تشير نظرية "منحنى النسيان" (forgetting curve) التي وضعها اختصاصي علم النفس الألماني "هيرمان إبنجهاوس" (Hermann Ebbinghaus) إلى أنَّنا ننسى 80% مما نتعلمه في غضون 30 يوماً من عملية التعلم، وتشير هذه النظرية الشهيرة إلى أنَّ أساليب التدريب التقليدية قد تؤدي إلى معدلات منخفضة من الاحتفاظ مع مرور الوقت، ولتحسين الاحتفاظ، استخدم مصممو التدريب أساليب مختلفة لجذب المتعلمين، ومنها التعلم المُصغَّر الذي يعني التعلم على دفعات قصيرة ومفيدة ومنتظمة، فإليك الدليل الكامل للتعلم المُصغَّر.
ما هو التعلم المُصغَّر؟
هو طريقة لتقديم محتوىً تدريبي للمتعلمين على دفعات قصيرة ومركَّزة؛ حيث تركز كل وحدة أو جزء على هدف تعليمي واحد، ويرتبط التعلم المُصغَّر ببنية الدورة التدريبية واستيعابها.
ماذا تعني كلمة المُصغَّر في التعلم المُصغَّر؟
تشير كلمة المُصغَّر إلى أنَّ وحدات المحتوى صغيرة، ولكن ما هي بالضبط وحدة القياس؟ هل هي الحجم أم الطول أم عدد الكلمات أم التفاصيل؟ يكمن الجواب في التجربة وليس المحتوى، والعبرة من التعلم المُصغَّر هي الاستيعاب الفعَّال للتدريب، فإن كان مقطع فيديو مدته 30 ثانية ينقل هدف التعلم على نحوٍ أفضل أو أسرع من نصَّين، فهذه هي الوسيلة التي يجب استخدامها.
أنواع المحتوى المستخدمة
يصف التعلم المُصغَّر أجزاءً من المحتوى يغطي كل منها هدفاً تعليمياً فريداً، فتخيَّل أنَّها نشاطات تعليمية صغيرة الحجم يمكن تدريسها وحدها أو ربطها معاً لتشكيل دورة تدريبية في نظام إدارة التعلم (LMS)، ولكن ما هو محتوى التعلم المُصغَّر؟ تختلف أنواع محتوى التعلم المُصغَّر ولكنَّها تتضمن بعضاً مما يلي:
- مقاطع فيديو قصيرة.
- مقاطع فيديو تفاعلية.
- رسوم متحركة.
- مخططات.
- عروض تقديمية.
- رسومات بيانية.
- كتب إلكترونية.
- اختبارات.
اختيار أنواع الوسائط المناسبة
الهدف هو التعبير عن نتائج التعلم بأفضل السبل الممكنة أو أكثرها فاعليةً؛ حيث يُعَدُّ الفيديو مثالياً للتعليم المُصغَّر لأنَّه نوع وسائط مفيد جداً، وكذلك الرسوم البيانية؛ إذ ينقل رسم بياني واحد كميةً كبيرة من المعلومات بتنسيق موجز وسهل الفهم.
مثال عن التعلم المُصغَّر
لشرح آلية عمل التعلم المُصغَّر، سنضرب مثالاً عن دورة "السلامة من الحرائق في مكان العمل"، وتهدف هذه الدورة التدريبية إلى تقليل المخاطر والحفاظ على سلامة الموظفين، على أي حال، ويمكن تقسيمها إلى أجزاء منفصلة، بحيث يغطي كل جزء هدفاً تعليمياً فريداً، والوحدات هي كما يلي: تستغرق الدورة التدريبية بالكامل 15 دقيقة ولكنَّها تُقدَّم على أجزاء صغيرة الحجم بحيث تشكل كل وحدة عنصراً هاماً قائماً بذاته، ويشكلون معاً دورةً تدريبية شاملة تفيد المتعلم.
- الوقاية من الحريق (دقيقتان).
- تحديد المخاطر وإزالتها (دقيقتان).
- التخطيط لحالات الطوارئ (دقيقتان).
- أين توجد مخارج الطوارئ (دقيقتان).
- كيفية استخدام معدات إطفاء الحريق (دقيقتان).
- كيفية استخدام بطانيات الحريق (دقيقتان).
- الاختبار (3 دقائق).
فوائد التعلُّم المُصغَّر
يفيدك التعلم المُصغَّر ويفيد المتعلمين بالطرائق التالية:
- يمكن تصميم الدورة التي تحتوي على وحدات صغيرة الحجم بسرعة أكبر؛ إذ من السهل إنتاج وحدات متعددة قائمة بذاتها بدلاً من إنتاج دورة كبيرة ومعقدة، كما يمكنك تصميم المزيد من الدورات التدريبية أو تحديث الدورات الموجودة لديك باستمرار.
- يتلاءم استخدام المحتوى على دفعات قصيرة مع أسلوب العمل وفترة انتباه الموظفين العاملين في المؤسسات الحديثة، فإنَّ جهود جذب انتباه المتعلم ووقته لا تتوقف؛ لذا صمِّم المحتوى ليكون سهل الاستيعاب وسريع الإكمال، وسترتفع معدلات التفاعل في مؤسستك.
- يؤدي تقديم القليل من المعلومات إلى فهم أفضل في بعض الأحيان؛ إذ يمكن الاحتفاظ بشرح قصير وبسيط للموضوع بسهولة أكبر من شرح معقد، فاسأل نفسك، ما الذي يحتاج المتعلم إلى فهمه، واستخدِمه كمحور تركيزك.
- تعزيز الاحتفاظ: بما أنَّ تكلفة إكمال وحدات التعليم المُصغَّر أقل من تكلفة الدورات الكبيرة، فهذا يعني إمكان تقديمها باستمرار، وحسب منحنى النسيان، فإنَّ القدرة على تحديث معرفة المتعلم باستمرار تُعزِّز الاحتفاظ لديه.
- يُعَدُّ التعلم المُصغَّر مثالياً للاستخدام بواسطة الهاتف المحمول؛ حيث تُعَدُّ وحدات التعلم المُصغَّر هذه أقل إرهاقاً لشبكات الجيل الثالث والرابع، كما أنَّ الوقت الذي تستغرقه يتناسب مع الجداول الزمنية للمتعلمين؛ إذ يمكنهم التعلم سواء كانوا في الحافلة أم في مكتب العمل، لذلك هناك تكامل بين التعلم المُصغَّر والتعلم باستخدام الهاتف المحمول.
عيوب التعلم المُصغَّر
إنَّ نموذج التعلم المُصغَّر بعيد عن الكمال، فكما هو الحال مع جميع اتجاهات التعلم الإلكتروني، يتعين عليك فحص مقدار فاعليتها وقيمتها قبل الاتكال عليها، ومن الواضح أنَّ هناك فوائد للتعلم المُصغَّر، ولكن دعنا ننظر في حالتين قد لا يكون فيهما شيء مفيد لك وللمتعلمين:
- موضوع معقد: إذا كان موضوع الدورة التدريبية مفصلاً للغاية أو معقداً، فقد لا يكون من العملي تصميم دورة تدريبية باستخدام أجزاء صغيرة من المحتوى، فالقاعدة الأساسية هي أن يحصل المتعلم من كل "دورة تدريبية مصغرة" على نتيجة تعلُّم قائمة بذاتها، وإذا كان كل جزء يتطلب الكثير من الشرح، فقد تكون الدورة التقليدية خياراً أفضل.
- نتائج تعليمية أكبر: تُعَدُّ الدورات المُصغَّرة رائعةً لمقدمة عن موضوع ما أو لتحديث المعرفة، ومع ذلك، فهي ليست رائعةً لبناء فهم لموضوع واسع، لذلك قد يكون المزج بين عناصر التعلم المُصغَّر والدورات التقليدية التي تأخذ الموضوع وظروف الجمهور في الحسبان هو أفضل نهج للاستفادة من كلا النموذجين.
إرشادات ونصائح حول التعلم المُصغَّر
إذا كنتَ تنشر التعليم المُصغَّر في مؤسستك أو تفكر فيه في المستقبل، فهناك بعض النصائح التي يجب اتباعها.
- ضع جمهورك في حسبانك دائماً: يناسب التعلم المُصغَّر بعض المتعلمين، ولكن ليس جميعهم، لذلك من الهام جداً تحديد ما إذا كان ذلك مناسباً لجمهورك، فاسأل نفسك: كيف يتعلم جمهوري عادةً؟ وهل لديهم خبرة في نموذج مماثل من التعلم؟ وهل تتناسب أهدافهم التعليمية مع نموذج التعلم المُصغَّر؟ وهل سيكون لديهم الموارد، مثل الوصول عبر الهاتف المحمول لدراسة الوحدات؟
- تجنَّب الموضوعات المعقدة: كما ذكرنا آنفاً، إذا كان موضوع الدورة التدريبية مفصلاً للغاية ويحتاج إلى الكثير من المعلومات الأساسية، فهذا ليس مناسباً للتعلم المُصغَّر؛ إذ يجب على المتعلم إنهاء الدورة بنتيجة تعلُّم قائمة بذاتها، وكذلك إذا كانت المقاطع تتطلب قضاء وقتٍ طويل في أجواء محددة أو كانت معقدةً للغاية بحيث لا يمكن تدريسها في بضع دقائق، فإنَّ تصميم دورة تدريبية أطول هو الخيار الأنجع.
- أضف وسائط متعددة: يجب أن يكون التدريب السريع والمختصر تفاعلياً؛ حيث ستؤدي إضافة مقاطع فيديو وصور متحركة ورسومات إلى جذب المتعلمين مرئياً وإثراء تجربة تعلُّمهم.
- لا تضف الكثير من المحتوى: يجب أن يكون طول المحتوى من 4 إلى 5 دقائق كحد أقصى؛ لذا أضف فقط المعلومات الأساسية التي يحتاجها المتعلم، والتزم بالمعلومات الموجزة ذات الصلة التي تنقل الرسالة إلى المتعلم.
- أجرِ مسابقات تشجيعية: عزِّز مستويات التفاعل في التعلم المُصغَّر من خلال التحفيز، فقد تكون مكافأة المتعلمين الذين يكملون الدورة من خلال النقاط والشارات والمستويات طريقةً مبتكرة لجعل التعلم شائقاً.
- حافظ على جودة الإنتاج عاليةً: لمجرد أنَّك تقدِّم جزءاً قصيراً من المحتوى، فهذا لا يعني أنَّه من غير الممكن أن يكون بجودة عالية، وقد تؤدي مقاطع الفيديو الرخيصة والصور غير الواضحة والنصوص غير المرتبة إلى تقليل فاعلية تدريبك وانسحاب المتعلمين من الدورة.
- التزِم بالحجم الصغير: يجب ألا يستغرق التعلم المُصغَّر الحقيقي أكثر من 5 دقائق؛ لذا كن صارماً عندما يتعلق الأمر بتحرير محتوى الدورة التدريبية لإبقائها صغيرة الحجم وسهلة الفهم.
- استخدم الوسائط ذات الصلة: تُعَدُّ مقاطع الفيديو والصور المتحركة والصور مثاليةً للتعليم المُصغَّر، ولكن قد يؤدي استخدام الكثير منها إلى تشويش شاشة المتعلم؛ لذا كن منضبطاً مع الوسائط التي تختارها حتى يتمكن المتعلمون من استيعابها بسهولة واستكمال دوراتهم التدريبية بسرعة دون معاناة زيادة الحمل الإدراكي.
- اختبِر المتعلمين: الاختبارات القصيرة والاستبيانات القصيرة واختبارات الاختيار من متعدد السريعة هي الطريقة المثلى لضمان وصول المتعلمين إلى أهدافهم.
- استخدِم التعلم المُصغَّر استخداماً مناسباً: قد يكون التعلم المُصغَّر فعالاً للغاية في تشجيع المتعلمين على التفاعل، ولكنَّه ليس بديلاً عن الدورات التدريبية الطويلة، فهو مثالي للدورات التنشيطية أو التمهيدية إلى دورة أكبر، فاعلم أنَّ التعلم المُصغَّر هو جزء واحد فقط من استراتيجية التعلم الشاملة.