إنَّ عمليَّة تعلُّم الكبار المكوَّنة من خمس خطوات هي نموذج للتعلُّم التجريبي، وغالباً ما يُسمى التعلُّم بالاكتشاف، والذي يخلق بيئة يدرك فيها المتعلمون بأنفسهم ما يحتاجون إلى معرفته والقيام به بصورة مختلفة، وسيستفيد بعض المتعلمين من هذا النشاط أكثر من غيرهم؛ إذ يساعد نموذج التعلُّم التجريبي هذا جميعَ المتعلمين على البدء من مستواهم الحالي والتطوُّر انطلاقاً من تجربة مشتركة، ونظراً إلى أنَّ التعلُّم التجريبي يشرك المتعلِّم بنشاط، فمن الممكن استخدام نفس النشاط مع جمهور متنوِّع.

العملية عبارة عن مجموعة من الخطوات التي يجب اتِّباعها في كل تجربة تعليمية، ويمكن استخدامها لتصميم وتقديم محتوى حول أي موضوع كان.

نقدم لك فيما يلي هذه الخطوات:

1. تحضير المدرِّب لنشاط التعلُّم:

الهدف من الخطوة الأولى في عملية تعلُّم الكبار هو تقديم وإعداد تجربة التعلُّم. سيحدد الإعداد "عدد الخطوات وأهمية القيام بها وفق ترتيب معيَّن" أو مستوى مهارة الميسِّر درجة تفاصيل الخطة اللازمة لهذه الخطوة، وتوجد 4 طرائق نموذجية لتحقيق ذلك:

1.1. الغرض أو الهدف من النشاط:

في محاضرة قائمة على المشاركة تكون هذه الخطوة عادةً: "ما سنتحدث عنه اليوم هو ..."، وبالنسبة إلى تجربة التعلُّم بالاكتشاف الحقيقية قد يكون الهدف جزءاً ممَّا يجب اكتشافه؛ لذلك لن يُكشَف عنه في الإعداد.

2.1. شرح ما ستفعله أنت كمدرب:

في محاضرة قائمة على المشاركة، يمكنك تقديم معلومات أو عرض رسومات أو طرح أسئلة والإجابة عنها، وبالنسبة إلى مناقشة جماعية صغيرة؛ يمكنك تقسيم الأشخاص إلى مجموعات وإسناد المهام إليهم، ويجب أن تكون مُتاحاً لتقديم الكوتشينغ ومساعدة المجموعات حسب الحاجة.

3.1. شرح ما يُتوقَّع من المشاركين القيام به:

في مناقشة جماعيَّة صغيرة، قد يُطلَب من المشاركين استكشاف موقف ما، وإجراء جلسة عصف ذهني أو تقديم الحلول لمشكلة ما، ومن ثم تقديم تقرير إلى المجموعة ككل، وفي مقطع فيديو أو عرض تقديمي افتراضي قد يُطلَب من المشاركين الاطِّلاع على الأفكار الرئيسة أو الإجابة عن أسئلة محددة أو تدوين الملاحظات لإجراء المزيد من النقاش، وفي جلسة التدريب مع برنامج معيَّن، قد يُتوقَّع من المشاركين إنشاء مستند يتوافق مع معايير محددة.

4.1. القواعد الأساسية التي تترافق مع تجربة التعلم:

في نشاطات كسر الجمود أو نشاطات بداية الجلسة قد تكون القواعد هي أن ينضمَّ كل مشارك إلى مجموعة مكونة من ثلاثة أشخاص آخرين لا يعرفهم بالفعل، وفي محاضرة تقنية؛ قد تتضمَّن القواعد الأساسية وقت طرح الأسئلة؛ أي الأسئلة التوضيحية التي يجب طرحها في وقتها، والأسئلة التي يجب تأجيلها حتى نهاية العرض التقديمي.

2. مشاركة المتعلمين في نشاط التعلُّم:

الهدف من الخطوة الثانية في عملية تعلُّم الكبار هو إشراك المشاركين بفاعلية في تجربة التعلُّم، وتشمل أنواع تجارب التعلُّم ما يلي:

  • محاضرات المشاركين.
  • لعب الأدوار.
  • جلسات التدريب.
  • دراسات الحالة.
  • الفيديوهات.
  • تجربة مُنظَّمة.
  • التعلم بمساعدة الحاسوب.
  • العروض.
  • الاستبيانات وقوائم الجرد.
  • التجارب العملية.
  • استكشاف المواد على الإنترنت.
  • مجموعات صنع القرار.
  • مناقشات تجريها مجموعات صغيرة.
  • الأفلام.
  • المناقشات.
  • التعلُّم الذاتي.
  • نشاطات بداية الجلسة.
  • تقديم وتلقي التغذية الراجعة.

قد يرتكز نشاط التعلُّم على المتعلِّم أو على المدرِّب، وكلَّما كان المتعلِّم أكثر استقلاليةً وتحفُّزاً للتعلُّم، كانت التجربة أكثر ارتكازاً على المتعلِّم، ويحتاج المتعلِّم المُبتدِئ إلى المزيد من توجيه المعلِّم لتيسير عملية التعلُّم.

3. استخلاص المعلومات حيث يشارك المتعلمون ويفسرون ردود أفعالهم تجاه النشاط:

الهدف من الخطوة الثالثة في عملية تعلُّم الكبار هو مساعدة المتعلمين على اكتشاف ومشاركة ردود أفعالهم وخبراتهم في أثناء تجربة التعلُّم، وينصبُّ تركيز استخلاص المعلومات على محتوى تجربة التعلُّم، ومن الهام جداً ألَّا تدعَ المتعلمين ينتقلون إلى مفاهيم ومبادئ التعلُّم بسرعة كبيرة، ويتمثل دور المدرب في هذه الخطوة في تيسير المناقشة التي تسأل المتعلمين عمَّا حدثَ لهم خلال النشاط، كما يحتاج مصممو الدورة إلى صياغة أسئلة عملية لتحقيق ذلك.

إذا كانت تجربةُ التعلُّم عبارة عن تجربة منظَّمة أو لعبة أو لعب أدوار أو أي نشاط آخر، فإنَّ هذه الخطوة تهدف إلى مساعدة المشاركين على إنهاء النشاط والاستعداد للانتقال إلى نقاط التعلُّم، وهذه الخطوة هامة عندما يُولِّد النشاط المشاعر، أو يساعد على اكتشاف المعتقدات أو القيَم، أو يتضمن ردود أفعال شخصية، ويشارك بعض المشاركين في موضوع أو تفاصيل نشاط، ويحتاجون حقاً إلى وقت لمناقشة ذلك قبل أن يكونوا مستعدين للانتقال إلى الخطوة التالية.

إنَّ استخدام المناقشة المنظمة هو أفضل طريقة تعليم لتسهيل استخلاص المعلومات من تجربة التعلُّم، وللقيام بذلك يمكنك استكشاف ما حدث بالفعل في أثناء النشاط، ومناقشة الأمور الخاصة بالمحتوى، وطرح أسئلة لإثارة ردود الفعل، بالإضافة إلى ذلك توجد العديد من أساليب التعليم الأخرى التي يمكن أن تساعد على تيسير مناقشة استخلاص المعلومات؛ إذ يمكنك:

  • الطلب من كل مشارك كتابة ردود أفعاله أو أفكاره ثم مناقشتها.
  • الطلب من المجموعات الصغيرة إثارة ردود فعل مشتركة ومشاركتها مع المجموعة بأكملها.
  • الطلب من الشركاء إجراء حوارات فيما بينهم، ثم التعليق عليها.

4. تحديد المتعلمين للمفاهيم من خلال ردود أفعالهم:

الهدف من الخطوة الرابعة في عمليَّة تعلُّم الكبار هو مساعدة المتعلِّم على تحديد ومناقشة المفاهيم والمبادئ الأوسع التي اكتشفها في أثناء تجربة التعلُّم.

من الهام أن تأتي الأفكار المُتولِّدة في هذه الخطوة من المتعلمين، وإذا كشفتَ وشرحتَ المفاهيم والمبادِئ للمُتعلِّمين، فستبقى ملكك بدلاً من أن يكتشفوها، وهذه هي القفزة الاستنتاجية اللازمة للمتعلمين للانتقال من التجربة إلى التعلُّم؛ أي النقطة التي ينتقلون فيها من تفاصيل النشاط إلى المفهوم الذي صُمِّم النشاط للاستدلال عليه.

إذا حُذِفَت هذه الخطوة، فسيكون التعلُّم غير مكتمل، وقد يقول المشاركون لاحقاً إنَّهم استمتعوا بنشاط أو محاضرة أو مناقشة وقد يفهمون النقاط المحدَّدة لتجربة التعلُّم، ولكنَّهم لن يكونوا قادرين على تقديم تقرير عمَّا تعلموه بمصطلحات أوسع. ينتقلُ بعض المتعلمين بسهولة من التفاصيل إلى المفهوم الأوسع، وسيحتاج الآخرون إلى التشجيع وتلقِّي الكوتشينغ لاكتشاف مفاهيم ومبادئ أوسع، ويمكن للمُتعلّمين المُتنوعين تعلُّم أمور مختلفة من نفس النشاط، ويتمثَّل دور المدرِّب كميسِّر في التأكُّد من أنَّ كلَّ متعلِّم يتعلم أمراً ذا قيمة من النشاط، ومرة أخرى تتمثَّل مهمَّة مصمِّم الدورة التدريبية في كتابة أسئلة العملية لاستخلاص التعلُّم الذي يلبي الأهداف التعليمية من المتعلمين.

يتمثل دورك في هذه الخطوة في توجيه المناقشة؛ إذ تركِّز في نقاط التعلُّم وتبتعد عن النشاط المحدَّد؛ على سبيل المثال في مناقشة نشاط دراسة الحالة من الهام أن تنتقل المناقشة إلى المفهوم الذي تُدرِّسه دراسة الحالة بدلاً من البقاء مع تفاصيل القصة، وبعد محاضرة قائمة على المشاركة، اطرَح أسئلة على المتعلمين لحثِّهم على تلخيص الأفكار الرئيسة وإعادة صياغة المفاهيم الأساسية.

هذا هو أفضل وقت لوضع مخطط للإجابات والأفكار والمفاهيم؛ إذ سيساعد المتعلمين على تذكُّر الأفكار الرئيسة ويعزز المفاهيم لديهم، كما يُمكنك المطالبة بوضع المفاهيم من خلال طرح السؤال: "ما الذي تعلمته من هذا النشاط "أو هذه المناقشة أو جلسة التدريب هذه أو دراسة الحالة هذه" حول __ عموماً؟" امْلأ الفراغ بالموضوع العام، والهدف من تجربة التعلُّم؛ على سبيل المثال القيادة أو إدارة وقتك أو الإبلاغ في الوقت المناسب عن كثرة المتطلبات أو التواصل في مكان العمل أو إنشاء منتج وما إلى ذلك، وعندما تضع مخططاً للمفاهيم، يجب أن تتجنَّب كتابة كلمات أو عبارات خاصَّة بالنشاط، كما يجب أن تجعل المشاركين ينتقلون إلى مستوى مفاهيمي أكثر عموميةً؛ على سبيل المثال في مناقشة دراسة حالة بدلاً من كتابة: "مطلوب من فلان إعطاء توجيهات أوضح"، اكتُب: "أَعطِ توجيهات واضحة".

5. تطبيق المتعلمين المفاهيم على حالاتهم:

الهدف من هذه الخطوة الأخيرة في عمليَّة تعلُّم الكبار هو مساعدة المتعلِّم على تحديد ما يجب فعله بالمعلومات أو المهارة الجديدة، ودون هذه الخطوة لن يتمكن بعض المشاركين من تطبيق التعلُّم الجديد في المواقف التي تواجههم، وستبقى أفكاراً نظرية، وهذه الخطوة هي الهدف الذي صُمِّمت من أجله تجربة التعلُّم بأكملها.

دورك في هذه الخطوة هو قيادة المناقشة دون إنشاء المحتوى، وغالباً ما تتضمَّن هذه الخطوة سؤالاً مثل: "كيف ستستخدم أسلوب طرح الأسئلة هذا في المرة التالية التي يَطلُب فيها المرؤوس منك المساعدة على إجراءٍ ما؟" أو "في أيِّ موقف من المواقف ستكون أكثر فاعليةً إذا استخدمتَ هذا الأسلوب؟" ومن المؤكَّد أنَّ المُتعلِّمين المتنوعين يأخذون شيئاً مختلفاً عن الدرس؛ وذلك لأنَّ الوظائف المختلفة تتطلَّب تطبيقات مختلفة، ويتمثَّل دور المدرِّب في التأكُّد من مناقشة عدد كافٍ من الأسئلة؛ إذ يكون تطبيق المفهوم ممكناً لجميع المتعلمين، ويجب أن يسعى مصمم الدورة إلى تقديم مجموعة متنوعة من الأسئلة للاختيار من بينها.

تتضمَّن أساليب التعليم الإضافية التي يمكن أن تساعد على تيسير تطبيق التعلُّم ما يلي:

  • الطلب من كل مشارك شرح طريقة تطبيقه لهذه المعلومات الجديدة، ووضع خطة عمل شخصيَّة.
  • تعاون الشركاء مع بعضهم بعضاً بشأن بنود العمل.
  • الطلب من المجموعات - التي يمتلك أفرادها اهتمامات متشابهة - مناقشة التطبيقات المشتركة ومشاركتها مع المجموعة الكبيرة.
  • لعب الأدوار باستخدام مواقف حقيقية لممارسة الأساليب التي تعلمها المشاركون حديثاً.

استخدام أسلوب التعلُّم بالاكتشاف مع متعلمين متنوعين:

عندما تستخدم هذا الأسلوب لتعلُّم الكبار مع المتعلمين ذوي الخبرة؛ أي أولئك الذين كانت المعرفة أو المهارة بالنسبة إليهم جزءاً من عملهم اليومي لبعض الوقت، ستجد غالباً أنَّهم ينتقلون بسرعة من تجربة التعلُّم إلى الخطوات (4) و(5) "تحديد المفاهيم" و"تطبيق التعلُّم"، في حين يتعثَّر المتعلمون المبتدئون في الخطوة (2) "تجربة التعلُّم"، وقد يواجهون صعوبةً في التعرُّف إلى المفاهيم والمبادئ الأوسع وتطبيقها، ويتمثل دورك كمُيسِّر في جعلِ جميع المتعلمين يفهمون المفاهيم والمبادئ.

خبرة الميسِّر:

بالإضافة إلى الخبرة في مبادئ تعلُّم الكبار، فإنَّ إجراء نشاطات التعلُّم التجريبي الفعَّال يتطلَّب مهارات التيسير الأساسية؛ مثل طريقة طرح الأسئلة والرد عليها، وطريقة إعطاء التغذية الراجعة للمتعلِّم، وطريقة تشجيع الحوار والمناقشة. تتطلَّب أهداف التعلُّم المعقدة مهارات تيسير أكثر تقدُّماً؛ مثل طريقة التعامل مع النزاعات وطريقة التعرُّف إلى أنماط التعلُّم المختلفة وتخصيصها، وينطبق الأمر نفسه عندما يتعلم المشاركون عن القضايا الصعبة التي تنطوي على المخاطر والتحفيز ومقاومة التغيير وما إلى ذلك، ويحتاج الميسِّرون أيضاً إلى مهارات العرض التي تشمل تسجيل المعلومات في جداول والقدرة على استخدام الأجهزة السمعيَّة والبصرية بكفاءَة.