مقدمة:

يخرج الإنسان من رحم أمه إلى هذا العالَم لا يعلم شيئاً، فما هو الشيء الذي يتعلّمه بنجاح يصل إلى نسبة 100% دون أنْ يعلمه إياه أي معلم بطريقة نظامية؟ تأمل هذا السؤال وابحث عن إجابته قبل المتابعة، سوف تأتيك الإجابة قريباً. إن الأطفال هم أفضل المتعلمين، ويُشبِّهون تعلمهم بالإسفنجة التي تمتص ما يحيط بها من ماء بسرعة وبكفاءة عالية، فدعونا نتعلم منهم كيف يتعلمون. ولنفكر سوية بالأسئلة التالية:

برأيك هل لدى الطفل أحكام مسبقة؟ هل لديه تشاؤم تجاه أي شيء جديد؟ هل لديه تكبر، أم أنه يجد نفسه صفراً عندما يواجه الأشياء الجديدة؟ هل يجد نفسه عالماً، أم يجد نفسه جاهلاً؟ (الأحكام المسبقة).

هل يرى الأشياء ويتعامل معها بشكل مقسم ومنفصل عن بعضها البعض، أم يراها بشكل كُلي شامل؟ عندما يتعلم الطفل لغته الأم، هل يبدأ بتعلم الأحرف الأبجدية أولاً، ومن ثم الكلمات، ومن ثم الجمل؟ في نظامنا التعليمي، هل تبدأ المناهج من البسيط وتتسلسل باتجاه المعقد (كما يحدث في مدارسنا)؟ (التجزئة)

هل يتعلم الطفل إلا ما يريد أن يتعلمه؟ (النمطية)

عموماً هل يتعلم أكثر بشكل فردي، أم أنه يتعلم أكثر عندما ينغمس باللعب مع مجموعة من أقرانه؟ (التنافس)

هل لديه الشجاعة الكافية (وأحياناً أكثر من كافية) لتجريب كل جديد أمامه؟ هل يتعلم دون تجريب ما يريد أن يتعلمه؟ دون أن ينغمس فيه من رأسه لأخمص قدميه؟ (التلقين)

هل يتعلم دون وجود ما يحفزه من داخله؟ هل يتعلم الطفل بالجدية الصارمة القاسية؟ أم باللعب والحركة؟ (العصا)

هل يكذب الطفل قبل أن يعلمه أحد ما الكذب؟ هل يصدق كل ما يُقال له من والديه أو من الآخرين؟ هل الطفل صادق، أي أن باطنه وظاهره واحد؟ (الكذب)

كيف يخرج الإنسان من رحم أمه إلى هذا العالَم لا يعلم شيئاً، ويتعلّم لغة يعبّر بها عن كل شيء؟ وبنجاح بنسبة 100%؟ دون أنْ يعلمه إياها أحد بطريقة نظامية. تأمل ذلك وادرسه بعناية وستكتشف طريقة لوزانوف.

كيف يتم نقل وتشرُّب مبادئ التعلم السريع؟ إن أحدنا مهما أتى بوصفات ناجحة من أفضل طباخ يعرفه وحفظها وقام بكل ما يلزم ليتقنها، لا يتقنها إلا عندما يدخل المطبخ، ولو أنه تعلم مباشرة في المطبخ لكان الأمر أيسر وأسرع كذلك. إن أفضل عملية نقل وتشرُّب مهارة قيادة السيارة هي المباشرة بالقيادة رأساً. إذاً التدريب والتعلم السريع لمبادئ التعلم السريع هو المباشرة بالتطبيق والممارسة، ثم القيام بالتغذية الراجعة، بعدها المراجعة، ومن ثم التطبيق والممارسة مرة أخرى.

الإصطباغ في التعلّم: كلما كان الوضع النفسي والشعوري والجسدي والعقلي بعيش هاجس العلم والعمل معاً كلما كان التعلّم موفقاً أكثر، ورحم الله أولئك الذين كانوا يسمعون بالمسألة فيطبقونها لا يزيدون عليها شيئاً حتى تصبح عملاً من أعمالهم، ثم يتعلمون مسالة أخرى وهكذا. وكلما كان ديدن المرء ذلك أصبح زمانه ومكانه بيئة تعلّم، وانغمس كلياً في حالة التعلُّم وهو المدعو إليه بطلب العلم، وهو ما اصطلحنا أن نسميه الاصطباغ في التعلم. ورحم الله من قال: لا يسمى العلم علماً إلا عندما يكون القلب كانطباع البياض في البياض والسواد في السواد. يفكر عقله وينفذ جسده وتنتشي أحاسيسه بسعادة غامرة.

 

الدكتور محمد ابراهيم بدرة.

دار إيلاف ترين للنشر، كتاب التعلم الطبيعي، النسخة الأولى، المؤلف الدكتور محمد ابراهيم بدرة، 2012.


د. محمد ابراهيم بدره