قد تبدو عبارة "نحن نصبح أذكى مع مرور كل يوم" عبارة مبتذلة، إلا أنَّنا نتعلَّم شيئاً جديداً كل يوم بالفعل، وهي قيمة أساسية في العديد من المؤسسات. وبصفتك متخصصاً في التعلُّم والتطوير، من المؤكد أنَّك درست كيف يتعلَّم البالغون، ولكنَّك تحتاج إلى بذل جهد كبير من أجل ضمان تطبيق مبادئ نظرية تعليم البالغين في تدريبك باستخدام أساليب ناجعة.

سوف يُرشدك هذا المقال إلى كيفية إحداث تغييرات عملية على برنامج التدريب في مؤسستك بناءً على نظرية تعلُّم البالغين. 

ما هي نظرية تعليم البالغين؟

هي ممارسة تهدف إلى تعليم البالغين لتطوير معارفهم أو مهاراتهم مبنية على خمسة افتراضات رئيسة حول المتعلمين البالغين، ويساعد استخدام الأفكار المطروحة في هذه النظرية المتخصصين في مجال التعلم والتطوير في المؤسسات على توفير تجارب تعليمية أكثر فائدة للموظفين.

مبادئ نظرية تعليم البالغين وتطبيقها

يضع مالكولم نولز (Malcolm Knowles) مؤسس نظرية تعليم البالغين الافتراضات التالية حول الطريقة التي يُفضِّل بها البالغون التعلُّم، ومن خلال فهم هذه المبادئ، يمكنك تصميم برنامج تدريب يُستخدم في مكان العمل لتعزيز تجربة التعلُّم وزيادة فاعليتها.

1. البالغون ومفهوم الذات

نحن نتحول من أشخاص يعتمدون على الآخرين إلى أشخاص مستقلين ذاتياً مع تقدُّمنا في العمر؛ لذلك يرغب البالغون في التعلُّم باستخدام أسلوب التوجيه الذاتي بدلاً من التعلُّم بقيادة مدرب؛ حيث يحتاج البالغون إلى المشاركة في تخطيط وتقييم تدريبهم للتفاعل الكامل معه.

التطبيق:

اسمح للموظفين في مؤسستك بالتحكم بالموضوع الذي يتعلَّمونه وبكيفية وتوقيت الوصول إليه، واستخدم محتوى جاهزاً ضمن منصة مرنة مثل إل إكس بي (LXB) أو إل إم إس (LMS) لإفساح المجال أمام عملية تعلُّم مبنية على الاستكشاف يستطيع الموظفون ممارستها كلما أتاح لهم الوقت ذلك.

تتميز بعض المنصات التعليمية بقدرات بحث وتصفية قوية تساعد سريعاً على تضييق نطاق الموضوع الذي يبحث عنه الموظف للعثور على الفيديو المناسب لكل موقف، حيث يقترح محرك البحث المحتوى بناءً على مهمَّة المتعلِّم ونشاط التعلُّم الأخير وتفضيلات الملف الشخصي، تماماً مثل خدمات البث التلفزيوني أو الأفلام المفضلة لدى المتعلِّم.

هناك طريقة أخرى رائعة لاستخدام الافتراض القائم على مفهوم الذات، وذلك من خلال تقديم نموذج تقييم المهارات الناعمة للمتعلِّمين؛ حيث يكتشف الموظفون خلال هذا التقييم أي من مهاراتهم الناعمة يمكن أن تستخدم معظم التحسينات، مما يسمح لهم بأن يكونوا جزءاً من التخطيط لمبادرة التدريب.

2. تجارب المتعلِّمين البالغين

عندما نكبر، يتراكم لدينا مخزونٌ كبيرٌ من التجارب التي تصبح مصدراً هاماً للتعلُّم؛ حيث يستفيد البالغون أكثر من التدريب عندما يستفيدون من التجارب السابقة ويتحققون من صحة ما يتعلمونه بناءً على ما يعرفونه بالفعل، وهذا يضيف قيمة أكبر لتعلُّمهم؛ حيث توفِّر التجارب (بما في ذلك الأخطاء) الأساس لنشاطات التعلُّم.

التطبيق: 

يجب أن يكون التعليم موجهاً نحو المهام بدلاً من تعزيز الحفظ بحيث تكون نشاطات التعلُّم في سياق المهام المشتركة التي يتعين على الموظفين القيام بها، فهُم بحاجة إلى حل المشكلات واستخدام المنطق لاستيعاب المعلومات الجديدة.

في بعض المؤسسات، قبل أن تُكتب حتى كلمة واحدة من الدرس الجديد، يحصلون على معلومات عما يفعله الموظفون في العمل لتحقيق النتائج المرجوة، بما في ذلك المعرفة والمهارات التي تسمح لهم بتقديم الأداء المطلوب؛ حيث يساعد إجراء "تحليل فجوة المهارات" المتخصصين على التعلُّم والتطوير في تحديد مستوى خبرة الموظف ونوع التدريب الذي يحتاج إليه، ولتحقيق النتائج المرجوة، ابحث عن المعلومات التالية:

  • كيف يؤثر أداء (المسمى الوظيفي) في نتائج المؤسسة المرغوبة.
  • ما يجب على (المسمى الوظيفي) القيام به للتأثير في نتائج المؤسسة المرغوبة.
  • ما هي المعارف والمهارات التي يحتاجها (المسمى الوظيفي) لأداء هذه المهام؟
  • هل يمتلك (الموظف أو المرشح) بالفعل أي من المهارات أو المعرفة اللازمة لـ (المسمى الوظيفي)؟

قد يساعدك إجراء تحليل فجوة المهارات على تخصيص تدريب كل موظف تخصيصاً أفضل بناءً على خبرته السابقة، ويمكن معالجة هذا الأمر من خلال تقسيم مسارات التعلُّم إلى مهارات على المستوى المبتدئ والمتوسط ​​والمتقدِّم في موضوعات مثل الاتصال والقيادة والإدارة وخدمة العملاء وإدارة الأداء. 

3. جاهزية البالغين للتعلُّم

يصبح البالغون مستعدين للتعلُّم مع ظهور أشياء يحتاجون إلى معرفتها في الوقت الحالي، ويرغبون في معرفة ما يمكنهم تطبيقه على الفور، مما يجعل التدريب أقل فاعلية عندما يركز على المستقبل أو لا يرتبط بالمواقف الحالية؛ وذلك لأنَّ اهتمامهم يتمحور حول الموضوعات التعليمية التي لها صلة وتأثير مباشر في عملهم أو حياتهم الشخصية.

التطبيق:

أنشئ خططاً مخصصة للتعلُّم والتطوير؛ إذ ليس من المعقول دائماً جعل جميع الموظفين يتبعون مسار التعلُّم نفسه؛ وهو أمرٌ غير فعالٍ غالباً؛ حيث يجب أن تستند هذه الخطط إلى ما هو أكثر صلة بالفرد أو مجموعة الموظفين الذين يؤدون الدور نفسه حتى يكونوا ناجحين، وباستخدام منصات التعلُّم عبر الإنترنت، يمكنك أنت أو مديرك إنشاء قوائم تشغيل مخصصة لاحتياجات كل موظف.

بالإضافة إلى التدريب المُحدَّد أو الموصى به، تتيح أي مكتبة محتوى منظمة للموظفين العثور على مقاطع فيديو تدريبية حول موضوعات محددة وقت الحاجة.

تستغرق معظم دروس التعلُّم المصغر 10 دقائق أو أقل؛ لذا يتوفر التدريب للموظفين بكبسة زر، سواء كانوا يريدون صقل مهارات التفاوض مباشرة قبل مكالمة هامة مع عميل محتمَل، أم حضور درس حول كيفية إجراء محادثات صعبة مع موظف، أو أي شيء آخر.

4. توجُّهات البالغين نحو التعلُّم

مع التقدُّم بالعمر، تتغير وجهات نظر البالغين من التسويف إلى التطبيق الفوري للتعلُّم؛ ونتيجة لذلك يتحوَّل توجههم نحو التعلُّم من التركيز على الموضوع إلى التركيز على المشكلة.

التطبيق:

نظراً لأنَّ البالغين يُفضِّلون التعلُّم بأنفسهم، يجب أن تسمح عروض التدريب للموظفين باكتشاف المعرفة والاحتفاظ بها بأنفسهم دون الاعتماد على الآخرين، ولكن يجب تقديم التوجيه والمساعدة لهم عند ارتكاب أخطاء، أو عندما يتطلب حل مشكلة ما تغذية راجعة من الآخرين.

يستطيع المتعلِّمون من خلال مكتبة تعلُّم عبر الإنترنت تحتوي على خيارات البحث والتصفية المتقدمة العثور بسرعة على درس أو دورة تدريبية تساعدهم على معالجة المشكلة المطروحة، كما توفر مقاطع الفيديو الجاهزة للموظفين سرعة وسهولة العثور على الموضوع المناسب، واستيعاب المعلومات، وتطبيقها على المشكلة التي يحاولون حلها، وبفضل مكتبات الفيديو المرتبة باحتراف، يمكن للموظفين التعلُّم مباشرةً والحفاظ على الإنتاجية عالية.

5. دافع التعلُّم لدى البالغين

يتَّبع البالغون الدافع الخارجي بدلاً من الدافع الداخلي في أثناء نموِّهم ونضجهم؛ ويعني الدافع الخارجي القيام بشيء ما لأنَّك تريد الحصول على مكافأة أو تجنُّب العقوبة، أما الدافع الداخلي فيعني فعل شيء لأنَّه مجزٍ لهم على الصعيد الشخصي؛ أي أنَّهم سوف يتعلَّمون رغبةً منهم في التعلم؛ حيث كل ما عليهم فعله هو أن يسألوا أنفسهم: "ما الفائدة التي سأجنيها من ذلك؟"، وأن تكون لديهم إجابة مُرضية.

التطبيق:

يتطلب تحفيز الموظفين على تقديم أداءٍ جيد أموراً لا تقتصر على منحهم راتباً مجزياً والثناء على الأداء؛ إذ تختلف طريقة التحفيز من موظف إلى آخر، ويجب أن يعرف المدير ما يُحفز كل موظف؛ لذا إليك بعض الأمور التي تُحفِّز الموظفين على التعلُّم تحفيزاً جوهرياً:

الاستقلالية في التعلُّم: عندما يكون لدى الموظفين خيارات بدلاً من توجيههم لفعل شيء ما، يشعرون بالسيطرة ويزداد دافعهم الداخلي.

الارتباط: شجِّع على التعلُّم الاجتماعي من خلال العمل الجماعي لجعل الموظفين يشعرون بالترابط، فعندما يشعر الموظفون بالانتماء؛ فإنَّهم يرتبطون بعلاقات ذات مغزى أكبر ويؤدون أداءً أفضل.

الكفاءة: يحتاج الموظفون إلى الشعور بأنَّهم جاهزون لمواجهة التحديات في مكان العمل، ويمكن للمديرين تنمية كفاءة موظفيهم من خلال تكليفهم بمهام صعبة ومن ثم تقديم التغذية الراجعة والمعلومات حول كيفية إكمالها.

استخدام العلم ونظرية تعلُّم البالغين لتصميم برنامج تدريب أقوى

يتذكر المتعلمون البالغون المعلومات تذكُّراً أفضل عندما تكون مفهومةً ومفيدة؛ لذلك من الضروري معرفة سبب تعلُّم مهارة معينة، ونظراً لأنَّهم يمتلكون عقلية ناضجة يكونون أفضل في إيجاد حلول لمشكلات الحياة الواقعية بدلاً من مجرد حفظ المعلومات؛ إذ تُعدُّ مهام حل المشكلات والتطبيق الفوري والمهام القائمة على الأداء جزءاً أساسياً لتعلُّم البالغين.

عندما يتعلق الأمر بتدريب المؤسسات وتطوير الموظفين، فهناك كم هائل من المعلومات المتاحة، مما يجعل تحديد الاستراتيجيات المناسبة لمؤسستك أمراً صعباً، خاصةً عندما يتوفر لديك عشرات الآراء من مئات المصادر.