التدريب ولتكن زيادة المبيعات مثلاً.
- تحليل بيانات المشاركين: توفر منصات التعلم المصغر، مثل "إِد أب" (EdApp) و"تالنت كاردز" (Talent Cards) تحليلات تفصيلية عن مستويات التفاعل، مما يحسن المحتوى باستمرار.
- نموذج "كيرك باتريك" (Kirkpatrick): يُستخدَم نموذج "كيرك باتريك" لتقييم فعالية برامج التدريب المصغر وفق 4 مستويات: ردود الفعل، والتعلُّم، والسلوك، والنتائج.
في الختام
لم يعد مفهوما التدريب والتعلم المصغر مجرد مفاهيم عصرية؛ بل أصبحا ضرورة تفرضها احتياجات المتعلم، وطبيعته البيولوجية، ونمط حياته، بالإضافة إلى سوق العمل المتغير باستمرار في العصر الحديث. بفضل وحدات التعلم القصيرة والمركَّزة، بات بالإمكان تقديم تجربة فعالة، ومرنة، ومخصصة بناءً على متطلبات المتعلم الفردي واحتياجات المؤسسات. من خلال اعتماد مبادئ تصميم دقيقة، واستخدام أدوات مرنة، ومتابعة أثر التدريب دورياً، تحقق المؤسسات والأفراد نتائج ملموسة في تطوير المهارات وتحسين الأداء.
هذا المقال من إعداد المدرب سمية الأحمد، كوتش معتمد من ITOT
