أغلب الأنشطة التدريبية والتعليمية تتضمن تواصلاً مع المتعلمين. ولهذا يصبح لزاماً علينا معرفة المكونات العامة للتواصل، وخاصة "للتواصل مع الجمهور وجهاً لوجه"، وكلما فهمت: "كيف يتم التواصل" كلما أصبحت قادراً أكثر على الإلقاء والتدريب. دعنا نأخذ نظرة سريعة على نموذجين مشهورين من نماذج التواصل، وبشكل يسمح لنا بمعرفة أين تكمن مشاكل التواصل.

النموذج الخطي للتواصل: وهو مكون من ثلاثة عناصر أساسية (ومهمة في التواصل) هي: المتكلم والرسالة والمستمع. فالمتكلم يرسل رسالة للمستمع، ومن الممكن أن يسمى المتكلم بـ "المُرسل"، أو "المصدر"، أو "المُرَمز"، والترميز يعني عملية اختيار الرموز اللازمة لحمل الرسالة، أو عملية وضع الأفكار في رموز، أما الرسالة فيقوم المتكلم بتحديد صياغتها وهي التي تحمل الأفكار إلى المستمع (المُستقبل الذي يفك الشيفرة) والذي يبدأ بدوره بفك رموز الرسالة، وربط المعاني بالكلمات والإيماءات والصوت الذي يتلقاه. وللنموذج الخطي.

نقاط ضعف وهي: (1) الافتراض بأن الشخص إما أن يكون مُرسلاً أو مستقبلاً، مع أنه في الحقيقة يلعب الدورين معاً. (2) الافتراض بأن التواصل يحمل رسالة واحدة، والحقيقة أنه توجد رسائل عدة، حيث أن الرسالة التي يُرسلها المُرسل لا تكون أبداً متطابقة مع الرسالة التي يستلمها المستقبل، مهما كان هناك تشابهاً بينهما.

النموذج التفاعلي للتواصل: وجد الباحثون في التواصل قصوراً في النموذج الخطي، وبدؤوا بإضافة مكونات أخرى ليجعلوه نموذجاً أفضل، واليوم يتكون النموذج الأكثر فعالية والأكثر انتشاراً من سبعة عناصر: المتكلم والرسالة والمستمع (عناصر النموذج الخطي)، إضافة إلى القناة، التغذية الراجعة، البيئة، والضجيج.

القناة (أو الناقل): ويشير هذا العنصر إلى الطريقة التي ترسل بها الرسالة، في "التواصل مع الجمهور وجهاً لوجه" يكون الناقل عبارة عن اهتزازات في الهواء ما بين المتكلم والمستمع، والتي تنتج عن حركة صوت المتكلم. من الممكن أن يتم كتابة الرسالة بأية لغة مفهومة لكل من المتكلم والمستمع، أو يتم تسجيلها صوتياً أو عبر فيديو، أو إرسالها عبر الإشارات الدخانية أو أية طريقة أخرى، كما تلاحظ فإن الصوت والكلمات ليست هي طريقتنا الوحيدة للتواصل.

استنتج عالم التواصل ألبرت مهرابيان بأنه عندما تتعارض أو تتضارب الإشارات، فإن الإشارات غير اللفظية تكون أكثر أهمية من الإشارات اللفظية في توصيل ونقل مشاعرنا أو مواقفنا للآخرين، ولقد لخص بحثه في المعادلة التالية: مجموع الشعور= 7% شعور صوتي + 38% شعور لفظي + 55% شعور تعبيرات الجسم. تفترض معادلة مهرابيان أنك عندما تتواصل مع شخص ما، فإن معظم المشاعر التي تكمن من وراء رسالتك، يتم حملها من خلال عناصر مرئية مثل تعبيرات الوجه والتواصل البصري، والإيماءات والحركة، وأكثر من ثلث رسالتك يتم حملها عن طريق عناصر لفظية مثل معدل سرعة الكلمات، حجم الصوت ونوعيته، والتغيرات في مستوى نغمته، وتبقى الكلمات لتحمل أقل من 15% من الرسالة حول ما تشعر به، وكمدرب ومحاضر لابد أن تتعلم كيفية التحكم في العناصر الثلاثة لهذه القناة: المرئي، اللفظي، الصوتي. حيث أن التدريب ليس مجرَّد قراءة أو سرد كلمات مناسبة.

التغذية الراجعة: وهي الاستجابات اللفظية وغير اللفظية ما بين المتواصلين، والتي تكون عادة حول وضوح أو قبول الرسائل المتبادلة، فإذا كنت في مجموعة، وقمت بإخبار نكتة ما فسيقوم أفراد المجموعة بإخبارك عن طريق إشارات صوتية (ضحكة مثلاً) أو إشارات لفظية أو مرئية فيما إذا فهموا النكتة أم لا، وكيف شعروا تجاهها، وإذا كنت منتبها فسوف تعرف من أحبها، ومن لم يحبها، ومن لم يفهمها ومن تضايق منها، ولكي تكون فعّالاًً فإن عبارة "إذا كنت منتبهاً" عبارة مهمة جداً، حيث يجب أن يتم استلام وتفسير التغذية الراجعة بشكل دقيق. وبما أن "التواصل مع الجمهور" نشاط محوره الجمهور، فلا بد أن يكون المحاضر حساساً تجاه التغذية الراجعة من جمهوره، فقد يقدم لك جمهورك تغذية راجعة عن وعي وقصد، وقد لا تكون عن وعي وقصد، ولكنه سيقوم دائماً بتزويدك بتغذية راجعة بطريقة ما، "وإذا كنت منتبهاً" ستعرف متى يفهمون النقاط التي تستعرضها، ومتى يقدّرون فكاهتك، ومتى يعترضون عليك.

البيئة: هناك عاملان يبلوران بيئة التواصل: الأول هو مناسبة التواصل، والثاني هو موقع التواصل. ونعني بمناسبة التواصل: الأسباب التي دعت الناس للتجمع مع بعضهم البعض، أكان الاجتماع بشكل جدي أو احتفالي، عفوي أو مُخطط له، ومن المُمكن أن تكون المناسبة غير رسمية مثل حفل لبعض الأصدقاء أو رسمية وتقليدية مثل حفل تخرج. أما بالنسبة لموقع التواصل، فلنفترض أنك في قاعة تدريب فأنت تعرف حجم القاعة وعدد أفراد الجمهور، وتعرف فيما إذا كانت المقاعد ثابتة في الأرض أو قابلة للتحريك، وتعرف فيما إذا كان هناك لوحاً للكتابة أو كمبيوتراً أو منصة تساعد على التدريب، وأنت تعرف (أو ستكتشف سريعاً) المشاكل الموجودة في القاعة: فمثلاً المنصة غير ثابتة، أحد أجهزة الإنارة معطل، ترتيب الطاولات لا يساعد في حرية حركة المتدربين.

الضجيج: وهو أي شيء يصرف الانتباه عن التواصل الفعّال، وسنناقش ثلاثة أشكال للضجيج: الضجيج الفيزيائي والذي يحدث بسبب بيئة التواصل الفيزيائية، مثل أصوات الشارع، أصوات المكيف، أصوات المتدربين، أصوات الأشخاص وهم يتحدثون ويضحكون أثناء مرورهم بالقاعة، وقد لا يكون الضجيج الفيزيائي من الصوت فقط، فقد ينشغل المتدربون ببرودة القاعة أو بحرارتها، أو بقلة الإضاءة فيها، أو برائحة غير مناسبة من مصدر قريب، وبالتالي أي شيء موجود في بيئة القاعة ويؤثر على التواصل هو ضجيج فيزيائي. أما الضجيج الفسيولوجي فهو مثل الأنفلونزا التي تؤثر على قدرة سماعك وتكلمك، أو وجع الرأس، أو الجوع، فالضجيج الفسيولوجي يتم في أجسام المتواصلين، ويجعلهم ينتقلون من التركيز على التواصل إلى التفكير بما يشعرون من عدم الراحة. وأخيراً الضجيج السيكولوجي وهذا الضجيج يكون في فكر المتواصلين أكثر منه في أجسامهم، مثل الانزعاج، القلق، الاكتئاب، فالضجيج السيكولوجي يولد في أفكار المتواصلين.

كل من هذه الأشكال من الضجيج – الفيزيائي والفسيولوجي والسيكولوجي– قد تحدث بشكل مستقل، أو قد تحدث مجتمعة، وكمحاضر عليك أن تُقلل من آثار الضجيج: من خلال تغيير معدل كلامك، حجم صوتك، ونغمته مثلاً، أو من خلال حركات فيزيائية حية تقوم بها أثناء الإلقاء كي تقاوم الضجيج وتجذب انتباه المتدربين إلى رسالتك. وكما يفترض النموذج التفاعلي للتواصل فإن التحدث أمام الجمهور نشاط معقد، بالرغم من أننا نستطيع تحديد سبعة عناصر مختلفة لعملية التواصل، فإننا لا نستطيع تقييم كل منها بشكل منفصل عن بقية العناصر، فكل عنصر مؤثر ويتأثر ببقية العناصر.

  1. C.K. Ogden and I. A. Richards, The Meaning Of Meaning, 9th ed. (New York :Harcourt, Brace,1953)10-12. Chapter 1,''Thoughts, Words and Things'' (pp. 1-23), explains in detail the relationships between symbols, referents, and interpreters.
  2. Albert Mehrabian, Silent Messages: Implicit Communication of Emotions and Attitudes, 2nd ed. (Belmont, CA: Wadsworth, 1981) 77.
  3. Karlyn Kohrs Campbell, The Rhetorical Act, 2nd ed. (Belmont, CA: Wadsworth, 1996)119.

 


د. محمد ابراهيم بدره