أغلب الأنشطة الإنسانية التي نقوم بها تتضمن تواصلاً مع آخرين: مع الأب مع الأم مع الأولاد مع رب العمل مع المرؤوسين ... في التعليم مع المتدربين، وفي الإذاعة مع المستمعين، وفي التلفاز مع المشاهدين... وكلما كان تواصلنا جيداً مع الآخرين كلما كانت النتائج التي نحصل عليها في هذه الأنشطة أفضل... والعكس صحيح. ولنتمكن أكثر من التواصل سيكون جيداً أن نتعرف على مستوياته.

يمكن للتواصل أن يتم على خمسة مستويات مختلفة، وهي:

  • التواصل الذاتي.
  • التواصل الشخصي (الزوجي).
  • التواصل من خلال مجموعة.
  • التواصل مع الجمهور وجها لوجه.
  • التواصل مع الجمهور عبر وسائل مختلفة.

يتميز كل من هذه المستويات بعدد الناس الذي يتم التواصل معهم، وبمدى رسمية الموقف، وبإمكانية وجود فرص للتغذية الراجعة. و"التواصل مع الجمهور وجها لوجه" من خلال مجموعة هو ما يهمنا كمعلمين أو محاضرين، ولكن أخذ فكرة عن بقية أنواع التواصل أمر جيد.

التواصل الذاتي: يعرف ببساطة بأنه "التواصل مع نفسك"، ونحن نمارسه في كل لحظة نكون فيها مستيقظين، فإذا استيقظت متأخراً في الصباح وانزعجت بسبب تأخرك عن العمل، أو إذا كنت جالساً في مقعدك الآن مهموماً بسبب مشكلة ما، أو أنك تفكر في تخطيط لمهمة ما، فأنت ببساطة تتواصل مع نفسك. ويحدث أغلب التواصل الذاتي عندما نقوم بحل مشكلة، أو بالتفكير بكيفية فعل شيء ما في وضع معين، أو بالتخطيط للمستقبل القريب أو البعيد.

يتم التواصل الذاتي بشكل صامت، بالرغم من أننا في بعض الأحيان نتفوه بكلمات وبصوت عالٍ في أوقات التفكير وحل الألغاز، أو أوقات التسلية، أو الخوف. ونحن نتسمر في مقاعدنا وننصت بشغف عند استماعنا لمحاضر يناقش قضية مهمة لنا، فكل منا (كحضور) يتواصل ذاتياً بشكل كبير، وكذلك الأمر بالنسبة للمحاضر، باختصار إنه عملية مستمرة من التغذية الراجعة التي يقوم بها الشخص بمفرده.

التواصل الشخصي (أو الزوجي): يتم التواصل الشخصي بين الناس وعادة بين اثنين منهم، حيث يعد النقاش ما بين صديقين أو زميلين مثالاً عليه، وكذلك الأمر بالنسبة للنقاش مع أحد الغرباء، مثل رجل التحقيق عندما يقوم بالتحقيق مع مشتبه به في جريمة ما، أو عندما تتم مقابلة عمل، أو عندما يناقش المتدرب مدربه في نقطة ما.

حاول أن تتذكر آخر نقاش تم بينك وبين أعز أصدقائك، وتذكر كيف كنت تتفاعل معه بعفوية وسهولة، ولنفترض أنه أتى أحدهم وقام بتسجيل هذا النقاش بشكل سري، ومن ثم قام بكتابته على ورقة وجعلك تقرأها، على الأغلب أنك ستتفاجأ بعدد الجمل غير المنتهية في هذا النقاش، حيث أن الأفكار غير الظاهرة في الكتابة تكون واضحة تماماً في النقاش لأن صديقك يعرفك تماماً، وغالباً ما يعرف كيف ستقوم بإنهاء جملك، بكلمة أو بإيماءة ما، وكيف ستنتقل إلى فكرة أخرى، إنه يتواصل معك على موجة تناسبكما، وبالمثل فعندما تتكلم مع شخص غريب عنك فأنت ستحاول أن تكون أكثر وضوحا بجملك وبكلماتك.

التواصل من خلال مجموعة: يكون ذلك عندما يتم التواصل ما بين ثلاثة أشخاص أو أكثر، ويقومون بالتفاعل والتأثير على بعضهم البعض من اجل الوصول إلى قناعة ما بشكل عام.

وبالرغم من أن الباحثين وضعوا حدوداً مختلفة لحجم المجموعة، فإن وجود الانسجام أو هوية المجموعة شيء أساسي لأي تعريف لهذا المستوى من التواصل، فعندما تقوم مجموعة من المتدربين بنقاش تمرين ما (أعطاه المدرب) ويراجعون سوية المواد المتعلقة لإيجاد حلولٍ للتمرين، يكون التواصل الذي يتم بينهم من مستوى التواصل من خلال مجموعة، وكذلك الأمر بالنسبة لفريق عمل في قسم ما اجتمع أفراده لنقاش أهداف الفريق.

عندما تقوم بإلقاء محاضرة في صف ما، فأنت لا تقوم عملياً بالتواصل من خلال مجموعة (بل التواصل مع جمهور وجها لوجه) ولكن إذا وَلَّدت محاضرتك أسئلة ونقاشاً فمن الممكن أن يُعد هذا مثالاً عن التواصل من خلال مجموعة، ومن المهم في هذا المستوى من التواصل أن يملك أفراد المجموعة إحساساً بهويتها، حيث لا بد أن يؤمنوا ويقبلوا بأنهم يواجهون مشكلة ما، أو يتشاركوا باهتمامات متشابهة، أو ببساطة يعملون في نفس القسم لشركة ما.

ومن الممكن أن يتم "التواصل من خلال مجموعة" بشكل غير رسمي، حيث يكون أعضاء المجموعة أحراراً بنقاش المواضيع التي يرغبون فيها، أو يتم بشكل رسمي وذلك من خلال قواعد وإجراءات معينة، وكلما كان أعضاء المجموعة أحراراً بالمشاركة في النقاش كلما كان التواصل من خلال مجموعة أقوى وأوضح، وعندما يقف شخصٌ ما لتقديم تقرير، أو لتقديم محاضرة، فإن التواصل ينتقل للمستوى الرابع وهو "التواصل مع الجمهور وجها لوجه".

التواصل مع الجمهور وجهاً لوجه: يتم عندما يقوم شخص واحد بالتكلم وجهاً لوجه مع جمهور ما، ومن الممكن أن يكون حجم الجمهور صغيراً بحجم صف في مدرسة، أو كبير بحجم جمهور يملئ ملعب كرة قدم ، وكلما كَبُر حجم الجمهور كلما تزايد تدفق التواصل باتجاه واحد: من المتحدث إلى الجمهور، حيث تكون فرصة التواصل الكلامي لأي من أفراد الجمهور قليلة جداً مع المتحدث، فعلى سبيل المثال عندما تكون مشاركاً في دورة تدريبية بحجم صغير ستشعر بالحرية الكافية لطرح أسئلتك على المدرب أثناء عملية التدريب، أما في محاضرة تضم عدة مئات من المتدربين فستشعر بضغط أكبر كي تبقى صامتاً حتى ولو كان لديك سؤالاً مهماً، وإذا كنت تشارك في جمهور من عدة آلاف، فإنك لن تشعر بالضغط لكي تبقى صامتاً فحسب، بل إنك لو صرخت بسؤالك فإن المحاضر على الأغلب لن يسمعك.

يُعد تزايد تدفق المعلومات من جهة واحدة (من المتحدث إلى الجمهور) والإحساس المتزايد بالرسمية (وبشكل أكبر مما تشعر به في مستويات التواصل السابقة) من أهم سمات "التواصل مع الجمهور وجها لوجه".

التواصل مع الجمهور عبر وسائل مختلفة: عندما يصبح الجمهور كبيراً بشكل لا يمكن جمعه في مكان واحد. فإن بعض أنواع المطبوعات أو الوسائط الإلكترونية (مثل الصحف، المجلات، الراديو، التلفزيون، أو الكمبيوتر، ...... وغيرها) تأخذ مكاناً ما بين المتحدث (أو الكاتب) والجمهور، ويحدُّ الفصل الفيزيائي ما بين المتحدث والجمهور (وبشكل كبير) من احتمالات التفاعل العفوي بينهما، حيث أن السمة المهمة "للتواصل مع الجمهور عبر وسائل مختلفة "هي تأجيل التغذية الراجعة للجمهور بشكل دائم، افترض على سبيل المثال، أنك شاهدت برنامجاً تلفزيونياً وكان قد ألهمك أو أغضبك بشكل كافٍ ليجعلك تكتب رسالة وتوجهها إلى المحطة، وحتى يأتي الجواب إليك فلا بد من أن تتم قراءة الرسالة من قبل شخص ما، وفي حال الموافقة عليها لا بد من موافقة إدارة التحرير، ومن ثم طباعتها وتحويلها إلى المذيع المختص لكي يتم بثها،.... قد تأخذ الفرصة في التغذية الراجعة ولكن بعد فترة زمنية ما.

والسمة الثانية أن طريقة إرسال الرسالة مهمة جداً، حيث أن وكالات الإعلان والمستشارين السياسيين يعرفون تمام المعرفة أن الطريقة التي ترسل فيها الرسالة لها نفس أهمية محتوى الرسالة (وهذا شيء يجب أن يتذكره المدرب) حيث أن إعلان المنتجات، الخدمات وغيرها تصل إلى أحجام وأنواع مختلفة من الجمهور عبر الراديو، والتلفزيون، والصحف، والإنترنت، ...... وغيرها.

ستحصل على مهارات "التواصل مع الجمهور وجها لوجه" بشكل سريع وسهل إذا بقيت واعياً للعلاقة ما بين "التواصل مع الجمهور وجها لوجه" وبقية أنواع التواصل الأربع. ومن الممكن في دورات الألقاء أن تستخدم "التواصل الشخصي" و"التواصل عبر المجموعة" لتحدد بعض المواضيع للتدرب عليها، ولتحدد كيفية النجاح فيها، ومن خلال النقاشات غير الرسمية بينك وبين بعض الزملاء الآخرين في الدورة حيث ستحصل على صورة واضحة عن جمهورك من خلال اكتشاف اهتماماتهم، مواقفهم وقيمهم، ومن الممكن أن تقدم لزملائك التغذية الراجعة التي تخص إلقائهم، وتتلقى منهم بنفس الوقت تعليقاتهم على إلقائك. وإذا سنحت لك الفرصة بتصوير فيديو لإلقائك فستربح خبرة مع واحدة من الوسائط الإلكترونية المهمة الخاصة "بالتواصل مع الجمهور عبر وسائل مختلفة" حتى ولو لم يتم بثها فضائياً، وعندما تقوم بالبحث عن مصادر معلومات لدعم محاضرتك أو تدريبك، وعندما تقوم بالإلقاء فإنك تقوم "بالتواصل الذاتي" مع نفسك من خلال التغذية الراجعة منك لنفسك، ومن زملائك لك. تستطيع القيام باستبانة فجوة التواصل.

  1. The Oxford English Dictionary ,2nd ed. (Oxford: Clarendon, 1989) 577.
  2. Thomas M. Scheidel, Persuasive Speaking (Glenview, IL: Scott, 1967) 2.

 


د. محمد ابراهيم بدره