الخطاب الناجح هو عبارة عن تجربة يصممها المتحدث للجمهور، ويتألف من مجموعة من المراحل والخطوات التي تضمن النجاح في تحقيق التأثير المطلوب. قدم "كريس أندرسون" مؤسس وصاحب مؤتمر "تيد" (Ted) العالمي في الجزء الأول من المقال خطوتين لإلقاء خطاب ناجح، ويقدم الجزء الثاني بقية الخطوات، فتابعوا معنا السطور التالية.

5 خطوات لإلقاء خطاب ناجح

3. ضبط حركات الجسد عند الوقوف أمام الجمهور

يهاب المتحدث المبتدئ فكرة الوقوف أمام الجماهير ويعتبرها المرحلة الأصعب من تجربة إلقاء الخطاب، كما يبالغ الناس في تقدير أهمية هذا الجزء وتأثيره على جودة التجربة. يعتمد نجاح الخطاب على القصة، والأسلوب اللغوي، والمضمون، وانتقاء المفردات المناسبة أكثر من طريقة وقوفك أمام الجمهور والتوتر البادي على محياك. كما يمكنك أن تتقن مهارات الحضور والتحدث أمام العامة بسهولة عبر الممارسة والتدريب.

يُلاحَظ في التجارب التدريبية الأولى ميل المتحدث المبتدئ للإفراط في تحريك جسده، فتراه يميل من جانب إلى آخر، ويتكئ تارةً على ساقه اليمنى وأخرى على اليسرى، مما يدل على توتره وضعفه ويتسبب في تشتيت انتباه الحاضرين. يتحسن ظهور المتحدث أمام الجمهور عندما يحافظ على ثبات الجزء السفلي من جسده، ولكن ثمة أشخاص يتجولون على طول المنصة ويتنقلون من جانب إلى آخر بشكل طبيعي وعفوي أثناء الخطاب، وفي هذه الحالة، لا بأس بالحركة. ينجح الأغلبية في إلقاء خطاب ناجح ينال استحسان الجمهور عند التوقف عن تحريك الجزء السفلي من الجسم والاعتماد على إيماءات اليدين في تأكيد الأفكار.

يواجه البعض صعوبة في التواصل البصري مع الجمهور أثناء الوقوف على المنصة، ويُنصَح في مثل هذه الحالة باختيار 5 أو 6 أشخاص تبدو على محياهم أمارات اللطف والمودة لكي تنظر في أعينهم أثناء التحدث، ويفضَّل أن يتواجد هؤلاء الأشخاص في أماكن مختلفة لكي توزع نظرك بين جميع الحاضرين. التواصل البصري بالغ الأهمية، وهو يساعد في نجاح الخطاب أكثر من أي تقنية أخرى حتى لو كنت تقرأ من شاشة أو مستند.

ضبط حركات الجسد عند الوقوف أمام الجمهور

التوتر هو واحد من أبرز الصعوبات التي يعاني منها المتحدث المبتدئ قبل موعد الفعالية وعند الوقوف على المنصة أمام الجمهور. يعمد البعض إلى الجلوس بين الجمهور وحضور الخطابات حتى يحين دورهم، وقد تبين أنَّ هذه الطريقة تساعد المتحدث في صرف الأفكار السلبية وتخفيف التوتر قبل اعتلاء المنصة. تدرس "إيمي كودي" (Amy Cuddy) الأستاذة في "كلية هارفارد للأعمال" (Harvard Business School) تأثير وضعيات الجسد على ثقة الإنسان بنفسه وقوة شخصيته، وهي تستخدم تقنيات استعداد فريدة من نوعها، وتنصح بتخصيص بعض الوقت قبل الخطاب للهرولة، والوقوف باعتزاز وشموخ، وتطبيق تمارين الإطالة، فقد ثبت أنَّ هذه الوضعيات تساعد بالشعور بالقوة والثقة بالنفس. تطبق "إيمي" هذه التقنية قبل اعتلاء المنصة وتنجح في إلقاء خطابات استثنائية، وفي جميع الأحوال يُنصَح بممارسة تمارين التنفس العميق قبل الخطاب، فهي كفيلة بتخفيف التوتر وتعزيز الثقة بالنفس.

التوتر حالة طبيعية ومتوقعة عند التحدث أمام العامة، ولكن تكمن المشكلة في قلق المتحدث من هذا التوتر الذي يُعتبَر استجابة تلقائية يبديها الجسم في بعض الظروف، وقد تبين أنها تزود الفرد بالطاقة التي يحتاج إليها لتحسين أدائه ووظائفه العقلية وتركيزه. تابع التنفس عندما تعتلي المنصة وستكون على ما يرام، وتذكر أنَّ الجمهور يتوقع أن تكون متوتر ولن يتفاجأ بردود فعلك.

بينت التجارب أنَّ إبداء التوتر والضعف من خلال نبرة الصوت يساعد في كسب ود الجمهور وتعاطفه عندما يكون الإحساس صادق. ويمكن الاستشهاد هنا بتجربة المؤلفة "سوزن كين" (Susan Cain) التي نشرت كتاب عن الانطوائيين وتحدثت في مؤتمر عام 2012 رغم شعورها بالذعر قبل الخطاب. لقد كان الضعف بادياً على محياها أثناء الخطاب، مما أثار تعاطف الجمهور تجاهها ودفعهم إلى دعمها وتشجيعها والاحتفاء بها، وقد احتل خطابها الصدارة في ذلك العام.

4. اختيار مواد الوسائط المتعددة

توفر التكنولوجيا خيارات متنوعة من الوسائط والأدوات التي يمكن توظيفها في المؤتمرات ويُذكَر منها العروض التقديمية. لا يجب أن تستخدم شرائح العرض التقديمي لكتابة الأفكار الرئيسية التي ستشرحها للجمهور، ولا تقرأ الكلام المكتوب ضمن الشريحة بشكل حرفي. لا يحبذ الجمهور فكرة قراءة المعلومات والاستماع إليها في آنٍ معاً لأنها تفقد أهميتها عند تكرارها حرفياً. هذه القاعدة معروفة، ومع ذلك لا يلتزم بها المتحدثون حول العالم.

لا تتطلب بعض الخطابات استخدام العروض التقديمية، ويفضل العديد من النخبة الاستغناء عنها في مؤتمراتهم، ولكن لا بأس بالاستفادة منها في عرض الصور والرسوم البيانية والمخططات التي تساعد في توضيح المعلومات. لا داعي لاستخدام العروض التقديمية إذا كانت لا تساهم في تحسين الخطاب وتوضيح الأفكار للجمهور. استثمرت مؤسسة "تيد" في شركة "برزي" (Prezi) التي تقدم برمجيات خاصة بإعداد العروض التقديمية ثنائية الأبعاد وتوفر للمشاهد تجربة رؤية من خلال عدسة كاميرا تتيح إمكانية استكشاف المشهد وتكبير التفاصيل. يمكن استخدام هذه المنصة بدلاً من برنامج "بور بوينت" (PowerPoint) الشهير في تقديم العروض التقديمية. تساعد هذه التقنيات المتطورة في تحسين التجربة البصرية للجمهور وتوضيح الأفكار والمعلومات الواردة فيه.

المعدات البصرية بالغة الأهمية للفنانين، والمصورين الفوتوغرافيين، والمصممين، والمختصين في مجال العمارة لأنها تساعد في تقسيم المحتوى وتنظيميه وتحديد الوقت المناسب لكل جزء من الخطاب، وهي تسمح للمتحدث بتجنب استخدام المصطلحات التخصصية والمعقدة. يصعب وصف الأعمال الفنية بالكلام المجرد، ويُفضَّل أن تقدم للجمهور تجربة بصرية تساعدهم في فهم فحوى الخطاب. يمكن الاستفادة من خصائص الأتمتة في تقليب الشرائح تلقائياً كل 15 ثانية على سبيل المثال خلال الخطاب، وقد يستخدم المتحدث مقاطع الفيديو أثناء الإلقاء مما يساعد في توجيه أفكاره وإثارة اهتمام الجمهور.

تُستخدَم المعدات البصرية في المجالات الإبداعية بطريقة أخرى يقوم فيها المتحدث بعرض أعماله الفنية على الجمهور دون أن يتكلم أو يشرح لهم عنها، وقد استخدم النحات الحركي "روبن مارغولين" (Reuben Margolin) هذا النهج في إحدى مشاركاته مما ساهم في تحسين تجربة الجمهور. تقتضي هذه الطريقة تقديم تجربة بصرية للجمهور عبر عرض الأعمال الفنية الخاصة بالمتحدث، وهي تساعد في تجنب اللغة التجريدية والمفاهيمية المعقدة.

تُستخدَم مقاطع الفيديو أيضاً على نطاق واسع في الخطابات، وقد عرض أحد العلماء في مؤتمر "تيد" مقطع فيديو يظهر ذكاء طائر الغراب وبراعته في حل المشكلات، وفيه يقوم الغراب بثني أداة معدنية لاستخراج قطعة طعام من أنبوب. تغني هذه المقاطع التوضيحية عن الكلام والشروحات اللفظية وتقدم الأفكار بطريقة تثير انتباه المتلقي وتترسخ في ذهنه.

تبرز فعالية مقاطع الفيديو عندما تُستخدَم بالطريقة المناسبة مع الحرص على تجنب الأخطاء الشائعة مثل عرض المقاطع الطويلة. يجب أن يكون مقطع الفيديو قصير ولا تتجاوز مدته 60 ثانية حتى لا يفقد الجمهور تركيزه ويتوقف عن متابعة المتحدث. إياك أن تستخدم مقاطع فيديو ترويجية أو إعلانية، أو تلجأ للتقارير الإعلانية لأنها تتسبب في نفور الحاضرين وصرف انتباههم وتركيزهم عن محتوى الخطاب. حذارِ أن تعرض مقطع فيديو لإحدى مقابلاتك على القنوات التلفزيونية لأنَّ الجمهور موجود للإصغاء إلى حديثك المباشر وهو غير مهتم بمشاهدة مقابلاتك السابقة التي تستعرض فيها إنجازاتك.

5. التدريب أمام جمهور تجريبي

تبدأ إجراءات الإعداد والتحضير قبل 6 أشهر من موعد الخطاب حتى يتسنى للمتحدث ما يكفي من الوقت للتدريب والممارسة، ويجب أن يكون الخطاب جاهز بصيغته النهائية قبل شهر على الأقل من موعد الفعالية. يتحسن أداء المتحدث كلما تدرب أكثر خلال الأسابيع القليلة السابقة للحدث، وعادةً ما يتدرب على إلقاء خطابه لوحده وأمام جمهور فعلي.

تجدر الإشارة هنا إلى أنَّ إلقاء الخطاب أمام جمهور تجريبي سيعرِّض المتحدث لمجموعة متنوعة ومتضاربة أحياناً من الانتقادات والتغذية الراجعة البناءة، مما يؤدي إلى إرباكه، لهذا السبب يُنصَح باختيار المشاركين في الجمهور التجريبي بدقة. يجب أن يكون المشارك في الجمهور التجريبي خبير في مجال إلقاء الخطابات والعروض التقديمية لكي يقدم نقد بنَّاء يساعد المتحدث في تحسين تجربته.

لاحظ زميلي "برونو جيوساني" (Bruno Giussani) في عام 2011 أني لم أقدم أي خطاب في مؤتمر "تيد" رغم عملي في الشركة منذ قرابة 9 سنوات في تقديم المشاركين على المنصة، فدعاني لإلقاء كلمة.

لقد كانت التجربة مجهدة أكثر مما توقعت، ورغم أني قضيت سنوات طويلة في مساعدة المتحدثين في صياغة قصصهم إلَّا أني واجهت صعوبة بالغة في ترتيب مراحل قصتي بطريقة تقنع الجمهور وتنال إعجابهم. قررت وقتئذٍ أن أحفظ الخطاب، إلَّا أني واجهت صعوبة كبيرة رغم الوقت والجهد الذي بذلته في محاولة حفظه والمساعدة التي تلقيتها من زملائي، فبدأت أشكك بقدراتي، وتملكني التوتر والذعر طوال فترة التحضير إلى أن حل موعد الفعالية واعتليت المنصة، ونجحت في إلقائه. لم يكن الخطاب مميزاً لكنه حصل على ردود فعل إيجابية وتمكنت من القيام بتجربتي الأولى رغم مشاعر التوتر التي رافقتني خلالها.

ساعدتني التجربة في اكتشاف الأركان الأساسية التي تحدد مدى نجاح الخطاب، وهي جودة الفكرة، والبنية السردية، وشغف المتحدث. أي يعتمد نجاح الخطاب على مضمونه، وهو لا يتعلق بأسلوب التحدث أو استخدام الوسائط المتعددة. يحتاج المتحدث لوجود محتوى قيِّم وقصة أساسية يعتمد عليها في تحضير الخطاب، لهذا السبب يُنصَح برفض الدعوة عندما تكون عاجزاً عن تحديد موضوع الخطاب، وفي مثل هذه الحالة عليك أن تنتظر لحين اكتمال الفكرة وتحضير موضوع يستحق المشاركة مع الجمهور. يمكن تنمية مهارات التحدث والإلقاء بسهولة، ولكن ليس ثمة طريقة لمساعدة المتحدث في اختيار المضمون والقصة الأساسية لخطابه.

في الختام

تجدر الإشارة هنا إلى أنه ليس ثمة طريقة مضمونة لنجاح الخطاب، ولكن يمكن الجزم بأنَّ جميع الخطابات الناجحة تقدم أفكار مبتكرة وغير مطروقة من قبل، في حين تشترك جميع الخطابات الفاشلة في الطابع الرسمي. بالتالي، حذارِ أن تطبق جميع النصائح التي ذكرتها في المقال بحذافيرها، بل عليك أن تحاول الاستفادة منها وتعتمد على خبراتك وتجربتك في إعداد الصيغة النهائية للمقال بناءً على الجوانب التي تميز أفكارك وشخصيتك وقناعاتك وشغفك في الحياة.