عندما تفكِّر في مفهوم التعلُّم، ماذا تتخيل؟ الدورات، أم المدربين، أم الامتحانات، أم الواجبات؟ هذه كلها جوانب جوهرية للتعلُّم؛ ولكن في الحقيقة، لا يُقاس التعلُّم دائماً بالأرقام، فالتعلم غير الرسمي هو نوع من التعلُّم يحدث يومياً، سواء أدركنا ذلك أم لا؛ إذ يُعتقد أنَّ نظرية التعلُّم الطبيعية غير الرسمية وغير المنظمة والتي يقودها المتعلم، هي الطريقة التي نتعلم بها في حوالي 90% من الوقت.

في السنوات الأخيرة، بدأت المنظمات تدرك قيمة تثقيف موظفيها، وتقديم دورات تعليمية رسمية داخل منظماتها، ولكن، بدأت المنظمات الذكية الآن تدرك قيمة تنمية التدريب غير الرسمي أيضاً، إليك الدليل الكامل عن التعلُّم غير الرسمي، والآثار الإيجابية له في تدريب الموظفين، وآلية تعزيز بيئة التعلُّم غير الرسمية في مكان عملك.

ما هو التعلُّم غير الرسمي؟

التعلُّم غير الرسمي هو الاسم الذي يُطلق على التعلُّم غير المنظم، والذي يحدث بعيداً عن بيئات التعلُّم التقليدية الرسمية، مثل الفصل الدراسي، وليس له أهداف واضحة أو محددة؛ ذلك لأنَّه يتمُّ من دون تخطيطٍ في الغالب، ويكون موجَّهاً ذاتياً من قِبل المتعلم.

كيف يبدو التدريب غير الرسمي؟

هناك عدد قليل من السمات المميزة للتدريب غير الرسمي، والتي تميزه عن أساليب التعلُّم الأكثر رسمية، وأهم هذه السمات هي أنَّ التدريب غير الرسمي لا يحدث بناءً على خطة محددة، بل يحدث عادةً مصادفةً، لا سيَّما عندما يتعثر المتعلم في موقف تعليمي معيَّن.

إذا فكرنا في الأمر، فهذه هي الطريقة التي نتعلم من خلالها معظم الوقت؛ على سبيل المثال، أنت تقرأ كتاباً وتظهر كلمة لا تفهم معناها، فإذا بحثت عنها في جوجل (Google) واكتشفت معناها، فقد تعلمت شيئاً ما من دون تخطيط مسبق؛ أو إن كنت تلعب مع أحد أصدقائك، فقدَّم لك نصيحة مفيدة تجعل منك لاعباً أفضل؛ مرة أخرى، لقد تعلمت شيئاً ما عن طريق المصادفة.

لم يكن هناك برنامج محدد تلتزم به، ولم يكن هناك اختبارات أو مهام عليك القيام بها، لقد حدث كل شيء بعفوية تامة أو بلا تزامن؛ ومع أنَّ المتعلم ربما لم يكن على علم بالأمر، فقد تعلَّم شيئاً ما في النهاية.

ما هو التعلم غير الرسمي في مكان العمل؟

في الوقت الحالي، من الرائع رؤية المزيد من الشركات تستثمر أكثر من أي وقت مضى في مواد وبرامج التدريب والتطوير داخل مؤسساتها، ومع ذلك، فإنَّ معظم التدريب الذي تشجعه هو تدريب رسمي؛ وعلى أهميته، من الضروري أيضاً تعزيز ودعم التدريب غير الرسمي لموظفيك، نظراً لاحتوائه على الكثير من المزايا.

فوائد التعلُّم غير الرسمي في مكان العمل

1. منح المتعلم القيادة والتوجيه الذاتي

وفقاً لنظرية تعلُّم الكبار، يزدهر المتعلمون الكبار عندما يكون التعلُّم موجهاً ذاتياً وتحت سيطرتهم لذا يمنحهم التعلُّم غير الرسمي السيطرة؛ أي أنَّهم يختارون ما يتعلمونه، وعندما يحدث ذلك، ستكون لديهم فرصة أكبر للتفاعل مع المحتوى؛ وذلك لأنَّه أكثر قابلية للتطبيق وإثارة للاهتمام بالنسبة إليهم.

2. توفير تجربة مريحة للموظفين

على أهمية أنواع التدريب الرسمية، فهي ليست سهلة دائماً للمتعلم؛ إذ قد يشعر الموظفون بالإرهاق بسبب الاختبارات والواجبات والمواعيد المحددة والدورات الإلزامية التي يجب الخضوع لها، ونظراً لأنَّ التدريب غير الرسمي يقوم على سياسة عدم التدخل، فمن غير المرجح أن يصبح نقطة توتر أو تمريناً مرهقاً للمتعلم.

3. توسيع نقاط المعرفة والمراجع للموظفين

يُعدُّ توفير المعلومات اللازمة للموظفين من خلال التدريب الرسمي أمراً رائعاً، ولكن عندما يُصمِّمه خبراء في الموضوع، قد يصبح قاصراً كونه يركز وحسب على نقاط محددة للغاية، أمَّا عندما تشجع الموظفين على البحث في الموضوع بأنفسهم، فمن المحتمل أن يكتشفوا أفكاراً ونظريات وعمليات جديدة توسِّع معرفتهم، ويمكن بعد ذلك تبنِّي هذه المعارف الخارجية في الشركة، ممَّا يؤدي إلى تحسين عملك.

4. توفير الوقت والمال والموارد

يجب أن تكون بعض الدورات التدريبية رسمية، ولكن ليس كلها، وهذا يعني أنَّه في إمكان فريقك تخطي تطوير خطة التعلُّم، وإنشاء محتوى مخصص، وغير ذلك الكثير؛ حيث يتعلم موظفوك وحسب عندما يريدون التعلُّم ويحتاجون إليه، مع جهد محدود مطلوب منك.

أمثلة عن التعلُّم غير الرسمي في مكان العمل

إذاً، مع وجود العديد من الفوائد لمؤسستك، كيف يمكنك وضع استراتيجية تعلُّم غير رسمي داخل عملك؟ الخبر السار هو أنَّه من المحتمل جداً أن تكون هذه الاستراتيجية موجودة بالفعل، وللحصول على الفائدة الكاملة منها، ربما عليك وحسب اكتشاف طريقة لتنميتها بصورة أفضل، وفيما يلي 4 أمثلة عن التعليم غير الرسمي يجب مراعاتها في مكان عملك:

1. تشجيع ثقافة مشاركة المعرفة

لكي يتعلم موظفوك تعلُّماً غير رسمي، من المفيد أن يعلموا أنَّهم يعملون في بيئة، لا تسمح لهم بذلك فحسب، بل تدعوهم وتشجعهم على التعلُّم في أثناء أداء مهامهم في مكان العمل، وللقيام بذلك، ابحث عن الفرص التي تُمكِّن موظفيك من مشاركة المعلومات الثمينة التي تعلَّموها، واطلب منهم التوصية بالمصادر التي تعلَّموا منها، ثم اجمعها في رسالة إخبارية للشركة وأرسلها مرة واحدة في الشهر، أو يمكنك أن تقترح على كل فريق تخصيص بعض الوقت لمشاركة المعلومات التي يعتقدون أنَّها ستساعد زملاءهم في العمل.

2. تجميع المصادر الثمينة للموظفين

يُعدُّ وجود مكان لمشاركة المعلومات خطوة أولى مفيدة، غير أنَّ توفير مساحة للمتعلمين للعثور على معلومات مفيدة، يعزز مستوى التعلُّم، وسواء كان ذلك في جوجل درايف (Google Drive) أم دروب بوكس (Dropbox) مُشترك أم في المصادر المخزنة في نظام إدارة التعلُّم (LMS)، يجب عليك جمع المواد المفيدة للموظفين.

ثم عندما يرغبون في البحث عن معلومات، يمكنهم تسجيل الدخول واختيار موردٍ بأنفسهم لقراءته في وقتهم الخاص؛ ممَّا يساعدهم على معرفة المزيد حول موضوع معيَّن.

3. توفير التعلُّم الاجتماعي

الجانب الرئيس من التعلُّم غير الرسمي هو الجانب الاجتماعي؛ إذ إنَّنا نكتسب قدراً هائلاً من معلوماتنا من خلال مراقبة الأشخاص من حولنا والتفاعل معهم.

وفي بيئة العمل، هناك العديد من السبل التي يمكنك من خلالها تطوير ذلك؛ على سبيل المثال، الطريقة القديمة في إجراء النقاشات وجهاً لوجه في المكاتب أو خلال استراحات الغداء؛ أو بدلاً من ذلك، هناك المنتدى، وهو مكان يركز على العمل؛ حيث يجتمع موظفوك ويتحدثون ويطرحون الأسئلة ويتعلمون.

ومرة أخرى، مع نظام إدارة التعلُّم (LMS)، يُعدُّ إنشاء المنتدى ميزة سهلة التنفيذ؛ حيث يمكن للمتعلمين لديك، الدردشة مع بعضهم بعضاً حول موضوعات محددة ومشاركة المعلومات، كما يمكنك أيضاً، بصفتك مدرِّباً أو مشرفاً، أن تثري المحادثة وتوجِّه التعلُّم في الاتجاه المطلوب، من دون إضفاء الطابع الرسمي عليه.

4. تخصيص وقت للتعلُّم

بعد أن حدَّدت مكاناً للمشاركة، ومصادر للقراءة، ومناقشات يمكن إجراؤها، بقي أن تحدد الوقت للتعلُّم غير الرسمي، ومرة أخرى، هذا يعود إلى تشجيعهم؛ لذا تواصل مع موظفيك وأخبرهم أنَّه إذا كان لديهم موضوع معيَّن يهتمون به، فلديهم مُطلق الحرية في طرحه ومناقشته مع الآخرين، وإذا كانوا يتعلمون معلومات ثمينة حول دورهم وكيفية أدائهم بصورة أفضل، فهذا يعني أنَّهم يديرون وقتهم بكفاءة.