يعدُّ بناء التواصل الجيد مع المتعلمين أمراً بالغ الأهمية لضمان اندماجهم، والشعور بالأمان النفسي، وامتلاك القدرة على النجاح، ومن خلال فهم لغات التواصل الست، يمكنك تعديل تواصلك اعتماداً على أسلوب المتعلم لبناء الروابط والعلاقات ورؤية نتائج تعليمية أفضل.
سواء كنت مدرباً أم كوتشاً أم منتوراً أم متخصصاً في مجال التعلم والتطوير، بالتأكيد واجهتَ وقتاً كنت تجد فيه صعوبةً في إيصال وجهة نظرك أو فَشِلَ المتعلمون في فهمها، ويمكن أن يكون هذا الأمر محبطاً ويستغرق وقتاً طويلاً، ويمكن أن يؤدي إلى نتائج سيئة وفشل في نقل التعلم، لكن، أنت تمتلك القدرة على تغيير هذا، فكل ذلك يرتبط بطريقة التحدث بلغة تتوافق مع نوع شخصية المتعلم.
إنَّ تركيبة شخصيتنا لها تأثير قوي في طريقة إدراكنا للعالم من حولنا، وكيف نتواصل مع الآخرين؛ فعندما نطابق لغة التواصل مع اللغة التي يفضلها المتعلمون، فإنَّنا نوصل رسالتنا إليهم مع بناء علاقات جديرة بالثقة معهم، ويعدُّ نموذج التواصل العملي (PCM) أحد الأدوات المُستخدمة بنجاح لهذا الغرض.
عندما نعرف اللغة التي يفضلها المتعلمون وطرائق استخدامها، فإنَّنا نتمكن من التواصل معهم بصورة أفضل ويكون من السهل علينا إيصال رسالتنا.
أنواع الشخصيات الستة المستخدمة في نموذج التواصل العملي:
نموذج التواصل العملي هو نموذج سلوكي للتواصل يبيِّن الاختلافات الشخصية الفردية، وقد استخدمته وكالة ناسا (NASA) وأيَّدته، كما استُخدِمَ بنجاح لبناء وعي ذاتي أفضل، وتحسين التواصل، وإدارة التوتر والصراعات، وتعزيز العلاقات، وتطوير الفِرق.
وفقاً لهذا النموذج، نحن جميعاً نمتلك 6 أنواع مختلفة من الشخصيات داخلنا، مرتَّبة حسب النوع المفضل، ويمكن تمييز النوع الأساسي لدينا عند الولادة أو خلال الأشهر القليلة الأولى من الولادة، ثم تُرتَّب الأنواع الخمسة المتبقية بدءاً من سن السابعة، وفقاً لمبادئ علم النفس التنموي والتأثير الاجتماعي.
غالباً ما نُعبِّر عن هذا النموذج باستخدام رسم على شكل بناء مكون من 6 طوابق كما هو موضح في الصورة أعلاه؛ إذ يساعدنا على تصوُّر تكوين كل بنية شخصية فريدة.
أنواع الشخصيات الموضحة في الصورة من الأسفل إلى الأعلى: المُفكر، المُنسجم، المُثابر، المُتمرد، المُشجع، المُتخيل.
يتحدث النموذج عن أنواع الشخصيات لدى الأشخاص، بدلاً من أنواع الأشخاص؛ إذ إنَّ نماذج الشخصية التي تتحدث عن أنواع الأشخاص تدعو بطبيعتها إلى الانفصال والتحيز والشعور بالأفضلية والتحامل.
تُلخَّص الأنواع الستة المتميزة للشخصية الموجودة داخلنا، مع صفاتها ونقاط قوتها في الجدول أدناه:
نوع الشخصية |
صفات الشخصية |
لغة التواصل |
نقاط قوة الشخصية |
المفكر |
|
الأفكار |
|
المثابر |
|
الآراء |
|
المنسجم |
|
العواطف |
|
المتخيل |
|
التقاعس |
|
المتمرد |
|
ردود الأفعال |
|
المشجع |
|
الإجراءات |
|
يقدم نموذج التواصل العملي أفكاراً قيِّمةً عن الطرائق التي تؤثر بها هذه الأنواع في طريقة تفكيرنا وشعورنا وتصرفاتنا، فكل نوع له مرشح إدراكي خاص به، وهي الطريقة المفضلة لرؤية العالم، ونظراً لأنَّ لدينا جميع الأنواع الستة، فنحن نمتلك القدرة على تقدير أيِّ نوع آخر والتواصل معه.
لغات التواصل الستة:
عند التواصل، يوجد في نموذج التواصل العملي 6 لغات مميزة تسمى الأطر المرجعية الإدراكية أو اللغات الإدراكية، وقد كانت المفاهيم التي اكتشفها الدكتور تايبي كالر (Taibi Kahler) هي اللغة التي تخفيها الكلمات؛ وذلك لأنَّ عملية التواصل غالباً ما تحمل معلومات أكثر من المحتوى المنقول.
عندما نتعلم التعرف إلى اللغة الإدراكية المفضلة لدى الأشخاص الآخرين وطريقة استخدامها، فإنَّنا نتواصل معهم بصورة أفضل، ويكون من السهل علينا إيصال رسالتنا، وبهذه الطريقة، سندعوهم لسماع وتذكُّر المزيد ممَّا نقوله لهم، ومن المرجح أن يتواصلوا معنا.
1. الأفكار: لغة المفكر
يسعى المفكر إلى فهم العالم من خلال تنظيم وفرز وتصنيف المعلومات التي يتلقاها؛ إذ سيتحدث عن الحقائق والبيانات والخصائص وسيطرح أسئلةً عن الأشخاص والزمان والمكان والأسباب والطرائق، كما أنَّه يقدِّر الآخرين الذين يستخدمون هذه اللغة معه.
بعض الأمثلة عن طريقة التواصل مع الشخص المفكر:
- تقديم جداول زمنية ذات صلة للمفكر في بداية اليوم واحترامه وإخباره: "هذا هو جدول أعمالنا لهذا اليوم، وهذه هي فترات الراحة لدينا، وما إلى ذلك".
- تقديم البيانات والحقائق والنسب المئوية والرسوم البيانية للمفكر، متى أمكن ذلك، عند مشاركة المعلومات.
- الاستعداد للإجابة عن الأسئلة؛ إذ يمتلك الشخص المفكر رغبةً طبيعيةً في فهم التفاصيل والعلاقات المنطقية بين الأمور التي تعلمه إياها.
- استخدام عبارات مثل: "أعتقد" و"ما هي الخيارات" و"هل هذا يعني" و"هل ستساعدنا على وضع خطة".
2. الآراء: لغة المثابر
إنَّ إبداء الآراء وإصدار الأحكام والتعبير عن المعتقدات هي عادة لدى الشخص المثابر؛ إذ إنَّه يرى الأمور من منظور الهدف والقيم والثقة، وكل ذلك يجري اختياره من خلال قيمه الشخصية ومعتقداته وضميره.
أمثلة عن طريقة التواصل مع الشخص المُثابر:
- السؤال عن رأيه.
- تجنُّب مخالفة آرائه، فإذا كنت لا تتفق معه، يمكنك أن تقول له أموراً مثل "هل لي أن أقدم وجهة نظري؟" أو "شكراً لك، سأفكر في مقترحاتك".
- استخدام عبارات مثل: "في رأيي" أو "يجب" أو "أعتقد" أو "الاحترام" أو "القيم" أو "الالتزام" أو "التفاني".
3. العواطف: لغة المنسجم
يدرك الشخص المنسجم العالم من خلال الشعور بالأشخاص والمواقف، وذلك باستخدام قلبه كبوصلة له؛ إذ إنَّه يهتم بعلاقاته وبرعاية الآخرين، والجو المريح هام بالنسبة إليه.
أمثلة عن طريقة التواصل مع الشخص المنسجم:
- يسعدني وجودك في تدريبي اليوم.
- أحبُّ أن تشعر بالراحة اليوم، فأنا هنا إذا كنت بحاجة إلى أيِّ شيء.
- أحبُّ أن أسمع رأيك حيال هذا الموضوع.
- استخدام تعبيرات مثل: "أشعر" أو "أنا مرتاح لـ".
4. التقاعس: لغة المتخيل
يرى المتخيل العالم من خلال التفكير فيما يحدث، وبالنسبة إليه الحياة عبارة عن فضاء مفتوح ومثالي لتخيُّل الاحتمالات، وعلى الرغم من أنَّه قد يبدو هادئاً وغير نشط ظاهرياً، إلا أنَّه مفعم بالنشاط داخلياً، فهو يستجيب بصورة جيدة للغاية عندما يتلقَّى توجيهات واضحة.
أمثلة عن طريقة التواصل مع الشخص المتخيل:
- إخباره بوضوح بما تريد منه القيام به في النشاطات.
- منحه الوقت لتصوُّر أو تخيُّل كيف يمكنه استخدام ما تُعلِّمه إيَّاه.
- إعطاؤه توجيهات واضحة باستخدام بعض الكلمات مثل: "تخيَّل" أو "فكِّر" أو "تصوَّر".
5. ردود الأفعال: لغة المتمرد
يقدِّر الشخص المتمرد مشاعر السعادة وينظر إلى العالم من خلال الرد على الأشخاص والمواقف بإبداء الإعجاب أو عدم الإعجاب؛ فهو شخص يتصرف بعفوية أكثر من التفكير، ويستجيب للمواقف أكثر من تحمُّل المسؤولية، كما أنَّه شخص مبدع أكثر ممَّا هو شخص تحليلي؛ إنَّه شخص مفعم بالحيوية والتفاؤل ومستعد دائماً لبعض المرح.
أمثلة عن طريقة التواصل مع الشخص المتمرد:
- السماح له بالاستمتاع في أثناء التعلم.
- تضمين بعض النشاطات الممتعة خلال التدريب.
- تشغيل الموسيقى خلال فترات الراحة.
- استخدام بعض العبارات مثل: "أنا أحب ولا أحب" أو "مذهل"، والعبارات المرحة والكلمات العامية.
6. الإجراءات: لغة المشجع
تظهر مبادرة الشخص المشجع واجراءاته من خلال طريقة التنفيذ، فهو يعمل على تحقيق الأشياء ثم تسمعه يقول: "فلنواصل العمل"، وما يميزه هو أخذ زمام المبادرة وإنجاز الأمور بسهولة؛ إذ سيجد طريقة للتغلب على العقبات، وسيكون دائماً قابلاً للتكيف ومكتفياً ذاتياً؛ إنَّه يرتقي إلى مستوى التحدي.
أمثلة عن طريقة التواصل مع الشخص المشجع:
- إدراج الكثير من التمرينات التفاعلية.
- إثارة روح التحدي لدى الشخص المشجع.
- استخدام بعض العبارات مثل: "الخلاصة" و"أفضل فرصة" و"أنت بحاجة إلى تحقيق ذلك" و"يكفي كلام ولنبدأ العمل"؛ أي حاول إدراج الكثير من الأفعال في حديثك.
الخلاصة:
في المرة القادمة التي تجد فيها صعوبةً لتوضيح وجهة نظرك عند تقديم التدريب أو الكوتشينغ أو المنتورينغ، تذكَّر لغات التواصل الست هذه وفكر في الأسلوب الذي يناسب الشخص جيداً، ومن خلال تعديل اختيارك للكلمات وطريقة تواصلك، ستكون لديك فرصةً أفضل بكثير ليصغي إليك الآخرون، وإقامة علاقات أقوى ستؤدي حتماً إلى نتائج أفضل للمتعلم وتطويره.