كيف يمكننا الاستفادة من المهارات والدروس التي تعلَّمناها عن التعلُّم الافتراضي في أثناء الحجر الصحي، ودمجها في برامج التعلُّم في المستقبل؟  

لقد ازدادت الحاجة إلى التعلُّم والتدريب الافتراضي مع انتقال الفرق إلى العمل عن بُعد خلال جائحة فيروس كورونا؛ حيث تحسَّنت مصداقية التكنولوجيا، واعتاد الناس على الاجتماعات الافتراضية وطرائق العمل المختلفة.

صحيح أنَّ الجائحة قد غيَّرت أولويات واحتياجات بعض الناس، إلَّا أنَّنا لطالما وضعنا نصب أعيننا ما نرغب في الحفاظ عليه أو تعزيزه أو التخلص منه في "نظامنا المستقبلي" في مجالَي التعليم والتطوير، حيث ستجبرنا الرحلة التي نخوضها نحو المستقبل على الاستمرار في تجربة تقنيات التدريب الافتراضية والإلكترونية؛ لذا فإنَّنا نمتلك الآن فرصة كبيرة لنُظهر إبداعنا اللامحدود.

قد يكون من الآمن في الوقت الحالي أن تجتمع فرق العمل في بيئات متباعدة اجتماعياً، ولكن من غير المرجح أن تعود الأمور في مكان العمل إلى ما كانت عليه تماماً قبل اندلاع الجائحة؛ وبدلاً من ذلك، نركِّز على تسريع عملية التعلم الرقمي، وتجربة "غرف" استراحةٍ افتراضية، وعقد ورشات عمل تفاعلية.

لم تتغير الحاجة إلى تدريب الموظفين، بل ما تغير هو الأساليب التي نوفِّر من خلالها هذا التدريب؛ فلم تعُد بعض الدورات التدريبية تلائم احتياجاتنا تماماً، ولكن ستُطرَح دورات جديدة بالتأكيد؛ ومع ذلك، توجد بعض المهارات التي ستكون مطلوبة دائماً في عالم ما بعد كورونا، كالتواصل والمرونة والابتكار؛ وذلك بغية دعم العمل المدمج.

لقد جمعنا فيما يأتي أربع مزايا يقدِّمها التعلُّم الافتراضي، وكيف سيساعد المؤسسات على التغلب على التحديات وتقديم خدمات قابلة للتكيف مع التغيرات المستقبلية.

1. قدرة الموظفين على التعلُّم كلَّما تسنى لهم ذلك:

يمكن أن يوفِّر التدريب الافتراضي التعلُّم والتطوير لمئات الموظفين في آن واحد، أو لكل موظفٍ وحده في الوقت الذي يناسب المناطق الجغرافية المتنوعة التي يتواجد كل فردٍ فيها؛ كما يمكن أن يتواصل الزملاء على نطاق أوسع لإثراء تجربة التعلُّم التي يخوضونها أيضاً.

إنَّه لمن السهل أن تُدرِج ندوات عبر الإنترنت مدتها ساعة ضمن جدول أعمال اليوم حينما لا يضطر الموظفون إلى السفر إلى مكتب معين من أجل حضورها، ويمكن تقسيم الدورات التدريبية الطويلة إلى ندوات إلكترونية ذاتية التوجيه وأصغر حجماً بدلاً من حضور ندوات قد تستغرق يوماً كاملاً؛ وإضافةً إلى ذلك، لا لزوم للسفر للاستفادة من فرص التعلُّم الإلكتروني، ممَّا يعني أنَّه يمكن للشركات تخفيض انبعاثات الكربون، وإعادة توزيع التكاليف لتعزيز برامج التعلُّم والتطور الأخرى.

2. الاستجابة لاحتياجات الموظفين الفردية:

يمكن أن يساعد الحصول على التغذية الراجعة من الموظفين من خلال إجراء استطلاعات رأي سريعة على منح فِرَق الموارد البشرية فكرة عن المجالات التي يمكن تحسينها، وفرص التعلُّم التي لم تخطر في بالهم من قبل؛ كما قد يحتاج الموظفون في ظل الظروف الراهنة خصوصاً إلى المساعدة في الابتعاد عن العمل، أو تحسين عافيتهم ورفاهيتهم.

تُعدُّ مشاركة الموارد أو تنظيم وتنفيذ ندوات عبر الإنترنت طريقتين سريعتين لمساعدة الأشخاص حينما يحتاجون إلى ذلك، كما يمكن إعادة تنظيم هذه الندوات بسهولة إذا كانت طبيعة الموضوع تتطلب حضور مجموعات صغيرة من المشاركين ولا يمكن تسجيلها، كالتدريب على التوعية بالصحة النفسية.

قد يكون التواجد في مجموعات كبيرة أمراً مزعجاً بالنسبة إلى أولئك الذين يعانون من اضطرابات عقلية أو من القلق الاجتماعي؛ لذا يمكن أن يساعد التعلُّم الافتراضي أكبر عدد ممكن من الأشخاص على الاستفادة من الدورات التدريبية دون عبء التعامل مع الآخرين، أو الخوف من التعبير عن رأيهم؛ كما يمكن أن يستفيد أولئك الذين يحاولون تحقيق التوازن بين الاحتياجات الأخرى في حياتهم الشخصية -كالآباء، أو مقدِّمي الرعاية، أو أولئك الذين يعملون بدوام مرن- من الدورات المسجَّلة والمحتوى التعليمي المُوجَّه ذاتيَّاً في الوقت الذي يناسبهم؛ حيث يعزِّز توافق مواعيد الدورات مع جداول مواعيد الناس كفاءتهم، ولا يؤثر في إنتاجيتهم.

إلى جانب ذلك، تختلف الأساليب التي يتعلم من خلالها الموظفون، وكذلك سرعة استيعابهم للمعلومات؛ لذا يساعد التدريب الافتراضي المتعلِّمين في إجراء الدورات التدريبية بالوتيرة التي تناسبهم، والتفكير بعمق في كل ما تعلَّموه بين الموضوعات.

3. التغلب على الحواجز الرقمية:

يشكِّل غياب عنصر التواصل البشري المباشر في التعلُّم تحديات؛ فحينما يسجِّل الموظفون حضورهم لدورة تدريبية قصيرة، قد يعتقد بعضهم أنَّ حضورهم ليس هامَّاً مثل أهمية التدريب الذي يجري وجهاً لوجه، أو قد ينسحبون من الدورة في منتصفها لأنَّها ستُعاد أو تُسجَّل؛ ولكن حتى الدورات التدريبية القصيرة تتطلب قدراً كبيراً من التخطيط والإعداد وتساعد الناس في النمو كغيرها من الدورات؛ لذا من الهام ابتكار وسائل ممتعة وإبداعية لجذب اهتمام الناس.

توجد العديد من الفروقات الدقيقة المرتبطة بالدورات التدريبية المباشرة، والتي لا يمكن محاكاتها افتراضياً؛ فحتى الأحاديث الجانبية التي تُجريها مع زميلك الذي يجلس بجوارك أو خلال استراحات الغداء يمكن أن تساعد في تعزيز العلاقة وتوليد أفكار جديدة؛ إذ كيف سنتمكن من مساعدة الناس في تحسين مهاراتهم الشخصية دون آليات التواصل الشخصي تلك؟

تمتلك الخبيرة الاستشارية والكوتش، الدكتورة ماغي إيفانز (Maggie Evans) بعض الأفكار الرائعة حول كيفية محاكاة التواصل والتجارب المباشرة؛ فتقول: "ما زلنا في طور تعلُّم هذه الأمور، ولكنَّنا نقسِّم الدورات التعليمية إلى سلسلة من الجلسات القصيرة التي تستغرق من ساعة إلى ساعتين، بدلاً من قضاء يوم كامل في حضورها؛ كما نستخدم التكنولوجيا لإنشاء غرف اجتماعات فرعية، ووضع تحديات عمل حقيقية تجري خارج نطاق جلسات التعلُّم، والحرص على منح الناس مساحةً للتفكير ومشاركة آرائهم خلال جلسات التعلُّم الافتراضي؛ كما نسهِّل على الناس الحديث عن نجاحاتهم لإبراز مدى تطبيق ما تعلَّموه".

4. التعلم والتطوير المستمر:

سيجبرنا مشوارنا نحو المستقبل على الاستمرار في تجربة تقنيات التدريب الافتراضية والإلكترونية؛ لذا فإنَّنا نمتلك الآن فرصةً كبيرةً لنُظهر إبداعنا اللامحدود؛ فمن خلال الدمج الفعال بين الأشخاص والمهارات والتكنولوجيا الفعالة، نقف عند نقطة تحول للحصول على جميع الفوائد الإيجابية التي يمكن أن يوفرها التدريب والتطوير عبر الإنترنت للموظفين، سواء الآن أم خلال السنوات القادمة.

يمكننا من خلال الدمج بين التدريب الافتراضي، والندوات عبر الإنترنت، والتعلُّم الذاتي، والتعلُّم المباشر وجهاً لوجه توفير تدريب ذي طابعٍ شخصيٍّ أكثر، وتوجيهه إلى جمهور أكبر وأكثر تنوعاً؛ وسيكون ذلك أمراً هاماً للغاية لفرق التعلُّم والتطوير (L&D) لمنح المتدربين الحرية في أثناء عملية التدريب، مع توفير فرص جديدة لتعزيز مشاركة الموظفين وتطويرهم.