هل يتعلم الطفل بالعصا، بالجدية الصارمة القاسية؟ أم باللعب والحركة؟ ثق تماماً أنه لا يتعلم دون وجود ما يحفزه من داخله. يشجع بيتر كلاين، وهو مدرب في التعلم السريع في معهد لوزانوف للتعلم في واشنطن، التعبير عن العواطف في الصف، إذ يقول: "لا يمكنك فصل التفكير العقلي عن العواطف. في الواقع، عندما نجعل للتعلّم محتوىً عاطفياً يصبح تذكره أسهل لأنّ الناس يتذكرون أكثر كلما كان مستوى الإثارة أعلى. والسرّ فيما نقوم به يكمن في تشتيت العقل الواعي و"إدخال" المعلومات في غفلة منك!"

تحدد المشاعر كمية ونوعية التعلم الذي يمكن للمرء إنجازه وهذا مثبت علمياً، ففي تجربة حديثة ورائدة من نوعها قام بايتون وزملائه عام 2008 باجراء بحث مستفيض على 317 طفلاً تتراوح أعمارهم ما بين 5-13 سنة، على تأثير برنامج التعلم الاجتماعي والعاطفي (هو برنامج يهدف إلى دعم المتعلم عاطفياً بغرض تمكينه من إدارة عواطفه بشكل يسمح له ببناء علاقات سليمة والتصرف بأخلاق ومسؤولية وتفادي السلوكيات السلبية) على الحصيلة العلمية لهؤلاء الاطفال. خرج البحث أن برنامج التعلم الاجتماعي والعاطفي قد أثمر في:

  • تحسين مهارات الأطفال الاجتماعية والعاطفية.
  • زيادة معدل التحصيل الأكاديمي بمعدل 11% مقارنة بزملائهم الذين لم يخضعوا للبرنامج.
  • إظهار سلوكيات أفضل تجاه النفس والمدرسة والزملاء.
  • خفض معدلات الضغط النفسي والتوتر.

لا يمكن للعملية التعليمية المخيفة ذات العصا أن تنجز من التعليم قدر ما تنجزه عملية تعليمية مرحة إنسانية. حقيقة إنّ ميزات الأطفال كالعفوية والانفتاح وتوقع المتعة، تساعد في إيجاد بيئة تستحق أنْ نعود إليها. (مرض العصا)

كيف يتم نقل وتشرُّب مبادئ التعلم السريع؟ إن أحدنا مهما أتى بوصفات ناجحة من أفضل طباخ يعرفه وحفظها وقام بكل ما يلزم ليتقنها، لا يتقنها إلا عندما يدخل المطبخ، ولو أنه تعلم مباشرة في المطبخ لكان الأمر أيسر وأسرع كذلك. إن أفضل عملية نقل وتشرُّب مهارة قيادة السيارة هي المباشرة بالقيادة رأساً. إذاً التدريب والتعلم السريع لمبادئ التعلم السريع هو المباشرة بالتطبيق والممارسة، ثم القيام بالتغذية الراجعة، بعدها المراجعة، ومن ثم التطبيق والممارسة مرة أخرى.

الإصطباغ في التعلّم: كلما كان الوضع النفسي والشعوري والجسدي والعقلي بعيش هاجس العلم والعمل معاً كلما كان التعلّم موفقاً أكثر، ورحم الله أولئك الذين كانوا يسمعون بالمسألة فيطبقونها لا يزيدون عليها شيئاً حتى تصبح عملاً من أعمالهم، ثم يتعلمون مسالة أخرى وهكذا. وكلما كان ديدن المرء ذلك أصبح زمانه ومكانه بيئة تعلّم، وانغمس كلياً في حالة التعلُّم وهو المدعو إليه بطلب العلم، وهو ما اصطلحنا أن نسميه الاصطباغ في التعلم. ورحم الله من قال: لا يسمى العلم علماً إلا عندما يكون القلب كانطباع البياض في البياض والسواد في السواد. يفكر عقله وينفذ جسده وتنتشي أحاسيسه بسعادة غامرة.

 

الدكتور محمد ابراهيم بدرة

دار إيلاف ترين للنشر، كتاب التعلم الطبيعي، النسخة الأولى، المؤلف الدكتور محمد ابراهيم بدرة، 2012.


د. محمد ابراهيم بدره