يجب أن يُذكِّرنا القول المأثور والمعروف في العمل: "يختار الناس التعامل مع الأشخاص الذين يحبونهم" بأنَّه على الرغم من كون مهنة تقديم الاستشارات قد تعني أموراً كثيرة لكثير من الناس، إلَّا أنَّها شأن يخصُّ الناس وحدهم قبل كل شيء، وهو أمرٌ نأمل أن يظلَّ كذلك إلى الأبد.
ليس من المستغرب إذاً أن يُحقق العميل نتائج ناجحة في أغلب الأحيان عندما يُظهر المستشارون باستمرار سلوكات مهنية وقيماً أساسية لمفهوم التميز الاستشاري، مثل النزاهة والإنصاف والصدق والاحترام.
تساعد هذه السِمات جميعها في رسم صورة العلامة التجارية الشخصية للمستشار، وتُمثِّل ما يمكن للعملاء توقع الحصول عليه عند الاستعانة بخدماتهم. لذا، إنَّ المستشار الناجح هو الذي يعترف بالحاجة للترويج لسمعته الحسنة قبل الترويج لخدماته.
التميز من خلال التواصل الفعَّال
يحتاج المستشارون خلال انهماكهم في أعمالهم إلى الاضطلاع بعدد من الأدوار المختلفة، من أجل تقديم الخدمة التي يحتاجها عملاؤهم بالفعل.
يعني ذلك عملياً أن تكون قادراً على القيادة أو تقديم الكوتشينغ أو المتابعة، حسب الموقف؛ وبالتالي القدرة على التوضيح أو توفير المعلومات أو إثارة التحدي في النفوس أو التثقيف أو الإقناع.
لكي ينجح المستشارون في أداء هذه الأدوار، سوف يحتاجون إلى امتلاك مهارات تواصل ممتازة.
تكمن أهمية تقديم المشورة في الوضوح والتكامل ودقة المواعيد والترابط، وهي المبادئ الأساسية للتواصل الفعَّال؛ ولكن إذا أراد المستشارون تطوير علاقات منفتحة وصادقة ودائمة مع العملاء، فسوف يحتاجون أيضاً إلى فهم الجوانب النفسية للتواصل البشري.
التعبير عن القيم والسلوكات المهنية
إنَّ الطريقة التي يتواصل بها المستشارون مع عملائهم والمساهمين الآخرين لا تقل أهمية عن الرسالة نفسها؛ فكل رسالة يُقدِّمها المستشار هي جزء منه.
ببساطة، تعكس الطريقة التي يتواصل بها المستشارون مبادئهم ومعتقداتهم وقيمهم.
إنَّ التواصل غير اللفظي مثال بارز عن كيفية تعبير الأفراد عن مشاعرهم، إمَّا بوعي وإمَّا دون وعي، من خلال لغة جسدهم ونبرتهم وإيماءاتهم وتعبيرات وجوههم ومواقفهم.
إنَّه مفهوم هام في التواصل البشري، وليس من المستغرب أن يحتل مكانة عالية في عديد من برامج التدريب الاستشارية.
ومع ذلك، فإن أسلوب التواصل ليس معروفاً تماماً، ولكن بالنسبة للمستشارين، تُعَد الطريقة التي يتواصلون بها عاملاً هاماً في تحديد علامتهم التجارية الشخصية؛ لذلك يحتاج المستشارون إلى إدراك أنَّ أسلوب تواصلهم له تأثير بالغ في الطريقة التي ينظر بها الآخرون إليهم.
الأنماط الخمسة للتواصل البشري
نعلم الآن من خلال علم النفس أنَّ للتواصل خمسة أنماط مختلفة يمكن للأفراد أن يختاروا اتِّباعها وهي: الحازم، والعدواني، والعدواني السلبي، والمتلاعب، والخانع.
يتميز كل نمط من هذه الأنماط بنوع معيَّن من السلوك واللغة والتواصل غير اللفظي، وفي حين أنَّ هذه الأنماط قد تتغير تبعاً للموقف، فمن المرجَّح أن يكون للأفراد نمطهم "الافتراضي".
1. الحازم
يُظهر الحزم تقديراً عالياً للذات، وهو أسلوب تواصل متوازن وفعَّال؛ فالمتكلمون الحازمون واثقون من أنفسهم، وقادرون على تحقيق توازن بين الحاجة إلى الإنجاز، والحاجة إلى احترام آراء الآخرين، وأسلوبهم (وبالتالي سلوكهم) ليس عدوانياً ولا سلبياً، ممَّا يُمكِّنهم من امتلاك الثقة للتواصل دون اللجوء إلى التلاعب.
ومع ذلك، فإنَّ التحلي بالحزم لا يعني حصول الأفراد على ما يريدون دائماً، ولكن قد يساعدهم الحزم في الوصول إلى حل وسط؛ وحتى إن لم يحصلوا على النتيجة التي يريدونها، فسوف يشعرون بالرضا لمجرد معرفتهم أنَّهم تعاملوا جيداً مع الموقف، وأنَّ تواصلهم لم ينتج عنه مشاعر بُغض. ومع ذلك، من المدهش أنَّ نمط التواصل الحازم هو الأقل استخداماً لدى معظم الناس.
مثال: "أنا آسف، لا يمكنني حضور ورشة العمل، لارتباطي باجتماع في ذلك الوقت".
ردود فعل المشاركين المحتملة هي:
- الشعور بأنَّ هذا الشخص يمكن أن يثير مخاوفهم.
- الوثوق أنَّ هذا الشخص يفعل الشيء الصحيح.
- احترام هذا الشخص.
2. العدواني
ليس من المستغرب أن يطمح هذا النمط إلى الفوز، والفوز غالباً على حساب شخص آخر.
يتصرف من يُظهرون العدوانية في أثناء عمليات التواصل كما لو أنَّ احتياجاتهم هي الأهم، وأنَّ حقوقهم وآراءهم أكثر أهمية من احتياجات الآخرين. كما أنَّه من غير المرجَّح أن يُعبِّروا عن رسالتهم تعبيراً فعَّالاً؛ لأنَّ الناس سوف يتفاعلون مع طريقة تعبيرهم بدلاً من التركيز على الرسالة نفسها.
مثال: "سأفعل ذلك بطريقتي؛ لقد نظرت في خياراتك وبصراحة وجدتها محرجة".
ردود فعل المشاركين المحتملة هي:
- الخوف من ذكر الأخبار السيئة (مثل الإبلاغ عن تأخيرات في المشروع، أو مشكلات ستؤثر فيه) خشية أن يقع اللوم عليهم.
- الشعور بأنَّهم مُرغمون على الموافقة على الاقتراحات، حتى لو لم يوافقوا عليها.
- الشعور بأنَّهم يتعرضون للتنمُّر.
3. العدواني السلبي
يظهر الناس في هذا النمط سلبيين ظاهرياً، لكنَّهم في الواقع يتصرفون بغضب بطرائق غير مباشرة أو مخفية.
غالباً ما يكون الأفراد الذين يُظهرون هذا النمط من التواصل مستائين وراغبين في تقويض المساهمات التي يقدمها الآخرون، حتى لو انتهى الأمر بالتأثير سلباً على وضعهم هم أنفسهم.
إنَّ تعبير "إلحاق الأذى بالآخرين حتى لو أصابني الأذى" هو وصف مثالي للنمط العدواني السلبي.
مثال: "لا تقلق، سأحل المشكلات التي يسببها الطرف الثالث؛ فهذا ما أفعله دائماً".
ردود فعل المشاركين المحتملة هي:
- الشعور بالغضب والاستياء.
- الشعور بتقويض مساهماتهم.
- الشعور بضرورة الرد بطريقة ما لتلقينه درساً.
4. الخانع
يُركِّز الأفراد الذين يُظهرون سلوكات خانعة على إرضاء الآخرين وتجنُّب الصدام؛ إذ يتعاملون مع احتياجات وحقوق الآخرين على أنَّها أكثر أهمية من احتياجاتهم وحقوقهم، ويؤدون دوراً هامشياً خلال الاجتماعات أو المناقشات.
مثال: "سأدعك تقرر ما هو الأفضل".
ردود فعل المشاركين المحتملة هي:
- الشعور بأنَّ ما قيل لهم هو "ما يريدون سماعه" بدلاً من الحقائق.
- الشعور بأنَّ وقتهم يمر دون جدوى.
- الشعور بعدم رغبتهم في مساعدة هذا الشخص.
5. المتلاعب
يُظهر المتكلمون المتلاعبون سلوكاً ذكياً ومدروساً لتحقيق النتائج التي يحتاجون إليها، وقد يكون لديهم مهارات تأثير قوية أو قوة غير مباشرة تُمكِّنهم من التحكم في الآخرين لمصلحتهم الخاصة؛ حيث تُخفي كلماتهم رسالة دفينة، قد يكون الشخص الآخر غير مدرك لها تماماً.
مثال: "سوف أترقَّى هذا العام، وأتوقع بعض التغذية الراجعة الجيدة. بالمناسبة، أنا سعيد لأنَّ مديرك أحب هذا التقرير الذي ساعدتك به".
ردود فعل المشاركين المحتملة هي:
- الشعور بعدم الرغبة في التعامل مع هذا الشخص.
- الشعور بأنَّ هناك من يستغلهم.
- الشعور بعدم القدرة على الوثوق بهذا الشخص.
اتِّباع نمط تواصل مهني
لا ينبغي قياس نجاح الاستشارات بالمكانة أو المكافأة الشخصية، بل من خلال تحقيق نتائج مفيدة تُرضي جميع الأطراف؛ لذلك يجب أن تكون قيم النزاهة والصدق والعدل والاحترام حاضرة في كل تصرف وقرار يتخذه المستشارون.
وبناءً عليه، يجب أن يضمن تحقيق التميز الاستشاري عدم المسوامة على أي من هذه القيم في أسلوب التواصل الذي يتَّبعه المستشارون، بل يجب أن يُعبِّر عن السلوكات المهنية والقيم التي يدعمونها.