يمثل الجيل زد (Z)، المولود بين منتصف التسعينيات وعام 2010 أصغر شريحة من القوى العاملة في العالم، ومع تقلُّدهم مناصب مهنية مختلفة، أصبح من الضروري فهم خصائصهم الفريدة وتطلعاتهم والتحديات التي يواجهونها من أجل تدريبهم وتطويرهم بطريقة صحيحة.

توفِّر مهارة الجيل زد في استخدام التكنولوجيا ووجهات نظرهم المتنوعة ورغبتهم في العمل إمكانات كبيرة للمؤسسات الراغبة في الاستثمار في تدريبهم وتطويرهم؛ لذا يستكشف هذا المقال الجوانب الرئيسة لتدريب الجيل زد، ومن ذلك سماتهم، وتصميم برامج تدريب فعالة، وتبنِّي التكنولوجيا وتعزيز التعلم المستمر.

فهم القوى العاملة من الجيل زد:

قبل الخوض في بناء ثقافة الإدماج في المؤسسات، من الضروري فهم خصائص القوى العاملة من الجيل زد، وبخلاف الأجيال السابقة، نشأ الجيل زد في عالم شديد الترابط، وهذا ما أسهم بتشكيل سلوكاتهم ومواقفهم وتوقعاتهم في مكان العمل، فإنَّهم يبحثون عن المصداقية والصراحة والتأثير الاجتماعي في المؤسسات التي يعملون بها، وهذا يؤثر إلى حد بعيد في قرارهم بالانضمام إلى المؤسسات والبقاء فيها.

يجب على محترفي التدريب أخذ هذه السمات الأساسية في الحسبان عند تصميم برامج التعلم لموظفي الجيل زد، ويجب أن يكون التدريب مخصصاً ومعتمداً على التكنولوجيا ويركز على النتائج الملموسة التي تتوافق مع عقليتهم الموجهة نحو الهدف، وعادةً ما يُفضل الجيل زد التعلم التجريبي والنشاطات العملية والأساليب التفاعلية على التدريب التقليدي القائم على إلقاء المحاضرات.

تصميم برامج تدريبية فعالة للجيل زد:

لاستقطاب أصحاب المواهب من الجيل زد، يجب على متخصصي التدريب فهم أساليب التعلم التي يفضلونها، وتصميم برامج تدريبية تتوافق مع احتياجاتهم، وإليك 6 خطوات لتصميم برامج تدريبية فعالة للجيل زد:

1. دمج التعلم التقليدي والرقمي:

إنَّ براعة هذا الجيل في التكنولوجيا تجعله متجاوباً مع التعليم الإلكتروني وتطبيقات الهاتف المحمول ووحدات التعلُّم القائمة على الألعاب، وهذا يؤدي إلى تعزيز الاندماج وتحسين الاحتفاظ بالمعرفة، فقد يسمح تحقيق هذا التوازن للجيل زد باستثمار كفاءتهم الرقمية مع الاستمرار في الاستفادة من قيمة أساليب التدريب التقليدية، وهذا يوفر تجربة تعليمية شاملة وفاعلة.

2. وحدات التعلُّم الصغيرة:

لمراعاة قصر فترة انتباه الجيل زد، يجب تقسيم محتوى التدريب إلى وحدات أصغر يسهل استيعابها؛ إذ يسمح اعتماد نهج التعلم المصغر للمتعلمين باستيعاب المعلومات في جلسات قصيرة، وهذا يؤدي إلى تحسين الاحتفاظ بالمعرفة، وعن طريق تقديم محتوى صغير الحجم، يمكن للمؤسسات إدماج الجيل زد وتحسين تجربة تعلُّمهم، وهذا يضمن فهم المعلومات الحيوية والاحتفاظ بها على نحو أفضل.

3. التخصيص والاختيار:

يقدِّر الجيل زد التفرد والاستقلالية إلى حد بعيد، فقد يؤدي السماح لهم بالحصول على خيارات في مسارات التعلم وتخصيص وحدات التدريب بناءً على خياراتهم المفضلة إلى تعزيز شعورهم بمسؤولية تطورهم الشخصي، ويمكِّن هذا النهج المتعلمين من الجيل زد من التحكم في مسيرة تعلُّمهم، وهذا يجعلها أكثر إدماجاً وأهمية.

بتوفير فرص لتجارب التعلم المخصَّصة، تستطيع المؤسسات تلبية احتياجات الجيل زد المتنوعة وخيارات تعلُّمهم المفضلة على نحو أفضل، وهذا يؤدي في النهاية إلى مستويات أعلى من التحفيز والرضى وتنمية المهارات.

4. التطبيق العملي على أرض الواقع:

يُعَدُّ إدراج فرص التعلم التجريبي التي تحاكي الواقع أمراً ضرورياً لتعلُّم الجيل زد؛ إذ يتعلم هذا الجيل على نحو أفضل عندما يتمكن من تطبيق تدريبه مباشرة على المناصب المستقبلية، وعن طريق المشاركة في التجارب العملية وحل المشكلات في بيئة تحاكي الواقع، يكتسب الجيل زد مهارات عملية ويبني الثقة ويعرف كيف يطبق التدريب في مواقف الحياة الواقعية.

يزيد التعلم التجريبي من استعدادهم لسوق العمل، ويُعِدُّهم لمواجهة التحديات بكفاءة ويعزز من قدرتهم على التكيف، ويمكن للمؤسسات التي تقدِّم مثل هذه الفرص استقطاب أصحاب المواهب من الجيل زد والاحتفاظ بهم، وفي النتيجة تحصل على قوة عاملة مقتدرة وتتمتع بروح المبادرة.

5. التعاون والتعلم من الأقران:

يُعَدُّ تعزيز بيئات التعلم التعاونية التي تشجع التفاعل بين الأقران وتبادل المعرفة أمراً ضرورياً للجيل زد؛ إذ ينجح هذا الجيل في بيئات جماعية، فيمكنهم المشاركة والمناقشة والتعلم من أقرانهم.

يعزز التعلم التعاوني العمل الجماعي والتواصل ووجهات النظر المتنوعة، وهي مهارات يقدِّرها الجيل زد، وبتوفير مثل هذه البيئات، يمكن للمؤسسات الاستفادة من إمكاناتها الجماعية وتوفير جو تعليمي إيجابي يفيد النمو الفردي والنشاطات الجماعية عموماً.

6. فرص التعلم المستمر:

يُقدِّر الجيل زد فرص التعلم المستمر والنمو الوظيفي، وللحفاظ على اندماجهم واهتمامهم في تطورهم المهني، يجب على المؤسسات أن توفِّر فرصاً لتحسين المهارات وتحديثها.

يبيِّن توفير الوصول إلى برامج التدريب وموارد التعلم الالتزام بنموهم ويساعدهم على البقاء مطلوبين في سوق العمل سريع التطور، ولا يعزز هذا الاستثمار في تطويرهم الرضى الوظيفي فحسب؛ بل يعزز أيضاً معدلات الاحتفاظ بهم؛ إذ يبحث الجيل زد عن أرباب العمل الذين يدعمون طموحهم في الحصول على المعرفة والتقدم.

أساليب التدريب:

لجعل التدريب فعالاً لموظفي الجيل زد، استخدم أساليب التدريب الآتية:

1. ورش عمل تفاعلية:

يُعَدُّ إجراء ورش العمل العملية والنشاطات الجماعية أمراً حيوياً لتعلُّم الجيل زد واندماجه في العمل، فعندما يُتاح للجيل زد الفرص لتطبيق معلوماتهم على الفور، فإنَّ ذلك يؤدي إلى تعزيز فهمهم وتنمية مهاراتهم.

تتيح لهم التجارب العملية في بيئة داعمة وتعاونية اكتساب الثقة والشعور بالإنجاز، وهذا يحفزهم على التعلم أكثر؛ إذ إنَّ الحرص على توفير فرص التعلم التجريبي هذه يضمن بقاء الجيل زد مهتماً في تطوره المهني، ويسهم في نموهم الشامل بصفتهم أفراداً أكفاء ومقتدرين.

2.  التلعيب (Gamification):

يعزز التدريب بإضافة عناصر تشبه الألعاب، مثل الاختبارات والتحديات والمكافآت دافع الجيل زد ويجعل التعلم ممتعاً، كما أنَّ إضافة ميزات تشبه الألعاب إلى عملية التدريب تجعله أكثر إدماجاً، وهذا يؤدي إلى تعزيز المشاركة.

لا يضيف التلعيب عنصر المرح إلى تجربة التعلم فحسب؛ بل يعزز أيضاً المنافسة الشريفة والشعور بالإنجاز؛ إذ يسعى المتعلمون جاهدين إلى كسب المكافآت وتحقيق درجات أعلى، ويستفيد هذا النهج من الطبيعة التنافسية للجيل زد، وهذا يعزز احتفاظهم بالمعرفة وحماستهم للتعلم.

3.  التعلم القائم على الفيديو

تُعَدُّ مقاطع الفيديو القصيرة الغنية بالمعلومات فعالة للغاية لتدريب الجيل زد؛ إذ يوفر محتوى الفيديو ميزة سهولة الوصول إليه وإمكانية إعادة مشاهدته، وهذا يمكِّن المتعلمين من المشاركة في التعلم المرن بوتيرة تناسبهم، ويميل الجيل زد إلى استخدام التكنولوجيا الرقمية، ويفضل استيعاب المعلومات عن طريق الوسائط المرئية.

عن طريق استخدام مقاطع الفيديو، يمكن للمؤسسات تقديم محتوى تدريبي جذاب وموجز، بما يلبي خيارات التعلم المفضلة للجيل زد ويحسِّن الاحتفاظ بمعلوماتهم، ويضمن هذا النهج إمكانية الوصول إلى المواد التدريبية متى وأينما دعت الحاجة، وهذا يعزز تجربة تعليمية أكثر كفاءة وإدماجاً.

4. تعزيز التعلم والتطوير المستمر:

يمكن تعزيز التعلم والتطوير المستمر (L&D) في مكان العمل باستخدام الأساليب المختلفة الآتية:

أولاً: برامج المنتورينغ

تصميم برامج منتورينغ لا تُقدَّر بثمن بالنسبة إلى الموظفين من الجيل زد؛ إذ توفِّر هذه البرامج التوجيه والدعم للموظفين لاستكشاف مساراتهم المهنية، ومساعدتهم على تطوير مهارات محددة وتعزيز شعورهم بالانتماء إلى المؤسسة التي يعملون بها، كما يعزز وجود منتور يمكن اللجوء إليه للحصول على المشورة والأفكار النمو المهني للجيل زد ويقوِّي ثقتهم بأنفسهم.

إضافة إلى ذلك، يؤدي المنتورينغ إلى إنشاء رابطة قوية بين المنتورز ومتلقي المنتورينغ، وهذا يسهم في تنمية ثقافة عمل إيجابية تشجع التعلم المستمر والالتزام طويل الأمد تجاه المؤسسة.

ثانياً: ميزانيات التعلم والتطوير

يجب على أرباب العمل تخصيص موارد وميزانيات كافية لدعم مبادرات التعلم المستمر؛ إذ يُظهِر القيام بذلك الالتزام بنمو الموظفين وتطويرهم، ويرسل رسالة قوية حول تفاني المنظمة في رعاية القوى العاملة لديها.

لا يعزز الاستثمار في فرص التدريب وتطوير المهارات، مهارات الموظفين ومعرفتهم فحسب؛ بل يعزز أيضاً معنوياتهم وولاءهم، وبفضل القدرة على الوصول إلى الموارد اللازمة، يصبح موظفو الجيل زد أقدر على المنافسة، وهذا يسهم في النجاح الشامل والابتكار في المؤسسة.

ثالثاً: التغذية الراجعة والتقدير

تقديم التغذية الراجعة والتقدير بانتظام أمر ضروري لتحفيز الجيل زد وإدماجه في عملية التعلم، فقد يعزز الاحتفاء بإنجازاتهم وتقديم التغذية الراجعة البنَّاءة شعورهم بالإنجاز والنمو الشخصي، وتزداد حماسة الجيل زد عندما يعرف أنَّ المؤسسة تقدِّر جهوده.

يستطيع أرباب العمل تعزيز بيئة تعليمية إيجابية عبر تقديم تغذية راجعة في الوقت المناسب، وهذا يعزز حماسة الجيل زد للتحسين المستمر والتطوير المهني؛ إذ تؤدي حلقة التغذية الراجعة الداعمة هذه إلى تعزيز التزامهم بمناصبهم وتنمية ثقافة النمو والنجاح في المؤسسة.

رابعاً: تنمية المهارات للمناصب المستقبلية

نظراً للتطور السريع في التكنولوجيا ومختلف مجالات العمل، يجب أن تولي برامج التدريب أهمية لبناء مهارات يمكن نقلها من موظف إلى آخر لإعداد الجيل زد لتولِّي مناصب مستقبلية، وبالتركيز على المهارات القابلة للتكيف ومتعددة الاستخدامات، مثل التفكير النقدي وحل المشكلات والإبداع والمعرفة الرقمية، تستطيع المؤسسات إعداد الجيل زد لسوق عمل دائم التغير.

يضمن التركيز على التعلم المستمر والقدرة على التكيف تمكُّن الجيل زد من التنقل بين المناصب بثقة والتفوق في حياتهم المهنية، بصرف النظر عن المشهد المهني المتغير باستمرار.

في الختام:

يتطلب تدريب الجيل زد فهم سماتهم وتطلعاتهم وخياراتهم المفضلة الفريدة، ومن خلال الجمع بين الابتكار الرقمي والتعلم المخصَّص والتطبيق العملي، تستطيع المؤسسات بناء برامج تدريبية تُمكِّن هذا الجيل من تحقيق إمكاناته الكاملة.

لن يفيد تبنِّي التكنولوجيا وتعزيز التعلُّم المستمر وترسيخ ثقافة النمو الجيل زد فحسب؛ بل سيؤدي أيضاً إلى قوى عاملة تتمتع بالمرونة ومستعدة لمواجهة تحديات المستقبل، فإنَّ الاستثمار في تدريب الجيل زد هو استثمار في تطوير كل من الأفراد والمؤسسات التي يصبحون جزءاً منها.